مجلة الرسالة/العدد 1007/المسرح والسينما

مجلة الرسالة/العدد 1007/المسرح والسينما

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 10 - 1952



المسرح المصري في عام

للأستاذ علي متولي صلاح

شغلتنا العلة والرحلة عن أن نسجل جهود المسرح المصري في العام الماضي، فقد كان عاماً خصباً موفور الإنتاج كثير النشاط يمتاز امتيازاً واضحاً ملموساً عن الأعوام القريبة السابقة، ولعل مرد ذلك إلى التنافس القوي الذي احتدم بين الفرقتين اللتين كانتا فرقة واحدة هي (الفرقة القومية المصرية) ثم انقسمت - كما ينقسم كل شيء عندنا - غلى فرقتين هما (الفرقة المصرية) (فرقة المسرح المصري الحديث)

أما الأولى فقوامها من رجال المسرح الأقدمين، وأما أخراهما فقوامها شباب جديد يدرجون على المسرح لأول مرة وهم أصحاب مذهب آخر واتجاه آخر يعاير كثيراً ما يذهب إليه رجال الفرقة الأولى.

والمسرح هو - كما يعلم القراء - الصورة المهذبة المشذبة للحياة، وهو أرفع أنواع الفن والأدب، بل هو على الأصح جماع عدد كبير من الفنون والآداب، فالحديث عنه إنما هو حديث عن الحياة والأدب والفن جميعا، وأرجو أن يأتي اليوم الذي أرانا فيه نقتتل ونتخاصم ونختلف حول رواية من الروايات كما بفعل الأوربيون في نواديهم وأحاديثهم وصحفهم.

ولقد دأبت الفرقة الأولى - وأعني بها الرقة المصرية التي كان يتولى أمرها الأستاذ يوسف وهبي - دأبت كشأنها دائما على تقديم ما خفت مؤونته من الروايات المترجمة التي رآها الناس أكثر من مرة فكان ذلك مها إفلاساً كبيراً وقصوراً معيباً، اللهم إلا عدداً آخر من الروايات كان الأستاذ يوسف وهبي فيها هو المؤلف والمخرج والممثل جميعا! وليس من عجب في ذلك ولا من غرابة فكلنا يعلم أنه.

ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد!

نعم. . . كان الأستاذ يوسف وهبي دكتاتورا متصرفا في كل الأمور، بل إن دكتاتوريته امتدت في كثير من الأحيان إلى أعمال بعض المؤلفين الذين تتقطع نياط قلبه دون أن يبلغ شيئا مم بلغوه، وأشير هنا على سبيل المثال إلى الجرأة التي ارتكبها هذا الرجل في وراية (سر الحاكم بأمر الله) للأستاذ علي أحمد باكثير، فقد عدا فيها على المؤلف عدواناً كبيراً وغير شخصية (الحاكم بأمر الله) - كما أرادها المؤلف - من النقيض إلى النقيض، وحمله من الرأي والفكر ما لم يحمله المؤلف، وقلبه من رجل قوي قادر ذي بطش وذي إرادة وقوة! إلى رجل ضعيف متهالك مهرج دجال، ولا ندري لذلك من حكمة إلا رغبة الأستاذ يوسف وهبي في أن يظهر على المسرح دائما مهرجا دجالا تفرح العامة لرؤياه وتدمى أكفهم بالتصفيق له!

أما تأليفه فهو مجموعة أمشاج وأخلاط ومسوخ شائهة! بل هي سوءات لا أدري كيف يعرضها على الناس، وأشر إلى واحدة منها مما قدمه في العام الماضي وهي التي سماها (70 سنة) فهي فؤوس تهوى على عقول النظارة، وهي صخور يجرها من هنا الميكرفون ومن هناك المناظر السينمائية لأنها لا تستطيع أن تنهض منفردة وأن تعيش مستقلة! وهذا خلط ليس من الفن المسرحي في شيء.

ولذلك فقد كان حسناً جدا أن ابعدوا هذا الرجل عن تلك الفرقة. . والله المسئول أن يهيئ لها من أمرها رشدا في عهدها الجديد.

وأما الفرقة الثانية - وأعني بها فرقة المسرح المصري الحديث - فهي مجموعة من الشباب الذين نالوا حظا غير قليل من الثقافة والمعرفة والدراية بشؤون المسرح، ودرسوا فن التمثيل والإلقاء والإخراج في المعهد العالي لفن التمثيل، فكانوا دما جديدا، وكانوا وثبة جديدة باركناها يوم ظهورها على صفحات (الرسالة).

ولقد سلخت هذه الفرقة عامين من عمرها، ونهضت فيها نهضة مشكورة، واستطاعت إلى حد كبير أن تثبت وجودها في عالم المسرح، وقدمت للناس عددا لا بأس به بين مؤلف ومترجم من أمثال (مسمار جحا)، (مريض رغم أنفه)، (حورية من المريخ) وسواها مما رآه الناس وحمدوا لها حسن اختياره، فإن اختيار الرجل دليل عقله، وإن الشاعر القديم ليقول:

قد عرفناك باختيارك إذا كا ... ن دليلا على اللبيب اختياره

ولكن الحق يقتضينا أن نأخذ عليها أنها قدمت توافه خسيسة ضئيلة القيمة من أمثال (دنشواى الحديثة)، (كسبنا البريمو) مما سبق أن أفضنا في الحديث عنه.

ولقد استطاعت هذه الفرقة الناشئة أن تصرع الفرقة الأخرى القديمة التي يهيمن عليها الأستاذ يوسف وهبي بهيله وهيلمانه، وعندنا أن مرد الأمر في نجاح هذه الفرقة الشابة إنما يعود إلى المجهود الجبار العنيف الذي يبذله الأستاذ زكي طليمات في إخراج الروايات وتدريب أعضاء الفرقة تدريبا دقيقا على كل لفظة وكل خلجة وكل لفتة يؤدونها، وأشهد لقد رأيته وهو يتصبب عرقا في تدريبهم ويبذل في ذلك جهد المخلص الصبور، الأمر الذي جعلنا تأخذنا الدهشة والحيرة عندما سمعنا بأمر هذا الانقسام الذي يؤسف له كثيرا بين هؤلاء الأعضاء وأستاذهم زكي طليمات.

وليس المقام هنا مقام أن نخوض في أسباب هذا الخلاف؛ ولكننا نجد أن تمرد التلاميذ على أستاذهم وخروجهم عليه وتشهيرهم به أمر تأباه الأخلاق الفاضلة، فما بالك وهو ليس أستاذا عاديا ولكنه أستاذ يبذل لتلاميذه كل جهده ووقته، وينفق حياته في إعدادهم وإنهاضهم وإظهارهم للناس في أحسن صورة، ويحدب عليهم حدب الآباء على أبنائهم - ونحن نعلم من ذلك الكثير - ثم ينتهي الأمر بهذه النبوة المفاجئة وكيل التهم لأستاذ كان هو لحمة هذه الفرقة وسداها.

وعلم الله ما ندافع عن الرجل ما لقيناه وما سمعناه منه كلمة في هذا الصدد، ولقد كنا أول من حمل عليه لما اختاره من روايات سيئة، ولكننا نكون مع الحق دائما، والحق يقضي هنا بأن نقول إن فرقة المسرح المصري الحديث يعزى وجودها وكيانها ونهوضها إلى الأستاذ زكي طليمات، وإن كل تقدم ناله أعضاء هذه الفرقة أو سينالونه في المستقبل فإنما مرجعه إلى جهود هذا الأستاذ.

علي متولي صلاح