مجلة الرسالة/العدد 101/تطور الحبشة
مجلة الرسالة/العدد 101/تطور الحبشة
لكاتب مطلع
الحبشة بلد المتناقضات إلى أقصى حد، فهي تجمع بين مناخ المنطقة الاستوائية ومناخ جبال الألب، وبين الخشونة والرقة؛ وهي أفريقية الموقع، ولكنها وليدة التقاليد العريقة التي تعاونت على إيجاد أوربا. والإمبراطور يحمل فوق رأسه تاج سليمان ويحكم أقواماً حربيين يعيدون ذكرى رجال الإقطاع في العصور الوسطى، وفوق ذلك كانت الحبشة موطن قبائل الجالا أثناء حكم الأسرة الثامنة عشرة الفرعونية، كما أنها غزت مصر قبل المسيح بثمانية قرون
ولقد ساعد اختلاف الجو وتراوح ارتفاع الأرض عن سطح البحر بين 4000 , 900 متر على اختلاف الأجناس. ولعل هذا الاختلاف في الأجناس كان السبب في إطلاق العرب على هذه البلاد لفظ الحبشة، ويعنون به (تعدد الأقوام)، فإن الواقع أنك تجد كل أنواع الأجناس البشرية فوق هذه الهضبة العالية المنفصلة عن العالم بأسوار شامخة وصحار سحيقة. والأحباش يتكونون في الأصل من قبائل الجالا والصومال، ثم كان نتيجة اكتظاظ القصور بالجواري السود أن نشأ جنس ضارب إلى السواد. أما قبائل الوالوس فهم يهود يدعون أنهم من نسل أصحاب ملكة سبأ ومن التجار الذين كانوا يتاجرون أيام سليمان. وكل هؤلاء الأقوام يتكلمون لغات مختلفة تقرب من ستين لغة فصيحة ومائتي لغة دارجة. على أن أكثر اللغات تداولاً هي اللغة الأمهاريكية وهي لغة اليهود الأولى بعد اللغة العربية، واللغة التيجربة المسماة (لغة المسيحيين)، أما اللغة الجيزية فهي اللغة الأدبية التي ترجمت إليها التوراة. على أن من يحسنها من أبناء الشعب لا يتعدى عدداً يسيراً. ويجب أن نفهم من هذا الاختلاف الظاهر تاريخ هذه الأمة التي استطاعت حتى الآن أن تحافظ على استقلالها بفضل استعدادها الحربي والمنافسات القائمة بين أعدائها
إن الأحباش على رغم اختلافهم يشتركون جميعاً في الاستعداد الحربي الذي هم مدينون به لطبيعة بلادهم. فالجبل يخلق أجناساً أقوياء البنية، ولقد روى مسيو مونفريد أنه كثيراً ما أرسل سعاة يحملون رسائل إلى دير داؤوا حيث كان يسكن تشرشر، وكانت المسافة ثمانين كيلو متراً خلال الجبل والوديان المحرقة (فكان الرجل يرحل عند الصباح حاملاً خطابه في عصا مشقوقة، ويعود بالجواب في مساء اليوم التالي، فكأنه قطع مسافة 160 كيلو متراً في ست وثلاثين ساعة. وفي المرة الأولى كنت عظيم الدهشة والحيرة، إذ بينما كنت أنتظر من الرجل أن يلهث أمامي من الإعياء إذا بي أراه بعد ساعة يشترك في الرقص دون أن تظهر عليه دلائل التعب. ومما يبعث على العجب أن أولئك الرجال يقومون بهذه الرحلات الشاقة وطعامهم حفنة من القمح وسيقان من الذرة يقتلعونها أثناء الطريق ويأكلونها أثناء جريهم، أما نساء بعض الأقاليم فهن يقطعن كل يومين مسافة 35 أو 40 كيلو متراً تقريباً حاملات على ظهورهن حملاً يبلغ خمسين كيلو، وذلك لقاء ثمانية أو عشرة قروش، أو ما