مجلة الرسالة/العدد 103/أجد ' وأمزح

مجلة الرسالة/العدد 103/أجدّ ' وأمزح

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 06 - 1935



اندفاعات

للشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي

أنا ما بَرِحتُ ولا أراني أبرَح ... بينَ الضلالةِ والهدى أترَجّح

طوراً بإبليسِ المسوّسِ أقتَدي ... طَرِباً وطوراً للإله أُسَبّح

إنّي أرى إن السلامة في التّقى ... لَو كانَ شَيطاني بذلكَ يَسمَح

إبليسُ يغويني فإن لم يهدني ... رَبّي فإنّ به مَصابي يفدح

وإذا استقرت في الحياة عَقيدَة ... يوماً فبالبِرهانِ لا تتزَحزَح

في الشكِّ وَخز واليَقينِ قناعَة ... فانظر لأيّ المَسلَكَينِ ترَجّح

لم أطمَئِنّ إلى الحياة فإنها ... عبء وتحتَ العِبءِ ناس ترزح

تَبكي اليتامى ثمّ إنّي لا أرى ... لِدموعهم مَذروفة مَن يمسَح

سألَ القطيع المالكيه راعياً ... فأجيبُ هاكَ الذئبُ فهو الأصلح

إن كانَ في ذِكرِ الحقيقة جَهرةً ... قبح فكتمان الحقيقةِ أقبَح

مَن لي بصبحِ أهتدي في ضوئِهِ ... فالليلُ داج والكواكبُ جنّح

ما كلُّ أقوالي بَناتُ عقيدَتي ... إني لفي شِعري أجد وأمزح

وإذا ذَمَمتُ فلا أذمّ سوى الذي ... يأتي من الأفعالِ ما استقبح

إنّا بعهدٍ للعروبةِ حاجة ... فيه لإصلاح وأين المصلِح

لم يَكتبُ الله البَقاءُ بأرضهِ ... إلا لمن هو للوغى يتسلّح

أمّا الطبيعةُ فهي خَرساء إذا ... ساءلتها عن أمرها لا تفصح

ما زالَ هذا الكونُسِرّاً غامِضاً ... ولَعَلّ ما هوَ غامِض يتوَضّح

إن الحياةَ رواية قد أحسنوا ... تمثيلها والأرضُ نِعمَ المَسرَح

دهري تربّاني ودهري هَدّني ... أأذمّ دهري أم لدهري أمدَح

ذهبَ الشبابُ مخلّفاً أغلاطهِ ... ووددت لو أن المشيبُ يصَحّح

عمر بمختلف الحوادثِ حافل ... وَليّ فما للنفس فيه مَطمح

قد ذقتُ حلوَ العيشِ فيه ومرّه ... وخلت يدي حينا وكانت تطف كم بائسٍ يطوي سجلّ حياته ... يأساً كما يتطوّح المتطوّح

وأرى الكآبَة للسرورِ ذريعةً ... من لا يلاقي غَمّةً لا يفرح

قد كنتُ في عهدٍ مضت أيامهُ ... أمسي على ضوءٍ كأني أصبِح

لم امتدحُ عهد الشبابِ وطبيهِ ... حتى علتني كبرة لا تمدح

بقيت بنفسي في الحياةِ لبانة ... أدنو إليها وهيَ عنّي تنزح

في الصبحِ غرّد يا هزار فإنما ... قبل الصباحِ الوردُ لا يتفتّح

وأشممهُ وألثم ثغرهِ قبل الضحى ... فالورد إن جاَء الضحى يتصوّح

صاحَ الغرابُ على كراهة صوتِهِ ... في الروضِ واختارَ الصّموتَ الصيدح

ودّوا لو إني قد جنحت عنِ الهوى ... في كبرتي لكنني لا أجنح

إن كنت ' شيخاً قد كَبرتُ عن الصّبا ... فالقلبُ لم يكبرُ وروحي تمرح

شقّوا فؤادي وانزَعوا منه الهوى ... ولعلّها عملّية لا تنجح

إني بأوطاني التي أحبَبتها ... بالشعرِ للآتي البعيد ألوح

يا حبّذا لو إنّ روحي بعدما ... تلقي المنييّة في المجرةِ تسبح

(بغداد)

جميل صدقي الزهاوي