مجلة الرسالة/العدد 1004/رسالة المسجد في ظلال النهضة الجديدة

مجلة الرسالة/العدد 1004/رسالة المسجد في ظلال النهضة الجديدة

مجلة الرسالة - العدد 1004
رسالة المسجد في ظلال النهضة الجديدة
ملاحظات: بتاريخ: 29 - 09 - 1952



للأستاذ محمد عبد الله السمان

أعتقد أن وزير الأوقاف فضيلة الشيخ أحمد حسن الباقوري لم يقبل هذه الوزارة إلا وفي مخيلته رسالة الإصلاحية يبغي تحقيقها، وفي نفسه ثورة انقلابية يود إشعالها، مستعيناً على تحقيق رسالته وإشعال ثورته بنضارة شبابه وسداد رأيه وقوة عزمه، ومستمداً التأييد من هذا العهد الجديد القائم إلى أسس ثابتة من الإصلاح

وأعتقد مرة أخرى أن وزير الأوقاف هذا ينال ثقة كبرى من شعب مصر على اختلاف أحزابه وهيأته. ولا سيما شباب الطليعة الذي يقدر ثقته، ويحسن الظن بها. وما أكثر ما يئس الناس قبلاً من إصلاح وزارة الأوقاف وفقدوا الأمل كله في إنقاذها من أوحالها وأثقالها وأوزارها! ولكن ما أكثر ما يملأ الرجاء اليوم قلوبهم وما ينبعث الأمل في نفوسهم، واثقين كل الثقة من إصلاحها وإنقاذها على يد وزيرها الشاب الناهض الذي لا يقر العجز ولا يلين لليأس ولا يؤمن بالتقهقر، ولا يرضى الفشل ثمرة لجهده الجبار الذي يهب له صحته وراحته

ونحن لا يعنينا حل الوقف الأهلي، ولا تنظيم الوقف الخيري، ولا وضع حد لفوضى الصدقات والخيرات. بقدر ما يعنينا رسالة المسجد في ظلال وثبة الجيش الجبارة، والنهضة الجديدة المباركة، وبرنامج الإصلاح الشامل المنشود، لأن الوقف بنوعيه يهم فئة من الشعب، ونظام الصدقات يجب ألا يكون من مقومات الأمة في عهدها الجديد

أما المسجد فيخض الشعب بأسره، وهو ضروري له، لأننا نبغي بعثه من جديد، وتكوينه التكوين السليم، حتى نؤهله للوقوف بجانب الشعوب الناهضة الحية التي أبت إلا حياة العزة والكرامة والمهابة فكان لها ما أرادت

كان المسجد في ظلال العهود الإسلامية الأولى معبداً تؤدى فيه الشعائر، ومعهداً تدرس بين جدرانه شتى العلوم ومختلف الفنون وندوة يروج تحت سقفه ألوان من الأدب المصفى، وبرلماناً شعبياً تلتقي تحت قبته الآراء الحرة، وترسم خطط النهضة، وبرامج الإصلاح وكانت خطبة الجمعة بياناً شاملاً عن سياسة الدولة وشؤونها وخطواتها وكان أن نكبت البلاد الإسلامية بعدئذ بعهود حائرة حكمتها حكماً إقطاعياً فإجراء أصاب فجوره و أسلوب الحكم؛ كما أصاب الشعب والعلم والأدب والفن حتى المسجد لم ينج من شره لأنه لم يكن يملك غير الشر، ولم تنله رحمته، لأنه لم يكن يملك ذرة واحدة من الرحمة

إن ذلك الحكم الإقطاعي الذي حكم بلاد المسلمين في القرنين الأخيرين وقف بالمرصاد للمسجد لأنه البوتقة التي تصهر فيها قوى الشعوب، وتتكون من بخارها الصيحات الجريئة، والآراء الحرة فعولت على أن تجعل منه مجرد معبد تؤدى فيه شعائر الدين ليس إلا وتجعل من خطبة الجمعة منشوراً دورياً، يزهد المسلمين في الحياة الدنيا وزينتها، ويحذرهم مغبة التكالب على الثروة والجاه والسلطان، ويذكرهم بسكرة الموت وظلمة القبر، وهول الموقف، ويروج بينهم للصبر والمثابرة، والتسليم والمسالمة، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خشية الفتنة، والغفلة عن ظلم الولاة وطغيان الحاكمين وجبروت السلطان حتى لا يموتوا ميتة جاهلية. . .!

واليوم وقد وثبت مصر هذه الوثبة المباركة، وبدأت تتحرك وفق أرض المنانة قافلة الإصلاح في غير توان أو تلكؤ؛ يجب أن يعود للمسجد شأنه فتعود مكانته إلى قلوب الناس من جديد، والمسجد الجديد يجب أن يشمل الإصلاح مكانه وإمامه، فمتى وجد المسجد المنظم النظيف وجد الشعب نفسه منجذباً إليه يؤثر الصلاة تحت سقفه على الصلاة في بيوته، ومتى وجد الخديب الحر اللبتي القوي؛ وجد شباب الطليعة المثقف نفسه منجذباً إلى المسجد ليفيد من المعاني الإسلامية الحية التي تزيده ثقافة دينية فوق ثقافته العصرية

إن هناك مساجد ضخمة كبرى تهوى إليها الآلاف يوم الجمعة وما أن تسمع خطبة الجمعة من شيخ كهل لا يقوى على النطق فضلا عن الخطابة وهي لا تزيد على كلام مكرر ركبك ذي أسلوب معقد عقيم! ما أن تسمع مثل هذه الخطبة حتى تريد عن المسجد ضيقة الصدر كئيبة النفس - وبجانب هذه المساجد الضخمة مساجد صغيرة أشبه بالزوايا، موزعة في الأزقة والحارات والدروب، لا تشعر بالدنيا، ولا تشعر الدنيا بها! قد عين لها خطباء من الشباب الكفء القدير، القوي في تفكيره وأسلوبه ومنطقه، فإذا كان الضروري للعهد البائد المنقرض أن يبقى هذا الوضع الشائن ليضمن غفلة الشعب وغفوة الرأي الحر، فأي مبرر لأن يظل كما هو اليوم، ونحن في ظلال حياة جديدة هي في مس الحاجة إلى الشعب القوي ليكون دعامة لها وسياجا لبنائها وهناك مسألة لها أهميتها، فالمعروف أن الدروس التي في المساجد دينية محضة تشتمل في معظم الأحيان على ألوان من التفسير والفقه والتوحيد والحديث ومزيج من القصص الركيكة، فلماذا لا يكون بجانب هذه الدروس ولا سيما في المساجد الكبرى بالعواصم دروس أخرى في السياسة والأدب والفلسفة والتاريخ والاجتماع وغير ذلك، وتشرف الوزارة على اختيار المدرسين - بشرط أن يتطوعوا للمساجد المشهورة، وتترك للأئمة في المساجد الأخرى حرية الاستعانة بمن يشاءون، وبذلك نضمن رواداً للمساجد من الطليعة الناضجة شبابا وكهولا، ونخطو بالمسجد خطوة موفقة نحو المكانة التي تليق ببيوت الله. . .؟

هذه همسات خفيفة نرجو أن تصغي لها أذن وزير الأوقاف الموثوق بكفاءته وإخلاصه لرسالته - والله الموفق

محمد عبد الله السمان