يعادل فرنكين وخمسين سنتاً تقريباً، وعندما يعرض عليهن في منتصف الطريق شراء ما يحملن بالثمن الذي سيبعن به في دير الداؤوا يرفضن خشية أن يفقدن بذلك نصف قرش. وأولئك التاجرات اللواتي لا يتعبن هن اللواتي يصحبن الجنود في غزواتهم، فالجيش تمده ذخيرة من النساء فيسهلن له أكلاف الحياة الضرورية، ويحملن أدوات المنازل المتنقلة. وحالة الجيش المعنوية تكون دائماً على جانب عظيم من القوة، والجندي لا يعرف نظام المعسكرات، وهو يحيا حياة كاملة الحرية، فينزل في أي مكان كأنه في داره الخاصة؛ والإنجليز والطليان يعرفون بالتجربة القيمة الحربية للشعب الحبشي: يعرفها الإنجليز منذ الاستيلاء على مجدلة وإخلائها عام 1868، ويعرفها الطليان منذ هزيمتهم في دوجالي عام 1887، وفي عدوه عام 1896)
وعواطف هذا الشعب من نوع شجاعته أثناء العمل وأثناء القتال، وهي ترجع إلى تمسكه الشديد بالعوائد والمعتقدات، وقد دخلت البلاد مع الديانة المسيحية منذ القرن الرابع. ويروي أن القس فيليب الذي كان من أوائل المبشرين المسيحيين هو الذي نصر رئيس خدم أميرة حبشية (ففتح بذلك في الحبشة السبيل للديانة المسيحية). ومن المعلوم أن القرن الخامس كان شديد الاضطراب بسبب المسائل الدينية، إذ قامت المناقشات حول مريم إن كانت أم الله أو أم المسيح فقط. كما أن مجلس إفيز الديني طرد نسطورياس الذي دامت هرطقته وانتشرت حتى يومنا هذا. وفي نفس ذلك الوقت أعلنت عدة مجالس دينية على التوالي إيمانها أو إنكارها لطبيعة السيد المسيح الواحدة أو المزدوجة. وقد أعلن مجلس ال451 عداوته لفكرة طبيعة السيد المسيح الواحدة، واستند المعلنون في قرارهم إلى الكنيسة المسيحية في مصر التي استطاعت خلال القرون أن تحافظ على استقلالها تحت اسم الكنيسة القبطية. والعلاقات بين مصر والحبشة ترجع إلى زمن بعيد مما كان سبباً في أن تصبح الكنيسة الحبشية فرعاً من الكنيسة القبطية في مصر، فرئيس الكنيسة المسيحية في الحبشة الملقب بالأب (أب السلام) إنما يعينه بطريق الإسكندرية الذي يقيم في القاهرة؛ ولقد فشلت محاولة البابوية ضم كنيسة الحبشة إليها. وقد تمكن البرتغاليون في أوائل القرن السادس عشر أثناء كفاحهم مع المسلمين في سبيل السيادة على طريق الهند من إرسال بعثة كاثوليكية، ولكن سيطرة الجزويت لم تدم، واستعادت الكنيسة القبطية في الحبشة علاقاتها مع بطريق الإسكندرية عام 1633. على أن حوادث جديدة قامت فدلت على أن السياسة لا تترك مطلقاً الفرصة لاستغلال العواطف الدينية مما أحدث تغييراً في أفكار البلاد الحبشية. إذ في 2 يونيو من عام 1929 استطاع أخيراً بطريق الإسكندرية بعد إجازة دامت ثلاثين شهراً أن يرسم الأب كيرول سيداروس، وكان عليه في الوقت نفسه بالرغم منه أن يرسم خمسة أساقفة حبشيين، فكان في هذا الحادث الذي لم يسبق له مثيل تحديد لتقدم الاتجاه القومي في الحبشة، فتوترت العلاقات بين النجاشي والبطريق، وكان الدليل