مجلة الرسالة/العدد 106/فلسفة الطائشة

مجلة الرسالة/العدد 106/فلسفة الطائشة

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 07 - 1935



للأستاذ مصطفي صادق الرافعي

. . . وهذا مجلس من مجالس الطائشة مع صاحبها، مما تسقّطَه من حديثها؛ فقد كان يكتب عنها ما تصيبُ فيه وما تخطئ، كما يكتب أهل السياسة بعضُهم عن بعض إذا فاوض الحليف حليفه أو ناكر الخصمُ خصمه؛ فان كلام الحبيبِ والسياسيّ الداهية ليس كلام المتكلم وحده، بل فيه نطق الدولة. . . . وفيه الزمن يقبل أو يُدبر

وصاحب الطائشة كان يراها امرأة سياسية كهذه الدولة التي ترغم صديقاً على الصداقة لأنه طريقها أو طريق حوادثها. وكان يسميها (جيشَ احتلال)، إذ حطت في أيامه واحتلتها فتبوأت منها ما شاءت على رغمه، واستباحت ما أرادت مما كان يحميه أو يمنعه. وقد كان في مدافعته حبها واستمساكه بصداقتها كالذي رأى ظل شئ على الأرض فيحاول غسله أو كنسه أو تغطيته. . . فهذا ليس مما يغُسل بالماء ولا يكنس بالمكنسة ولا يغطى بالأغطية، إنما إزالته في إزالة الشبح الذي هو يلقيه أو إطفاء النور الذي هو يثبته

في كل شيء على الأرض سخرية من الحسن الفاتن الذي تقدسه، تأتي من اشتهاء هذا الحسن؛ فذاك إسقاطه سقوطاً مقدساً. . . أو ذاك تقديسه إلى أن يسقط، أو هو جعل تقديسه بابا من الحيلة في إسقاطه. لابد من سفل مع العلو يكون أحدهما كالسخرية من الآخر؛ فإذا قال رجل لامرأة قد فتنته أو وقعت من نفسه: (أحبك) أو قالتها المرأة لرجل وقع من نفسها أو استهامها، ففي هذه الكلمة الناعمة اللطيفة كل معاني الوقاحة الجنسية، وكل السخرية بالمحبوب سخرية بإجلال عظيم. . . وهي كلمة شاعر في تقديس الجمال والإعجاب به، غير أنها هي بعينها كلمة الجزار الذي يرى الخروف في جمال اللحميّ الدهنيّ، فيقول: (سمين. . .!)

لهذا يمنع الدين خلوة الرجل بالمرأة، ويحرم إظهار الفتنة من الجنس للجنس، ويفصل بمعاني الحجاب بين السالب والموجب، ثم يضع لأعين المؤمنين والمؤمنات حجاباً آخر من الأمر بغض البصر، إذ لا يكفي في ذلك حجاب واحد، فان الطبيعية الجنسية تنظر بالداخل والخارج معاً. ثم يطرد عن المرأة كلمة الحب إلا أن تكون من زوجها وعن الرجل إلا أن تكون من زوجته، إذ هي كلمة حيلةٍ في الطبيعة أكثر مما هي كلمة صدقٍ في الاجتماع، و يؤكد في الدين صدقها الاجتماعي إلا العقد والشهود لربط الحقوق بها، وجعلها في حياطة القوة الاجتماعية التشريعية، وإقرارها في موضعها من النظام الإنساني؛ فليس ما يمنع أن يكون العاشقُ من معاني الزوج، أما أن يكون من معنى آخر أو يكون بلا معنى فلا؛ وكل ذلك لصيانة المرأة ما دامت هي وحدها التي تلد، وما دامت لا تلد للبيع. . . .

وفلسفة هذه الطائشة فلسفة امرأة ذكية مطلعةٍ محيطة مفكرة، تبصر بالكتب والعقل والحوادث جميعاً، وقد أصبحت بعد سقطةِ حبها ترى الصواب في شكلين لا شكل واحد؛ فتراه كما هو في نفسه، وكما هو في أغلاطها

وقد أسقطنا في رواية مجلسها ما كان من مطارحات العاشقة، واقتصرنا على ما هو كالإملاء من الأستاذة. . . .

