مجلة الرسالة/العدد 1021/آرَاءٌ وَأنْبَاءْ

ملاحظات: بتاريخ: 26 - 01 - 1953



حول بلزاك

نشر الأستاذ أنور المعداوي في عدد الرسالة الأخير تعليقا على مقال عن بلزاك. ومع تقديري لملاحظاته واهتمامه أحب أن أسوق نقطتين هامتين.

(1) لم أقل إن بلزاك كان متأنقا في (الصنعة البيانية) بل كان (متأنقا في فنه) فهو لم يكن يعيد تصحيح (الألفاظ) وتنميقها بل تصحيح (الأفكار والآراء). والواقع أن بلزاك لم يكن (أديباً) فحسب، بل كان (مفكراً) أيضاً. كان في طليعة الكتاب التقدميين في عهده. ولعل هذا هو السبب في أن الكتاب التقدميين في عصرنا هذا يعتبرونه في طليعة الأدباء الذين كان أدبهم أحد المعاول التي دكت صرح الفساد وكشفت عيوب المجتمع ومتناقضاته، كما كان الحال مع فيكتور هوجو وزولا وغيرهما. أليس هو القائل في كتابه (الفلاحون) منذ أكثر من مائة عام (إن الاشتراكية هي المنطق الحي للديمقراطية).

(2) ربما اتفقت مع الأستاذ المعداوي في أن قصة (الأب جوريو) هي أحسن قصص بلزاك. ولكنها أحسنها من الناحية (القصصية) أو (الأدبية). والذي قلته هو أن كتاب (لوي لامبير) هو (أقوى وأعمق) كتبه. وعندي أننا عندما نحكم على الأديب الآن يجب أن نهتم أولا بما يصوغه في أدبه من (أفكار) قبل أن نهتم بروعة الأسلوب أو جمال الوصف أو غير ذلك وإن كان لهذا أيضاً أهميته. ولقد سبق بلزاك بقصته (لوي لامبير) بما يزيد على نصف قرن غيره ممن عالجوا مشاكل النفس البشرية وما أطلق عليه (العقل الباطن) وعلاقته بالجنون والعبقرية. ولا يمكن أن نغمط حق الكاتب دوستوفسكي في هذا الميدان فقد كان أدبه باعتراف العالم فرويد نفسه نبراسا لكثير من الاكتشافات التي تمت عن أسرار النفس البشرية وخفاياها.

علي كامل

ديك الجن

سألني الأديب الفاضل محمود راشد الحنفي بالعدد الأخير من مجلة الرسالة الغراء عن سبب تسمية الشاعر محمد بن عبد السلام بن رغبان الحمصي بديك الجن، فقد كان لزاماً على في رأيه أن أخصها بالحديث.

ولعل الأديب الحنفي يتصور لهذه التسمية قصة شائقة، فهو يشتاق إلى رؤية فصولها الرائعة، ولو كان الأمر كذلك ما فاتني أن ألم بها في حديثي بالثقافة عن الشاعر الملتاع! وكل ما نعرفه عن هذه التسمية العجيبة ما نقله شيخنا الأستاذ أحمد يوسف نجاتي فيتعليقاته النفسية (بالجزء التاسع من نفح الطيب ص19) من أن الشاعر كان ذا عينين خضراوين كعيون بعض الديكة الرائعة، فسمي بالديك لذلك.

وهناك سبب ثان لهذه التسمية، فقد ذكر الأستاذ نجاتي أن أحد أصدقاء الشاعر قد صنع له وليمة كبيرة، وذبح فيها ديكا رائعا قد اشتهر بجمال صوته، وحسن منظره فنظم ديك الجن، أبياتا رائعة في رثائه، واشتهر بها حتى سمي بديك الجن، ومن هذه الأبيات.

دعانا أبو عمرو عمير بن جعفر ... على لحم ديك دعوة بعد موعد

فقدم ديكا عد دهراً مدملجا ... مؤانس أبيات مؤذن مسجد

وقال لقد سبحت دهرا مهللا ... وأسهرت بالتأذين أعين هجد

أيذبح بين المسلمين مؤذن ... مقيم على دين النبي محمد

فقلت له ياديك إنك صادق ... وإنك فيما قلت غير مفند

ولا ذنب للأضياف إن نالك الردى ... فإن المنايا للديوك بمرصد

هذا كل ما قيل. . . أما إضافة الديك إلى الجن، فقد كانت مبالغة صريحة في جودة الديك وروعته، إذ أن أرباب البلاغة إذا رأوا حسنا - كما يقول أبو العلاء - عدوه من صنعة الجن. وقد بلغ الديك من الحسن مبلغا عظيما، يتخطى الأنس إلى الجن، ونسب (للعبقريين).