على ذلك تلك الرحلة التي قام بها الأب إلى الإسكندرية في مارس من عام 1931، وقيل يومئذ إنها التمضية مدة النقاهة بعد الإبلال من مرضه. وهناك حادث آخر عظيم الخطر هو زيادة نفوذ الفاتيكان، فقد قامت محاولات منذ سنين طويلة لفصل إرتريا عن الكنيسة القبطية الحبشية. وبطريق الإسكندرية يواصل رسم القسس في هذه البلاد، على الرغم من أن قسس إرتريا يستمدون الأوامر الدينية من رومة لا من أديس أبابا. ولا شك أن الدعاية الدينية تصحب التقدم الاقتصادي وتقوية
وللقس حق التزويج مرة واحدة. وهم على العموم على جانب عظيم من الجهل. ومعلوماتهم لا تكاد تتعدى أمور العبادة، وللقسيسين والرهبان سلطان عظيم على الجماهير الجاهلة التي كان يحتم عليها سلطانها المدني الذي نالته منذ القرن الثالث عشر الدفاع عن حقوقها ومصالحها. ولقد أصبح رئيس الأديرة الأكبر - وكانت مهمته في البداية التفتيش على الأديرة - الرئيس الحكومي للأب والكنيسة. والأب يكون دائماً أجنبياً يعينه بطريق الاسكندرية، ورئيس الأديرة الأكبر يكون دائماً حبشياً تعينه السلطة المدنية. وسلطان رجال الدين شديد النفوذ عظيم القوة، حتى أنهم يمتلكون جزءاً كبيراً من الأرض المزروعة وقرى بأكملها، وعلى حسب العرف الجاري في البلاد ينال المالك خمس محصول الأرض، ومن ذلك يستطيع المرء أن يتصور المعارضة التي يصادفها مشروع يرمي إلى تغيير نظام مضت عليه أجيال طويلة. وكل حياة الأحباش تقوم على الأيمان بالمعجزات وتقديس القديسين والملائكة وعلى الفرائض الدينية: كالاعتراف بالخطايا والصيام القاسي والغفران، والحج إلى بيت المقدس واجب يكفر عن الذنوب. وقد أخذت الديانتان المسيحية والوثنية يؤثر تدريجياً بعضهما في بعض، فديانة قبائل الجالا الأفريقية الأصل قد تأثرت بالمسيحية. ومع ذلك فقد تأثرت أيضاً الديانة المسيحية القبطية بالخرافات والسحر، وقد امتزج الإيمان بآله إبراهيم والمسيح بضروب الإيمان التي كانت شائعة قبل التاريخ، كتعظيم الماء والأمواج والغابات والأشجار المقدسة والشمس، وفي الوقت الحاضر يتقدم الدين الإسلامي في الحبشة كما يتقدم في كثير من البلاد الأفريقية
وهكذا نرى الحبشة تبدو حكومة من حكومات القرون الوسطى التي كان يحكمها الكهنة نيابة عن الله. فهناك لا يمكن أن يحدث شيء لا يريده رجال الدين، والحاكم الذي يأمل في السلطة العليا يجب أن يتأكد قبلا من تأييدهم ومعونتهم. على أن الدهماء ورجال الدين الجهلاء يستفيدون من تلك المدينة القديمة التي يمكن أن يقال إنها بدائية وفي نفس الوقت مهذبة. فمبدأ الصدقة المسيحية قد تغلغل في أعماق الغشاء الكثيف الذي يغشى القلوب. حتى أن فضيلة إعطاء الصدقات التي كانت واجباً أضحت غريزة. وهذه المدينة الدينية القديمة تنتج رجالاً أكفاء. ولقد روى مسيو دو مونفريد فقال: (عندما بلغنا قمة الهضبة قدم إلينا رجل حبشي تغطى رأسه عمامة بيضاء كالتي يلبسها الرهبان. كان وجهه دقيق