قال صاحب الطائشة: ذكرت لها (قاسم أمين) وقلت: إنها خير تلاميذه. . . . حتى لكأنها تجربه ثلاثين سنة لآرائه في تحرير المرأة. فقالت إنما كان قاسم تلميذَ المرأة الأوربية، وهذه المرأة بأعيننا فما حاجتنا نحن إلى تلميذها القديم؟

قالت: وابلغ من يرد على قاسم اليوم هي أستاذته التي شبت بها أطوار الحياة بعده، فقد أثبت قاسم - غفر الله له - أنه أنحصر في عهدٍ بعينه ولم يتبع الأيام نظره، ولم يستقرئ أطوار المدنية، فلم يقدر أن هذا الزمن المتمدن سيتقدم في رذائله بحكم الطبيعة أسرع وأقوى مما يتقدم في فضائله، وأن العلم لا يستطيع إلا أن يخدم الجهتين بقوة واحدة فأقواهما بالطبيعة وأقواهما بالعلم، وكأن الرجل كان يظن أنه ليس تحت الأرض زلازل ولا تحت الحياة مثلُها

مزق البرقع وقال: (إنه مما يزيد في الفتنة، وإن المرأة لو كانت مكشوفة الوجه لكان في مجموع خلْقها - على الغالب - ما يرد البصر عنها) فقد زال البرقع، ولكن هل قدر قاسم أن طبيعة المرأة منتصرة دائماً في الميدان الجنسي بالبرقع وبغير البرقع، وأنها تخترع لكل معركةٍ أسلحتها، وأنها إن كشفت برقع الخزّ فستضع في مكانه برقع الأبيض والأحمر. . . .؟

وزعم أن (النقاب والبرقع من أشد أعوان المرأة على إظهار ما تظهر وعمل ما تعمل لتحريك الرغبة، لأنهما يخفيان شخصيتها فلا تخاف أن يعرفها قريب أو بعيد فيقول: فلانة، أو بنت فلان، أو زوج فلان كانت تفعل كذا. فهي تأتي كل ما تشتهيه من ذلك تحت حماية البرقع والنقاب) فقد زال البرقع والنقاب، ولكن هل قدر قاسم أن المرأة السافرة ستلجأ إلى حماية أخرى فتجعل ثيابها تعبيراً دقيقاً عن أعضائها، وبدلاً من تلبس جسمها ثوباً يكسوه تلبسه الثوب الذي يكسوه ويزينه ويظهره ويحركه في وقت معاً، حتى ليكاد الثوب يقول للناظر: هذا الموضوع أسمهُ. . وهذا الموضع اسمهُ. . وأنظر هنا وأنظر هاهنا. . ما زادت المدنية على أن فككت المرأة الطيبة ثم ركبتها في هذه الهندسة الفاحشة!

وأراد قاسم أن يعلمنا الحب لنرتبط به الزوج معنا، فلم يزد على جرأنا على الحب الذي فر به الزوج منا، وقد نسى أن المرأة التي تخالط الرجل ليعجبها وتعجبه فيصيرا زوجين - إنما تخالط في هذا الرجل غرائزه قبل إنسانيته، فتكون طبيعية وطبيعتها هي محل المخالطة قبل شخصيهما، أو تحت ستار شخصيهما؛ وهو رجل وهي امرأة، وبينهما مصارعة الدم. . . وكثيراً ما تكون المسكينة هي المذبوحة. وقد أنتينا إلى دهرِ يصنع حبه ومجالس أحبابه في (هوليود) وغيرها من مدن السما، فإن رأي الشاب على الفتاة مظهر العفة والوقار قال: بلادة في الدم، وبلاهة في العقل، وثقل أي ثقل. وأن رأى غير ذلك قال: فجور وطيش واستهتار أي استهتار. فأين تستقر المرأة ولا مكان لها بين الضدين؟

