مجلة الرسالة/العدد 111/إلى الأستاذ محمد كرد علي

مجلة الرسالة/العدد 111/إلى الأستاذ محمد كرد علي

ملاحظات: بتاريخ: 19 - 08 - 1935



أغراض الاستشراق

للأستاذ محمد روحي فيصل

العجالة التي أسوقها اليوم إنما كتبت منذ عهد بعيد، وهي كما ترى أو كما سترى تحكي أغراض المستشرقين الدينية والسياسية، وتبين البواعث النفسية التي قام عليها تاريخ الاستشراق، وتعدد ألوان التخاذل العلمي والوجداني التي خضعت لها هذه الطائفة منذ نشأتها الأولى! ولقد كنت أريدها دراسة قوية مستفيضة موفقة تشرح ما تتوغر به صدور القوم من الحقد والموجدة، وتفضح ما ألم بالقلوب من النزوات البشعة والأهواء المريضة؛ وأذكر أني ما قرأت كلمة في هذا الصدد لكاتب من الكتاب إلا أعادني الحنين إلى تكملة ما شرعت فيه قديماً، واستئناف تبيان ما عميت أو تعامت عنه البصائر والأفهام

كان يعوقني عن ذلك أمران، هما الدعامة التي ترتكز عليها أسباب الكتابة والنشر، أولهما فقدان الصحيفة العربية الإسلامية الشرقية التي ترحب ببحوث كهذه التي نعتزم إذاعتها في الناس، والتي تشجع الكاتب الباحث على المضي فيما أخذ به نفسه من الدراسة الحرة الخالصة؛ وثانيها غموض الحجة وهلهلة المنطق والتواء التاريخ للظهور على المستشرقين والتغلب على مزاعمهم ودحض آرائهم واثبات خطئهم؛ فليس يكفي عندنا أن نتهمهم في إبهام، ونبغضهم لغير سبب، ثم نحمل عليهم ونرشقهم بقارص الكلام وعنيف السباب؛ إذن لتجنينا عليهم فظلمناهم ظلماً كبيراً، ولكانت دعوانا التي نتقدم بها عاثرة خاسرة!!

أما الصحيفة العربية الإسلامية فقد عثرنا عليها واهتدينا إليها، و (الرسالة) السمحة لن تضيق أبداً بما تعتقد أنه الحق، أو تتبرم بنفي ما غشى العرب والإسلام من ضعة الخطأ والعدوان، وهي المجلة الراقية التي تعتز بالكرامة وتعتصم بالنبل ثم تصل الماضي بالحاضر وتربط الشرق بالغرب على هدى وبصيرة؛ وأما الحجة والمنطق والتاريخ فقد توفرت لدينا وأسلست عناصرها لنا واتضحت في ذهننا، وإنا لنرجو أن نؤثر في الأسلوب والعرض جانب الحق والإنصاف والهدوء على جانب التحامل والملامة والغضب

وأحب قبل كل شيء أن أقول لعلامة الشام الأكبر ومؤرخها البارع الأستاذ محمد كرد علي إنه إذا قدر أن ينشر المستشرق برتزل كتابي المقنع والنقط نشراً حسناً ويضع لهما فهرساً خاصاً يسهل على المطالع أمر المراجعة والتنقيب، فما ينبغي أن توجه الشكر والثناء إلا للناشر الفاضل وحده، أما أن ترسل الكلام إرسالاً وتمتدح المستشرقين كافة فهذا ما ينكره العلم ولا يرضاه الحق، فتقول: (هذه عناية علماء المشرقيات بكتب الإسلام، أما خاصة أهله اليوم فساهون لاهون! وليت سادتنا علماء الأزهر والمعاهد المماثلة في القطر وأساتذة العلوم وغيرهم يتروون في عمل هؤلاء الأعاجم، وقد كان عليهم أن يأخذوا باليمين آثار السلف ليحيوها قبل أن تنتظر في الخزائن عطف الغرب. إننا مدينون لعلماء المشرقيات من الهولنديين والجرمانيين والفرنسيين والبريطانيين والإيطاليين والأسبانيين وغيرهم من شعوب أوربا وشمالي أمريكا بما تفضلوا به علينا من نشر أسفارنا، أحسن الله إليهم بقدر ما أحسنوا لمدنيتنا وآدابنا)

لقد تعودنا أن نكيل المديح للمستشرقين كيلاً، وأن ننعت جهودهم بأنها بذلت لخدمة لغتنا وأدبنا وتاريخنا، وأن ما نشروه من البحوث والمخطوطات إنما كان لذات العلم خالصاً، ونرانا نرجع إليهم كلما اختلفنا في رأي أو حزَّ بنا أمر لنستوحي منهم الحكمة وفصل الخطاب. هم يتمتعون منا بثقة لا حد لها، ولكن هل عرفنا أغراضهم وغاياتهم؟ هل تبينا حقيقة مقاصدهم؟ ذلك ما نحاول الكشف عنه اليوم، وسيتضح لكل ذي عينين باصرتين أن وراء الأكمة ما وراءها. . .!!

