مجلة الرسالة/العدد 1019/أراء وأنباء
مجلة الرسالة/العدد 1019/أراء وأنباء
فيجايا لاكشمي باندت نهرو
للأستاذة زينب الحكيم
وردت القاهرة في الأسبوع الماضي السيدة الهندية العظيمة فيجايا لاكشيمى باندت نهرو التي رأست وفد بلادها في دورة هيئة الأمم الأخيرة، وقد مثلت بلادها بنجاح منقطع النظير، وكانت سفيرة للهند لدى الولايات المتحدة مدة طويلة، وكانت قبل ذلك وزيرة للصحة، والآن تعمل في سلك السياسة الخارجية بمقدرة وفهم:
ولهذه السيدة مبدأ حساس، فهي داعية للسلام العالمي، مشجعة على بث روح الإنسانية، وتعنى برؤية الناس كطبيعة حية، أكثر من عنايتها بالمتاحف والآثار، شجاعة في الحق، قادرة على تمحيص الأمور.
تعلمت تعلماً منظماً، وأكسبتها بيئتها ونشأتها وكثرة تنقلاتها ثقافة واسعة، وهي ذات أناة وصبر، فكم شهدتها تصغي لشتى الأسئلة من الصحافيين وغيرهم، وتجاوب بدقة على ما تريد الإجابة عنه؛ فهي ممثلة سياسية بارعة، ومرشدة اجتماعية ممتازة. يشع سمو روحها على وجهها الحسن، وتدل جميع حركاتها وتصرفاتها على الدوحة العظيمة التي تفرعت منها.
هبطت أرض مصر فهب كثير من أهلها يستقبلونها بما يليق بها من حفاوة وتكريم، وأجهدت نفسها بزيارة عدد وفير من مؤسساتنا الاجتماعية، كمدينة تحسين الصحة، وجمعية الهلال الأحمر، ومدرسة الاتحاد النسائي، كما اجتمع لفيف كبير من نساء القاهرة ورجالها في حفل شاي أقيم على شرف تكريمها بنادي الزعيمة الراحلة هدى شعراوي؛ وألقت فيه كلمة أبانت فيها عن بعض العلاقات الدولية والمجهودات العظيمة التي بذلتها في الدفاع عن قضايا بلادها وبلاد الشرق عامة، كما زارت جامعة القاهرة وألقت خطاباً سياسياً شاملاً. وزارت نقابة الصحفيين زيارة ود وشكر، وكان يزين الحفل وجود الرئيس اللواء محمد نجيب، وكان لكلماته أجمل وقع في نفوس الجميع. وأهابت بالمصريات ليزرن الهند لشهدن مجهودات نسائه العملية، وليكن رسل سلام يقوين روح التعارف والتحاب بين البلدين.
وتفضلت فصرحت بأن المرأة الهندية لم تصادف أي عناء بالنسبة لنيلها الحقوق السياسية، ذلك لأنها أثبتت جدارتها عمليا، لاستمتاعها بتلك الحقوق. ولهذا فقد حصلت عليها برضا تام من الرجال.
وأكدت أنها وبنات جنسها مشاركات للمرأة المصرية رقيق عواطفهما، معضدات لمطلبها العادل، ومشفقات كل الإشفاق من روح بعض المتطرفين بالنسبة لقضيتها. وإننا إذ نودع السيدة نهرو العظيمة نتمنى لها عودا حميدا لبلادها ونحملها أحسن تحياتنا لمواطنيها ومواطناتها جميعا.
رسالة المرأة في العهد الجديد
المرأة هي الدعامة الأولى التي يتوقف عليها تقدم الأمة أو تأخرها، وصلاح الشعب أو فساده، وبفضل رعايتها الصحيحة للأسرة يستقيم حال الرجل أو ينحرف، وتصلح تربية النسل أو تفسد، ومن ثم يبين تأثيرها الحق في الشعب وفي البيئة المحيطة به، والأمم التي تنبهت إلى خطورة مركز المرأة في الدولة، جعلت في رأس برامجها الإنشائية الإصلاحية مسألة العناية بتربية المرأة وتثقيفها حتى تأمن العثار، تلك المخلوقة العجيبة التي لا يقف في سبيل إرادتها شئ (إن هي أرادت) أن تنفذ أمراً ما.