اخطأ قاسم في إغفال عمل الزمن من حسابه، وهاجم الدين بالعرف؛ وكان من أفحش غلطه ظنه العرف مقصوراً على زمنه، وكأنه لم يدر أن الفرق بين الدين وبين العرف هو أن هذا الأخير دائم الاضطراب، فهو دائم التغير، فهو لا يصلح أبدا قاعدةً للفضيلة. وهانحن أولاء قد انتهينا إلى زمن العرى، وأصبحنا نجد لفيفاً من الأوربيين المتعلمين، رجالهم ونسائهم، إذا رأوا في جزيرتهم أو محلتهم أو ناديهم رجلاً يلبس في حقويه تبّاناً قصيراً كأنه ورق الشجر على موضعه ذاك من آدم وحواء، إذا رأوا هذا المتعفف بخرقه. . . . أنكروا عليه وتساءلوا بينهم. من؛ من هذا الراهب. . . .؟

ونسى قاسم - غفر الله له - أن للثياب أخلاقا تتغير بتغيرها فالتي تفرغ الثوب على أعضائنا إفراغ الهندسة، وتلبس وجهها ألوان التصوير - لا تفعل ذلك إلا وهي قد تغير فهمها للفضائل، فتغيرت بذلك فضائلها، وتحولت من آيات دينية إلى آيات شعرية. وروح المسجد غير روح الحانة، وهذه غير روح المرقص، وهذه غير وروح المخدع، ولكل حالة تلبس المرأة لبساً فتخفي منها وتبدي. وتحريك البيئة لتتقلب، هو بعينه تحريك النفس لتتغير صفاتها، وأين أخلاق الثياب العصرية في امرأة اليوم، من تلك الأخلاق التي كانت لها من الحجاب؟ تبدلت بمشاعر الطاعة والصبر والاستقرار والعناية بالنسل والتفرغ لإسعاد أهلها وذويها - مشاعر أخرى أو لها كراهية الدار والطاعة والنسل، وحسبك من شر هذا أوله وأخفه!

كان قاسم كالمخدوع المغتر بآرائه، وكان مصلحاً فيه روح القاضي، والقاضي بحكم عمله مقلدٌ متبع، أليس عليه أن يسند رأيه دائماً إلى نص لم يكن له فيه شأن ولا عمل؟ من ثم كثرت أغلاط الرجل حتى جعل الفرق بين فساد الجاهلة وفساد المتعلمة أن الأولى (لا تكلف نفسها عناء البحث عن صفات الرجل الذي تريد أن تقدم له أفضل شيء لديها وهو نفسها؛ وعلى خلاف ذلك يكون النساء المتعلماتُ، إذا جرى القدر عليهن بأمر مما لا يحل لهن لم يكن ذلك إلا بعد محبة شديدة يسبقها علم تام بأحوال المحبوب (. . . .) وشمائله وصفاته، فتختاره من بين مئات وألوف ممن تراهم في كل وقت (!!!!) وهي تحاذر أن تضع ثقتها في شخص لا يكون أهلاً لها، ولا تسلم نفسها إلا بعد مناضلة يختلف زمنها وقوة الدفاع فيها حسب الأمزجة (؟؟؟؟) وهي في كل حال تستتر بظاهر من التعفف (؟؟؟؟). . .)

أليس هذا كلام قاض من القضاة المدنيين المتفلسفين على مذهب (لمبروزو) يقول لإحدى الفاجرتين: أيتها الجاهلة الحمقاء كيف لم تتحاشي ولم تتستري فلا يكون للقانون عليك سبيل؟

وحتى في هذا قد أثبت قاسم أنه لا يعرف الأرنب وأذنيها وإلا فمتى كان في الحب اختيار، ومتى كان الاختيار يقع فيما يجرى به القدر، ومتى كان نظر العاشقة إلى الرجال نظراً سيكولوجياً كنظر المعلمة إلى صبيانها. . . . فتدرس الصفات والشمائل في مئات وألوف ممن تراهم في كل وقت لتصفيها كلها في واحد تختاره من بينهم؟ هذا مضحك!