التقاطيع عليه مخايل المهابة والهدوء. وكان هذا الوجه طويلاً مسنوناً تطفر منه نظرة تائهة شاردة. وقد تناول يدي بحركة لا شعورية كأنه أحد أصدقائي. لقد كان ذلك الرجل هو الراهب حنا ممثل الكنيسة والحارس للأمير المخلوع. وكانت عباءته من الكتان الغليظ، وكان عاري القدمين، لكن يده كانت ناعمة رقيقة. وكان يتكلم بصوت منخفض لكنه مؤثر. ونظراً لأني أعرف إلى أي حد يتمتع رجال الدين الأحباش بقوة تختفي وراء ما للأباطرة من مظهر السلطان، فقد دهشت دهشة عظيمة لذلك المظهر المتواضع الذي يبدو به ذلك الرجل الضئيل ذو العمامة البيضاء المصنوعة من القطن. ولم يكن يتبعه حاشية ولا حرس خاص، إذ لم يكن في حاجة لذلك، لأنه أينما ذهب انحنى أمامه كل من صادفه مظهراً الإجلال والاحترام. وجاء في ذلك الوقت ددجاز جوبانا يرى الأعمال الجارية. وكان راكباً بلغته السوداء الموشاة بالفضة، وكان يحف من حوله خمسون جندياً، وهو رافع بندقيته على كتفه. حقاً لقد كان منظره رهيباً وهو ينظر نظرة النسر ملتحفاً بردائه الرمادي. ها قد اجتمع الراهب وقائد الحرب. وقد يقول قائل: قد اجتمع عدوان في مكان واحد. على أن رجل الكنيسة هو أعظم الاثنين رهبة وأشدهما خطراً. وهو نفسه يشعر بذلك، فكان يبتسم ابتسامة هادئة. ومستقبل الحبشة يقف على هذين الرجلين، وشقاؤها يرجع إلى أن كلا منهما يستخدم الآخر ويستعين به. فرجل الحرب يستعين برجل الدين على الاستيلاء على عرش ملك الملوك، ورجل الدين يستعين برجل الحرب على الاحتفاظ بسيطرته على النفوس وبثروته العقارية. على أن وحدة البلاد المعنوية أثناء ذلك تتفكك. والأجنبي رابض أمام جميع أبواب البلاد
وتاريخ الحبشة السياسي يكاد ينحصر في حروب دائمة بين كبار رجال الإقطاع في سبيل الفوز بتاج سليمان. وفي اللحظة التي تقاسمت فيها أوربا القارة الأفريقية، وجدت الحبشة في مينليك الرجل الذي استطاع صد أول هجمة على البلاد. ولقد عرف ذلك الإمبراطور العظيم كيف يفرض سلطته على الجميع بفضل نشاطه الحربي وحنكته السياسية وكان أول همه تأييد سلطته في الداخل وإغلاق أبواب البلاد في وجه الغزاة. على أنه وقف عند ذلك الأمر ولم يتعده. إذ كان من الواجب الاستفادة من الانتصار المزدوج لينظم البلاد على الطريق الحديثة في الإنتاج والتبادل. ولكن الإمبراطور العظيم لم يستطع أو لم يرد ذلك. وقد يكون الموت عاجله قبل أن يتم ما أراد. ولقد حدثت قريباً حوادث عدة تبين أن النجاشي ليست له على بعض الأقاليم البعيدة إلا سلطة اسمية، وأن هناك كثيراً ممن يدعون الحق في عرش ملك الملوك. ويقال إن النجاشي يفهم تماماً حقيقة الموقف ويعرف ما يجب أن يفعله. على أن هناك عقبات تقف في طريقه، ذلك أن من الواجب اليوم أن يبذل جزءاً من قواه في سبيل المحافظة على سلطته، وأن يطلب مساعدة كل أولئك الذين يشلون حركته في كل مشروع إصلاحي، وذلك في الساعة التي تهدد فيها مملكته بغزوة استعمارية جديدة.
