مجلة الرسالة/العدد 107/المساء

مجلة الرسالة/العدد 107/المساء

ملاحظات: بتاريخ: 22 - 07 - 1935



بقلم أمجد الطرابلسي

هوَ ذا الليلُ قد أطَلَّ من الأف ... قِ فعمَّ الفضاَء صمتٌ رهيبُ

جاَء يختالُ في غَلائله السُّو ... دِ وفي وجهِه عُبوسٌ مِهيبُ

فتولتْ ذُكاء جازِعَةَ النُّو ... ر وفَرَّت وقد علاها الشُّحوبُ

بسطت للوَداعِ أيَّ شُعاعٍ ... شاحبٍ قد أمَضَّه التأويبُ

ما تَرى الأُفْقَ قد تَوَرَّدَ حزناً ... إنَّهُ منْ دَمِ النهارِ خَضيبُ

كانَ ساحَ الوَغَى قد ظَفِرَ الَّلي ... لُ كما يظفَرُ القوىُّ الغَضوبُ

وتولَّى النهارُ، أيَّ طعينٍ ... مُستضامٍ تسيلُ منهُ النُّدوبُ

مأنَم الشَّمسِ! هكذا الكونُ بغى ... ودماء طليلة وحُروبُ

إن غَدَا الليلُ ظافراً فكذا النُّو ... رُ على الأرضِ عاجزٌ مغلوبُ

هكذا يَظْفَرُ الظلامُ ويخْبو ... لهب النور في الدُّنا ويَخيبُ

هكذا سُنَّةُ الحياةِ غِلابٌ ... وكذا الحَقُّ هَيِّنٌ مَغْصوب

وأطلَّ الرَّاعي ينوح على الشم ... س كما ناحَ في الرُّبى العندليب

هَبَطَ القريةَ الخزينة يبكي ... وتعالى حُداؤُهُ والنّحيب

أكذاك الأكواخُ يَغمرُهَا الصَّم ... تُ ويَعلو الحقولَ هذا القُطوب؟

أكذاك الطيورُ تَنْدُبُ شَجْوَاً ... وَيَعُمُّ الرُّبى الظلامُ الرحيب؟

أيْنَ سهلٌ يموجُ في لجج النو ... رٍ ووادٍ جمّ الظلالِ عشيب

أينَ لَحنُ الحياةِ تَنشده القر ... يةُ؟ أينَ المِراحُ؟ أينَ الوُثُوب

فبكى والقَطيعُ بينُ يديهِ ... خافتُ الخطْو والثُّغاءِ، كئيب

ومشى في الظلامِ يبكي على النو ... رِ كَمَا سَارَ ثاكلٌ مَحْروب

يصرُخُ النَّايُ في يديه فتبكي ... لِبُكى النايِ أعيُنٌ وقلوب

هي أُنشودةُ الوَدَاع يُغَنِّي ... ها وقد حانَ للضياءِ غُروب

هي أنَّاتُ شاعرٍ عَبقري ... عشقَ النّورَ واستبته الغيوب

أيُّهذا المساءُ فيكَ منَ المَو ... تِ دُجَاهُ وسِرُّهُ المَحجوب العفاءُ الدجى مثلُكَ رَحبٌ ... وَشَبيهٌ بِكَ الَفنَاءُ الجديب

هكذا تَنْطَفِي الحياةُ وَيَغشا ... ها سُكونٌ مِنَ الفَناءِ مُريب

هكذا تَسْكُنُ الأمانيُّ لِلْمَوْ ... تِ وَيَبْلى ثوبُ الحياةِ القَشيب

وَتَغوصُ الرِّكابُ في ثَبَجِ الرَّمْ ... لِ وَتَخْفَى مَهامهٌ وسُهُوبُ

ويَضيع الضَّجيجُ في العَدَمِ القَفْ ... رِ وِتثمْحى معالمٌ وَدُروب

نَامَتِ القَرْيةُ الحَزينةُ إلا ... ساهرا نومُهُ الهنيُّ سليب

لِمُنُاهُ بيْنَ الاضالعِ هَمْسٌ ... وَلِخفَّاقِهِ الملحِّ وجيب

ظلَّ سَهرانَ يَرْقب الأنجمَ الزُّ ... هْرَ تَهَادي كما تهادى حَبيب

عَلِقت عينُهُ السماَء ذُهولاً ... وإستباهُ هذا الفُتونُ العَجيب

في فِجاجِ السماءِ عُرْسٌ بَهىٌّ ... وعلى الأرْضِ مْأتَمٌ وكُروب

فَهُناك النجومُ تطْفَحُ بِشْراً ... وهنا الليل حالِكٌ غريب

زَغردَتْ في السماءِ أنْجُمُها الفَرْ ... حى وَغنَّى بعيدها والقريب

وتَبدتْ تَختالُ عُجباً كما تَخْ ... تال بيْنَ الشُّفوفِ خُودٌ لعوب

هكذا تَضْحَكُ السماءُ منَ الأر ... ض كما يضحكُ الخلِيُّ الطروب

إيهِ يا لَيلُ رُفَّ فَوْقَ خِلىٍ ... لم تُؤَرِّقْهُ لَوْعَةٌ وخُطوبُ

وانْشُرِ الحُلْمَ والطّيوفَ لِصَبٍّ ... لم يُنَغِّصْ نعيمَه تعذيب

لستَ يا لَيلُ للذي ألفَ السُّهْ ... دَ كما يأْلف الغَرِيبَ الغريبُ

أنا يا ليلُ ليس لي من سكونِ ال ... كون أو هَدْأةِ الظلامِ نصيب

حسبُ قلبي ظلامهُ ودُجاه ... وأساهُ المُبرَحُ المَشْبوبُ

لِيَ لَيْلانِ ساهرانِ وغيري ... ليلُهُ باسِمُ الطيوفِ خصيب

أنا أحيا الحياةَ ليلاً طويلاً ... أفَيَصْفو لِيَ الدُّجى ويطيب؟

إطْوِ يا ليلُ هذه السُّجُفَ السُّو ... دَ فكم تَحْتَ جُنْحِها مَكروب

كم قلوبٍ وجيعَةٍ ونفوسٍ ... تحت هَذا الدُّجى تكادُ تذوب

يا إلهي سئمْتُ هذي الدَّياجي ... إن في القلْبِ ظُلْمًةً لا تَغيب

أنا كَهفٌ مهدم مُستباحٌ ... فيه لِلْحُزْنِ والشكوكِ نَعيب يَصفِرُ الَغّمُّ في دُجاهُ كما تَصْ ... فِرُ في اللَّيلِ شَمْأَلٌ وجَنوب

أقطعُ الليل سَاهراً ذاهِلَ الفِكْ ... رِ وفي الصَّدْرِ لْلهُموم شُبوب

غارِقاً في هَواجسي وَذُهولي ... وعلى العَيْنِ لِلسُّهاد رَقيب

شاقني النورُ يا إلهي ولكنْ ... أْيَن منى السنا وأيْنَ الَّلهيب؟

شاقني الشَّدْوُ والغِناء ولكنْ ... أيْنَ منى الُّلحونُ والتَّطريبُ؟

للضِّياءِ الحبيب يا نفس في الأر ... ضِ مغِيبٌ ولْلحياةِ مغيب

لا يَرُعْكِ الظلامُ إن ملأَ الكَوْ ... نَ فإِنَّ الصَّبَاحَ سوف يَؤوبُ

دمشق

أمجد الطرابلسي