إليك خبراً واحداً مما تنشره الصحف في هذه الأيام؛ كفرار بنت فلان باشا خريجة مدرسة كذا مع سائق سيارتها، ففسر لي أنت كلام قاسم، وأفهمني كيف تكون اثنان واثنان خمسة وعشرين؟ وكيف يكون فرار متعلمة أصيلة مع سائق سيارة هو محاذرة وضع الثقة فيمن لا يكون أهلاً لها؟

لقد أغفل قاسم حساب الزمن في هذا أيضاً، فكثير من المنكرات والآثام قد أنحل منها المعنى الديني وثبت في مكانه معنى اجتماعي مقررٌ، فأصبحت المتعلمة لا تتخوف من ذلك على نفسها شيئاً، بل هي تقارفه وتستأثر به دون الجاهلة، وتلبس له (السواريه)، وتقدم فيه للرجال المهذبين مرة ذراعها، ومرة خصرها. . .

أقرأت (شهرزاد)؟ أن فيها سطراً يجعل كتاب قاسم كله ورقاً أبيض مغسولاً فيه شيء يقرأ:

قالت شهرزاد المتعلمة المتفلسفة، البيضاء البضة، الرشيقة الجميلة؛ للعبد الأسود الفظيع الدميم الذي تهواه: (ينبغي أن تكون أسود اللون؛ وضيع الأصل؛ قبيح الصورة، تلك صفاتك الخالدة التي أحبها. . . . . .)

فهذا كلام الطبيعة نفسها لا كلام التأليف والتلفيق والتزوير على الطبيعة

قال صاحب الطائشة:

فقلت لها: فإذا كان قاسم لا يرضيكِ، وكان الرجل مصلحاً دخلته روح القاضي، فخلط رأياً صالحاً وآخر سيئاً، فلعل (مصطفى كمال) همك من رجل في تحرير المرأة تحريراً مزق الحجاب وأل. . .؟

قالت إن مصطفى كمال هذا رجل ثائر، يسوق بين يديه الخطأ والصواب بعصا واحدة، ولا يمكن في طبيعة الثورة إلا هذا، ولا يبرح ثائراً حتى يتم انسلاخ أمته. وله عقل عسكري كان يمكر به مكر الألمان حين أكرههم الحلفاء على تحويل مصانع (كروب) فحولوها تحويلاً يردها بأيسر التغيير إلى صنع المدافع والمهلكات. وليس الرجل مصلحاً ألبتة، بل هو قائد زهاه النصر الذي أتفق له، فخرج من تلك الحرب الصغيرة وعلى شفتيه كلمة: (أريد. . .) وجعل بعد ذلك إذاً غلط غلطة أرادها منتصرة، فيفرضها قانوناً على المساكين الذين يستطيع أن يفرض عليهم وهم اليوم لا يملأون قبضة دولته، فيقهرهم عليها ولا يناظرهم فيها، ويأخذ كيف شاء، ويدعهم كيف أحب؛ وبكلمة واحدة: هو مؤلف الرواية والقانون نفسه أحد الممثلين. . .

وحقده على الدين وأهل الدين هو الدليل على أنه ثائر لا مصلح؛ فإن أخص أخلاق الثورة حقد الثائرين، وهذا الحقد في قوة حرب وحدها، فلا يكون إلا مادة للأفعال الكثيرة المذمومة. والرجل يحتذي أوروبا ويعمل على أعمال الأوربيين في خيرها وشرها، ويجعل رذائلهم من فضائلهم على رغم أنفهم يتبرأون هم منها ويلحقها هو بقومه، فكأنه يعتنف الآراء ويأخذها أخذاً عسكرياً، ليس في الأمر إلا قوله أريد. فيكون ما يريد. هو لم يحكم على شبر من أوروبا يجعله تركيا، ولكنه جعل رذائل أوروبا تتجنس بالجنسية التركية. . .

وتالله إنه لأيسر عليه أن يجئ بملائكة أو شياطين من المردة، ينفخون أرض تركيا فيمطونها مطاً فيجعلونها قارة من أن يكره أوروبا على اعتبار قومه أوربيين بلبس قبعة وهدم مسجد. إنه لا يزال في أول التاريخ، وهذا الشعب الذي أنتصر به لم تلده مبادئه ولا أنشأه هدم المساجد وشنق العلماء، بل هو الذي ولدته تلك الأمهات، وأخرجه أولئك الآباء، وما كان يعوزه إلا القائد الحازم المصمم، فلما ظفر بقائده جاء بالمعجزة؛ فإذا فتن القائد بنفسه وأبى إلا أن يتحول نبياً فهذا شيء آخر له أسم آخر

