مجلة الرسالة/العدد 106/زهرتي

مجلة الرسالة/العدد 106/زهرتي

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 07 - 1935



للشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي

قد تصوَّحتِ عند شرخ الشباب ... زهرتي بغتةً فجلَّ مصابي

زهرتي قد جاء الربيع بما ازدا ... ن به من نبتٍ ومن أعشاب

ولقد قام مهرجان على الأر ... ض جميعاً بطاحِها والهضاب

لعزيزٌ عليّ ألا تكوني ... طاقةً فوق الكالىء المعشاب

نبت الزهر كله فلماذا ... أنتِ يا زهرتي بجوف التراب

ضقتِ بالقبر فاخرجي من ظلام ال ... أرض للنور فوقها والرحاب

أخرجي من جوف الثرى وابسمي لي ... عن رضًى أو تجهّمي للعتاب

أخرجي من جوف الثرى من جديد ... واسحريني بلحظكِ الخلاَّب

وأعيدي إليّ أسعد عهدٍ ... كنتُ فيه وذاك عهدُ شبابي

قرِّبيني إذا أردتِ سلامي ... واصرميني إذا أردتِ خرابي

وافتحي العينَ والمسامعَ دوني ... واسمعي شدوي وانظري إعجابي

أنا يا زهرتي دعوتكِ للحبّ (م) ... مراراً فلم تردّى جوابي

لا تقولي إني هلكتُ فلا تر ... جُ لميتٍ ذاق الردى من مآب

أنتِ تحيين في فؤادي وعيني ... ودمي فائراً وفي أعصابي

أيقظي من هذا الرقاد فإن الشْ ... مسَ قد ذرَّت من وراء الحجاب

أنتِ للحب والغرام بوجه ال ... أرض لا للرقاد تحت التراب

أنتِ لا تخلقين يا زهرتي أن ... تختفي في غياهب الأحقاب

يتهاوى دمعُ الأسى من عيوني ... كشهابٍ ينقضّ إثرَ شهاب

متِّ قبلي فلو سبقتُكِ عاهد ... تِ دموع الأسى على التسكاب

لا سلامٌ على الربيع إذا ثا ... بَ ولم تصحبيه عند المثاب

ارجعي لي وقبّليني ولا تخ ... شَيْ رقيباً على الهوى لا يُحابى

ارجعي ارجعي كما كنتِ قبلا ... أو خذيني بأقرب الأسباب

إِنني لم أزرْ أجَلْ بَعْدُ قبري ... غير أني منه على الأبواب آهِ إن الحياة أعجزُ من أن ... تستطيعَ الرجوعَ بعد الذهاب

بين شعرٍ أقوله وأنيني ... شعبة من وشائج الأنساب

ذهبت زهرتي التي كنتُ أشدو ... باسمها خالياً وبين صحابي

زهرةٌ قد سقيتُها بدموعي ... مزَّقتها المنون بالأنياب

إنني كنت أعبد الحسن فيها ... ولقد كان وجهُها محرابي

خطفتها المنون منى كعاباً ... ما على الموت بعدها من عتاب

خطفتها منى ذئابُ المنايا ... وذئاب المنون شرُّ الذئاب

قلت أسلو فأستريح ولكن ... كيف أسلو والحب ملء أهابي

كل شيء مذكرٌ لي بليلَي ... ليْتَ شعري ماذا يذكرها بي

هدّدتني إذا تصديتُ عيني ... وفؤادي والنفس بالإضراب

وكأن الدنيا العريضةَ بحرٌ ... وكأنا عليه بعض الحباب

خضتُ بحرَ الهوى وكان خِضَمَّا ... ثم منه ركبت متنَ العباب

ثم صارعتُ الموج منه فما كن ... تُ سوى مغلوبٍ إلى غلاّب

عن يميني وعن شماليَ ماءٌ ... ثم إني أعدو وراَء السراب

بغداد 4 تموز

جميل صدقي الزهاوي