ومنذ عصر مينليك، أي منذ خمسين عاماً، تغيرت في العالم وفي الحبشة نفسها أمور كثيرة. فدخلت أفريقيا كلها في تيارات التجارة العالمية الكبرى، وصحب ذلك كل ما يلزم من الضرورات والآراء الجديدة. فالسيارات والطيارات زادت في طرق المواصلات، ولم تعد هناك قوة إنسانية نستطيع أن تطيل تلك العزلة التي ملكت الحبشة عدة قرون، إذ كان لزاماً عليها أن تستعد لتأخذ مكانها بين سائر الشعوب. وكل ما في المسألة هو معرفة ما إذا كانت تستطيع ذلك بمفردها مستعينة بوسائلها الخاصة، أم هي - نظراً لشدة شبهها بمراكش - في حاجة إلى دولة تحميها
إن استقلال كل دولة من الدول يقف من جهة على الدولة نفسها، ومن جهة أخرى على الدول المجاورة. ولقد كان لينليك الحظ في استطاعته الاستفادة من المنافسات الاستعمارية في الوقت الذي كان يوجد فيه كثير من الأراضي الأفريقية القابلة للاستعمار. والآن انتهى التقسيم. وبدلا من البحث في هذه لم يبق إلا الابتداء في استغلال الحبشة. ويضاف إلى ما سبق أن المنافسات على هذه البلاد يلوح عليها الهدوء، وأن الاتفاق بين الدول المتنافسة محتمل الوقوع. ومن هنا يعظم الخطر على الحبشة
وهذا الخطر الأجنبي يجعل المهمة الواجب القيام بها فيما يتعلق بالسياسة الداخلية تفوق قدرة رجل فرد مهما كان نابغاً. إن من الواجب إزالة الفوارق القائمة بين المدينة البدائية الدينية الساذجة والمدنية الغربية المادية. والواقع أن الحياة في الحبشة قد تطورت، إذ من العسير أن يعيش شعب بأكمله عيشة الزهد والتقشف. ومن المحال إقامة روابط طبيعية دائمة بين الأفراد والجماعات من غير وجود مبادئ مشتركة بين الجميع. من الحق أن المدنية الغربية تتضمن كثيراً من الرياء، فالرق على شكله الذي نراه في الحبشة ليس أفظع من العمل الذليل في الصناعة الكبرى، إلا أن في الحبشة نظماً معينة هي تراث الماضي العتيق يجب أن تختفي من الوجود. وسواء دخلت الحبشة عصبة الأمم أم لا فهي لا تستطيع في العالم الحديث الإبقاء على قانون التعذيب وعلى السطو والنهب والرق. على أن المرء يتساءل: على أية قوة منظمة يستطيع أن يستند ملك عظيم للقيام على خير ما يرام بالإصلاحات الضرورية إذا كان السكان لا يشعرون بالحاجة إليها قبله؟ إن رجال الطبقات العليا الذين يملكون الأرض والسلطة لا يرغبون في تغيير يظنون أنه سيفقدهم كل شيء ولا يربحهم شيئاً. ذلك أنهم لا يطلبون إلا أن تزيد ثروتهم يوماً بعد يوم. وليس عند الطبقات العاملة في مختلف الأقاليم فكرة ما عن إمكان تحسين حالهم. واستغلال القوي للضعيف كأنه قانون طبيعي لا يجب أمامه إلا الاستسلام والخضوع. أما رجال الدين والرهبان وهم أصحاب السلطة العليا فأية مصلحة سيجنونها من نظام جديد؟ بقيت الشبيبة المتعلمة القليلة العدد التي تطلب العلم في جامعات أوربا وأمريكا، إنها تعود إلى بلادها خشنة الطباع كارهة للأجانب. على أن الفكرة القومية وحدها لا تكفي، إذ يجب أن تستخدم هذه الفكرة في تحقيق أمر من الأمور أو مبدأ من المبادئ. على أن المظنون إن استخدام هذه الفكرة في سبيل خدمة الحبشة سيكون أقل من استخدامها في سبيل الاحتفاظ بالحالة الراهنة من اقتصادية واجتماعية ودينية. وأمام هذه الحالة، فإن حدوث حرب ولو انتصرت فيها الحبشة، سوف لا ينتج إلا نصراً مؤقتاً. ليس في الحبشة فلاح واحد يقارن بين ما يحدث في أسواق بلاده وطرقاتها وبين الحالة التي يستطيع أن يراها وراء الحدود. أما حال العقيدة الدينية فمن المحقق أن الكنيسة القبطية في مصر تسودها الآراء الحديثة، وأن المعتقدات القديمة تفنى شيئاً فشيئاً تحت تيارات العقل المستنير. ومن المحتمل أن هذه التيارات والاتجاهات ستظهر أخيراً عند مسيحي الحبشة نظراً لموقع البلاد الجغرافي
(لموا)
ترجمة ع. ك