مجلة الرسالة/العدد 102/محاورت أفلاطون

مجلة الرسالة/العدد 102/محاورت أفلاطون

ملاحظات: بتاريخ: 17 - 06 - 1935


25 - محاورت أفلاطون

الحوار الثالث

فيدون أو خلود الروح

ترجمة الأستاذ زكي نجيب محمود

- كذلك كلما ازدادت البرودة على النار فإما أن تتراجع أو تفنى وإذ أن تكون النار تحت تأثير البرودة، فلن يلبثا ناراً وبرودة، كما كانت الحال من قبل

قال: هذا حق

- وفي بعض الحالات لا يكون أسم المثال مقصوراً على المثال، بل إن لكل شئ آخر حق المشاركة في الاسم، ما دام موجوداً في صورة المثال، من غير أن يكون هو المثال، وسأسوق إليك مثلاً لعل أوضح هذا القول: أليس يطلق دائماً أسم الفردي على العدد الفردي؟

- جد صحيح

- ولكن هل هذا وحده هو الذي يسمى بالفردي؟ أليس ثمت أشياء أخرى لها أسماؤها الخاصة بها، ويطلق عليها رغم ذلك اسم الضروري، لأنها وان كانت ليست هي الفردية ذاتها، غير إنها لا تخلو من الفردية قطعاً؟ - هذا ما أريد أن أستجيب عنه - أليست الأعداد، كرقم ثلاثة مثلاً، من نوع الفردي: وهناك غير هذا كثير من الأمثلة: الست تقول مثلاً أنه يجوز أن يدعى رقم الثلاثة باسمه الأصلي، ثم يطلق كذلك اسم الفردي، وليس الفردي هو الثلاثة ذاتها؟ وليس يقال هذا عن العدد ثلاثة فقط، بل إنه جائز أيضاً على خمسة، وعلى كل الأعداد المتعاقبة - كل منها فردي دون أن يكون هو الفردية؛ وهكذا قل في اثنين وأربعة وسائر سلسلة الأعداد المتعاقبة، كل عدد زوجي دون أن يكون هو الزوجية. هل تسلم بهذا؟

قال: نعم، وهل إلي إنكاره من سبيل؟

- الق بالك إذن إلى الغاية التي انشدها؛ ليست الأضداد المعنوية وحدها هي التي يطرد بعضها بعضاً، بل كذلك الأشياء المجسدة التي ولن لم تكن متضادة في ذاتها إلا أنها تحتوي أضدادا؛ وأنا أزعم إن هذه الأشياء أيضا ترفض المثال الذي يكون مضاداً لما تحويه في داخلها، وهي إذا ما تقدم ذلك فأما أن تنسحب أو تفنى. خذ عدد ثلاثة مثلاً، أليس يصبر على التلاشي أو أي شيء آخر، أهون عليه من أن يتحول إلى عدد زوجي مع بقائه ثلاثة؟

فقال سيبس: جد صحيح.

قال: ومع ذلك فلا ريب في أن العدد اثنين ليس مضاداً للعدد ثلاثة؟

- إنه لا يضاده

- إذن ليست المثل المتضادة وحدها هي التي يقاوم بعضها تقدم بعض، ولكن ثمة أشياء أخرى تقاوم كذلك اقتراب الأضداد؟

- فقال: هذا جد صحيح

قال: هبنا نحاول تحديد ماهية هذه (الأشياء) إن أمكن ذلك

- لا ريب في هذا

- أليست هذه يا سيبيس ترغم الأشياء التي في حوزتها على أن تتخذ شكل بعض الأضداد فضلاً عن شكلها هي؟

- ماذا تعني؟

- أعني، كما كنت أقول تواً، وما ليس بي حاجة لأعادته إليك، إن الأشياء التي يملكها العدد ثلاثة، لا يلزم فقط أن تكون ثلاثة في عددها، بل ينبغي كذلك أن تكون فردية

- جد صحيح

- ويستحيل على المثال المضاد أن يعتدي على هذه الفردية التي انطبع العدد ثلاثة بطباعها؟

- كلا

- وهو إنما استمد هذا الطابع من عنصر الفردي؟

- نعم

- والزوجي والفردي ضدان؟

- حقاً

- إذن فمثال العدد الزوجي لن يلحق بثلاثة أبدا؟ - كلا

- وإذن فليس لثلاثة في الزوجي من نصيب؟

- كلا

- إذن فالثلاثي أو العدد ثلاثة غير زوجي

- جد صحيح

لا عد إذن إلى ما زعمته من تمييز بين الطبائع التي ليست أضدادا وهي مع ذلك لا تقبل أضدادا: فكما في هذا المثال: على الرغم من أن ثلاثة ليست مضادة للزوجي أبدا، ولكنها دائماً تعرض الضد في الجانب الأخر أو كما أن اثنين لا تتقبل الفردي، أو النار البرودة. ومن هذه الأمثلة (ومنها كثير غير هذا) ربما استطعت أن تصل إلى نتيجة عامة أنه ليست فقط الأضداد هي التي لا تتقبل أضدادا، بل كذلك لاشيء مما يسوق الضد يقبل ضد ما يسوقه فيما سيق إليه. واسمح لي هنا أن ألخص ما سبق من قول - فليس في التكرار من ضرر، لن يقبل العدد خمسة طبيعة الزوجي، اكثر مما تقبل عشرة، وهي ضعف الخمسة، طبيعة الفردي - ولو أن الضعف ليس مضاداً للفردي تضاداً دقيقاً، غير أنه يرفض الفردي أجمالا. ولن تقبل أجزاء النسبة 2: 3 فكرة الكل، وكذلك أي كسر يكون فيه نصف، لا بل والذي يكون فيه ثلث، ولو إنها ليست مضادة الكل، هل تسلم بذلك؟

فقال: نعم أنى متفق تماماً، وذاهب معك إلى ذلك

قال: أظنني الآن أستطيع أن أبدأ ثانياً، وأني لأرجوكم أن تدلوا إلي عن هذا السؤال الذي أوشك أن ألقيه، بجواب غير الجواب القديم المأمون، وسأقدم لكم لما أريد مثالاً، وعسى أن تجدوا أساسا أخر فيما قيل الساعة تواً يكون مأمونا كذلك، أعني أنه لو سألكم أحد: (ما هو الشيء الذي يجعل الجسم حاراً بحلوله فيه؟) فستجيبون أنه ليس الحرارة (وهذا ما ادعوه بالجواب المأمون)

ولكنه النار، وهو جواب يفضل ذلك كثيراً، ونحن الآن مهيئون للإدلاء به. أو لو سألكم أحد: (لماذا يعتل الجسد؟) فلن تقولوا من المرض بل من الحمى، وفي مكان القول بان الفردية هي سبب الأعداد الفردية ستقولون إن الجوهر الفرد هو سببها. وهكذا في الأشياء بصفة عامة. احسب انك ستفهم ذلك فهماً جيداً بغير أن أسوق إليك أمثلة أخري؟ - فقال: نعم أني افهم ما تقول فهماً جيداً

(يتبع)

زكي نجيب محمود