ولعل القارئ قد أدرك سذاجة هذه التسمية، وكم للشعراء من تسميات عجيبة ألصقت بهم إلصاقا لمناسبة تافهة، كدران العود، والحيص بيص وفلان وفلان.

أبو تيج

محمد رجب البيومي

تحية كريمة زار السودان في الأيام الأخيرة الشيخ أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف في حكومة العهد الجديد عهد الإصلاح والتقدم. . . عهد الرخاء والمساواة بين الطبقات. وكان لتلك الزيارة التاريخية أثران عظيمان: أثر سياسي بارز خدم أغراضه خدمة وطنية صالحة، وأثر اجتماعي أنساني أدى رسالة إنسانية سامية إلى أبناء الجنوب أبناء الوطن الواحد الشقيق ما كان ليؤديها أسلوب آخر.

لقد كان العهد الدابر يثقل أنفسنا بأوضاره وأفكاره القذرة؛ وكانت رواسبه العميقة الجذور عالقة ببعض الأذهان حتى جاء وزير الشعبي البارع يضع يده فوق الأمراض المزمنة فيقتل جرثومة الداء العضال. . . كنت كغيري من عشرات الألوف الذين أتيح لهم الاستماع إلى المحاضرتين القيمتين اللتين ألقاهما الوزير العالم الحر على ذلك الحشد الكبير من الناس. كانت الأولى بدار الثقافة بالخرطوم وموضوعها الدين والمجتمع؛ والثانية بنادي أم درمان الثقافي وموضوعها الإسلام دين ودولة. وكنت كلما استمعت إلى الوزير الضليع يتردد من أعماقي همس يتحول على شفتي إلى قول الشاعر:

إذا استوزت فاستورز علينا ... فتى كالفضل أو كابن العميد

كانت الأعناق تتطاول والخواطر تتيقظ والنفوس تتلهف إلى ذلك الفيض الإلهي الغامر فتتلقاه واعية له مستوعبة لأهدافه وغاياته، مستلهمة ما ينبعث من قلبه المؤمن وكان كل إنسان حريصا على أل تفوته إشارة شاردة أو معنى عابر؛ فأمثال الباقوري هم أساتذة الحضارة ورسل الحياة في هذا الزمن الحائر القلق، ولعل رغبة الكثيرين من سكان السودان - وأرجو أن أكون معبر عنها - أن يقوم هذا النفر الكريم من أمثال الدكتور طه حسين، والداعية الكبير سيد قطب، والخطيب المفوه سعيد رمضان، برحلات ثقافية إلى السودان. فهل تبلغ تلك الرغبة إلى هؤلاء وأندادهم على صفحات الرسالة؟ وهل تستجيب الحكومة القائمة فتسهل لهم الطريق لشركوا إخوانهم السودانيين في أمن العهد الجديد وإشرافه؟.

الخرطوم

بخيت الفضل حول معهد الدراسات العربية العليا

قرأت بمجلة الرسالة الغراء - نبأ فتح معهد للدراسات العربية العليا يدرس فيه كل ما يتصل بالدول العربية من آداب وتاريخ وقوانين وجغرافيا - وهذا لا شك عمل عظيم يزيد وحدتنا توحداً واتثاقاً ومعرفة للكثير من شئوننا التي نجهلها.

وكل ما أرجوه من أولي الأمر أن يباح لنا نحن خريجي الجامعات، ولا نحرم منه كما نحرم من الماجستير والدكتوراه المصريتين في الوقت الذي تبيح لنا ذلك فرنسا وإنجلترا وأمريكا حتى روسيا الحمراء. . . وأننا في هذا العهد الجديد لنأمل تحقيق كل ما نصبو إليه. . . بعد أن انقشع عن الوطن عهد الظلم والإجحاف.

كيلاني حسن سند