ومن أجل هذا. . كانت المرأة المستنيرة من أول وأهم عوامل الإصلاح والتقدم في البلاد، ومصر يحمد الله قد قطع نساؤها شوطا بعيدا سليما في ميداني التعليم والاجتماع، وبذلت جهدا غير منكور في ميدان السياسة.
ومن واجب العهد الجديد أن يعتمد على المرأة المستنيرة في الحدود السالفة الذكر في سبيل نشر رسالته، ومن واجبه أن ينقب عنها، ويسعى إليها، حتى يستطيع أن يكل إليها ترشيد أكبر عدد ممكن من بنات جنسها وأسرهن في مقاصد وغايات العهد الجديد. ولاسيما وأن المرأة أسرع قابلية لفهم النهضة والجيل الجديد، وأسرع إلى تنفيذ الخطط الإصلاحية الراهنة، لأنها أقل من الرجل اندماجا وتأثرا بظروف العهد البائد وأكثر ما أشتمل عليه. وهي تعمل غير مغرضة، فليست تطمع في المناصب الحكومية، ولا تنظر إلى المراكز الرفيعة، ولا تشغلها الدرجات والترقيات بالصورة التي ينشغل بها الرجال. ولم تتأثر المرأة بطغيان الإقطاع كالرجال بحيث تقف موقف المعارضة والنضال، ولهذا فهي اكثر استيعابا واستجابة لمبادئ العهد الجديد، وأقوى تأثرا به، وأشد رضاء عن نتائجه.
فعلى المرأة أن تتقدم بدون إبطاء بعرض مساعداتها في الفن أو التخصص الذي تحسنه، ولا تنتظر التنقيب عنها، فليس في مقدور القيادة أن تشم على ظهر يدها كما يقول المثل السائر.
وأن تبدأ حملة عملية على الكماليات؛ فتتنازل عن كثير منها كالسيارات الفخمة والفراء النادرة، والأحذية المبالغ في أثمانها وعددها، والثياب اللافتة غير العملية.
وبمعنى آخر يجب على المرأة أن تتقشف، ولا أود أن تسترجل، وإنما تعتدل كثيرا في مطالبها من كماليات الترف، حتى تدفع التهمة الخطيرة التي طالما اتهمت بها. . . وهي أنها أسيرة الموضات وعبدة المساحيق ووسائل التزين. وعليها منذ اليوم أن تشهد العالم أجمع على أنها بدأت عهد الجد والحزم والعزم فتستهلك منتجات بلادها أولاً، من منسوجات ومأكولات ومعادن، ومنتجات صناعية، وأن لا تأنف من استعمالها مهما كانت درجة بساطتها وعدم جودتها - حتى نتقدم بها إلى أحسن الدرجات من الجودة والارتقاء.
وأن تهجم هجوماً عنيفاً على الجهل والفقر والمرض فيكون من واجب كل امرأة متعلمة سواء في المعاهد أو في المنازل، أن تعلم عدداً من الأميات في أقصر وقت.
وأن تبذل من اقتصادياتها (لا أقل من نصاب الزكاة) لأوجه البر المنظم، لتساعد على تحسين حال المعدمين لا بإقامة مطاعم الشعب التي عملنا على هدمها لما لمسناه من أنها تريق ماء وجوههم، وحرصنا على تنبيه أولي الأمر في حينه إلى خطورة رد الفعل السيئ الذي تسببه أشباه هذه المشروعات المسكنة فقط والتي ليس من شانها أن تنشئ أجيالا نشيطة مستكملة الرجولة، وإنما تربي جيلاً جبانا متواكلا تحلو له الراحة ويستهويه الكسل. لذلك كان لزاماً أن توضع التبرعات والإعانات كرءوس أموال لإنشاء مصانع وعمارات وأعمال حرة تجارية أو زراعية وما إليها، حتى ينتفع المعوزون ويشعروا بأنهم يأكلون بعرق جبينهم، وأنهم لا يستجدون، فالاستجداء مسقط للكرامة وللإنسانية. وعلى كل سيدة قادرة على الإرشاد الصحي أن تبذل كل ما في طاقتها لتأخذ بيد المريض، وتساعده على أتباع طرق العلاج، والنظافة، وتشجعه على اللجوء إلى المستشفيات والوحدات العلاجية.
وان يقمن من أنفسهن رقيباً أميناً على رعاية كل هذه الأوجه الإصلاحية لتأخذ بيد قادة العهد الجديد - عهد الإصلاح والإحسان في تعاون واتحاد مع إخواننا الرجال.
زينب الحكيم