ولنفرض (الأثير) كما يقول العلماء، لنستطيع أن نجعل مسألتنا هذه علمية، وأن نبحثها بحثاً علمياً، فليكن مصطفى كمال هو اللورد كتشنر في إنجلترا، فيكسب اللورد كتشنر تلك الحرب العظمى لا حرب الدويلة الصغيرة، وينتصر على البراكين من الجيوش لا على مثل براميل النبيذ. . . ثم يستعز الرجل بدالته على قومه ويدخله الغرور، فيتصنع لهم مرة ويتزين لهم مرة، ثم يأتيهم بالآبدة فيسفه دينهم، ويريدهم على تعطيل شعائرهم وهدم كنائسهم لأن هذا هو الإصلاح في رأيه. أفترى الإنجليز حينئذ يضوون إليه ويلتفتون حوله ويقولون: قائدنا في الحرب، ومصلحنا في السلم، وقد انتصرنا به على الناس فسننتصر به على الله، وظفرنا معه بيوم من التاريخ فسنظهر معه بالتاريخ كله. . .؟ أم تحسب كان كتشنر كان يجسر على هذا وهو كتشنر لم يتغير عقله؟

إنه والله ما يتدافع اثنان أن هدم كنيسة واحدة لا يكون إلا هدم كتشنر وتاريخ كتشنر، ولكن العجز ممهد من تلقاء نفسه، والأرض المنخسفة هي التي يستنقع فيها الماء فله فيها أسم ورسم؛ أما الجبل الصخري الأشم، فإذا صب هذا الماء عليه أرسله من كل جوانبه، وأفاضه إلى أسفل. . .!

قال صاحب الطائشة: فأقول لها: إذا كان هذا رأيك للنساء فكيف لا ترين مثل هذا لنفسك؟

فتضعضعت لهذه الكلمة ولجلجت قليلاً ثم قالت: أنت سلبتني الرأي لنفسي، ووضعتني في الحقيقة التي لا تتقيد بقانون الخير والشر

قلت: فإذا كانت كل امرأة تغلط لنفسها في الرأي وتنصح بالرأي الصائب غيرها، فيوشك ألا يبقى في نساء الأرض فضيلة ولا يعود في المدرسة كلها عاقل إلا الكتاب

فتضاحكت وقالت: لهذا يشتد ديننا الإسلامي مع المرأة، فهو يخلق طبائع المقاومة في المرأة، ويخلقها فيما حولها، حتى ليخيل إليها أن السماء عيون تراها، وأن الأرض عقول تحصى عليها. وهل أعجب من أن هذا الدين يقضي قضاء مبرماً أن تكون ثياب المرأة أسلوب دفاع لا أسلوب أغراء، وأن يضعها من النفوس موضعاً يكون فيه حديثها بينها وبين نفسها كالحديث في الراديو له دوي في الدنيا، فيقيم عليها الحجاب وغيرة الرجل وشرف الأهل، ويؤاخذها بروح طبيعتها، فيجعل الهفوة منها كأنها جنين يكبر ولا يزال يكبر حتى يكون عار ماضيها وخزي مستقبلها

هذه كلها حجب مضروبة لا حجابٌ واحد، وهي كلها لخلق طباع المقاومة، ولتيسير المقاومة، ومتى جاء العلم مع هذه لم يكن أبداً إطلاقاً، ولم يكن أبداً إلا الحجاب الأخير كالسور حول القلعة. ولكن قبح الله المدنية وفنها؛ أنها أطلقت المرأة حرة ثم حاطتها بما يجعل حريتها هي الحرية في اختيار أثقل قيودها لا غير. أنت محمل بالذهب، وأنت حر، ولكن بين اللصوص، كأنك في هذا لست حراً إلا في اختيار من يجني عليك. . . .!

لم تعد المرأة العصرية انتصار الأمومة، ولا انتصار الخلق الفاضل، ولا انتصار التعزية في هموم الحياة؛ ولكن انتصار الفن، وانتصار اللهو، وانتصار الخلاعة

قال صاحب الطائشة: فضحكت وقلت: وانتصاري. . . .!

طبق الأصل (طنطا)

مصطفي صادق الرافعي