ولسنا ننكر أن بين المستشرقين طائفة معتدلة قد أخلصت في دراستها الإخلاص كله، فنظرت إلى الأدب العربي والتاريخ الإسلامي وإلى كل ما أنتجه الشرقيون من دين وعلم وفلسفة نظرة مجردة عن الهوى كما يتطلبها البحث العلمي الحديث، وهي لذلك تستحق أجزل الثناء، بل إنها لما ينبغي أن نفاخر به أبد الدهر، إلا أن أفراد هذه الطائفة إذا عدُّوا لا يتجاوزون عدد الأصابع، وهم إزاء هذه الكثرة الهائلة المغرضة من المستشرقين لا يذكرون شيئاً؛ وقد قيل إن النادر لا حكم له. فأنت لو تصفحت هذه الأسماء: مرجليوث، لامنس، ماسبرو، دي ساسي، فلوغل، كارليل، كولنبرك، جنستون، ستونتن، هوغتن، غابلنتس، سيدليو، كوسان دي برسفال، كلابروت، جيب، دي لاغرانج رينو، مونك، يرون، كازميرسكي، كسغارتن، برنستين، فتزر، وولف، بورغستال، جونس، غوتوالد، كريستيا نوفتش، خانيكوف، بوتجانوف، سيانكوفسكي، سافلياف، غريغورياف، تورنبرغ، دوزي، بروكلمان، غويدي، غولد زهير، هيار، فمبري، زترستين، ناللينو، هوداس، موسل، بيكر، دي فو، ماسينيون، هرغروني، فولرس، ارنولد، مورتمان، لشالتييه، بوفا، كاباتون، هاليفي، مكدوبل، دوفال، بارت، ليفي، كازانوفا، شوفين، كولينيون، دافيدس، لامبروز، نافيل. لشككت في حسن الغاية من أعمال الكثير منها، ولحرصت على أن تقصر الثناء على بعضها في تحفظ واعتدال!!

كان الباعث الأصلي للأوربيين على تعلم اللغات الشرقية دينياً محضاً. فقد هالهم أمر العرب، وأدركوا سريعاً أن هؤلاء القوم الفاتحين إنما يريدون فيما يريدون الاستيلاء على أوربا بأسرها لنشر تعاليمهم الجديدة والقيام بما أوصاهم به سيدهم الأعلى ونبيهم الكريم محمد بن عبد الله، والتاريخ يحدثنا أنهم امتلكوا حقاً أسبانيا الواسعة، وأجتاحوا جزءاً كبيراً من جنوب فرنسا حتى مدينة بواتيه أو بلاط الشهداء كما يطلق عليها مؤرخو العرب، ثم احتلوا جزيرة صقلية وشرعوا في بسط نفوذهم الأدبي على إيطاليا. . . وإيطاليا كما تعلم معقل المسيحية الحصين، ومصدر أشعة الدين، فعزم الغربيون على أن يحاربوا الإسلام والشرق بكل قواهم متخذين جميع الوسائل الفعالة

لجأوا إلى السيف أولاً فقاتلوا وقاتلوا حتى إذا لم يفلحوا كل الفلاح ولم ينالوا ما يبتغون عمدوا إلى وسيلة أخرى أمرُّ من تلك وأدهى! فقد عقدوا مؤتمراً كبيراً في فينا عام 1311 ميلادية ترأسه البابا كليمان الخامس، وقرروا أن تؤسس في باريس وبولون واكسفورد وسلمنكة مدارس خاصة تدرس فيها العربية والعبرانية والكلدانية لتخريج وعاظ أشداء يستطيعون تنصير المسلمين واليهود أو تشكيكهم فيما فيه مؤمنون. وأنشأ الدومينيكان والفرنسيسكان في أديارهم دروساً في هذه اللغات، فغدت إيطاليا في ذلك العهد موطن علم المشرقيات. على أنهم كانوا يعنون بصورة خاصة بالعربية والعبرية، يأخذون الأولى عن السوريين الموارنة كبني السمعاني، والثانية عن الأحبار الربانيين. فانتشرت العربية بين الطليان انتشاراً عظيماً، حتى أن تجار البندقية وجنوة وبيزا ونابولي كانوا ينظرون إلى أن تعلمها من الحاجات الماسة للحياة على نحو ما ننظر اليوم إلى اللغة الفرنسية أو الإنجليزية. وعقيب اختراع الطباعة كان قانون ابن سينا أول كتاب عربي طبع في روما. ولما قامت الحركة البروتستانية في القرن الخامس عشر وأمدها لوثر بروحه ازدادت عناية الغربيين بالعبرية والسريانية والكلدانية للبحث عن النص الأصلي للتوراة، وتتبع ذلك قيام البابا غريغوار الثالث عشر وأُربان الثامن بتعليم اللهجات الشرقية عملياً ليستفيد منها المبشرون بالنصرانية. وفي عام 1627 أنشئت مدرسة (انتشار الإيمان) التي خرَّجت الألوف من علماء المشرقيات؛ وكذلك أنشئت في فرنسا على عهد الوزير كولبير مدرسة (الشبان) التي أذاعت الفارسية والتركية وكثيراً من القصص الشرقية كألف ليلة وليلة وغيرها من الرسائل. وفي نهاية القرن السابع عشر نشر اليسوعيون أتباع لوَيُّولا اللغتين اليابانية والصينية وثقافتهما

على أن الاستشراق بعد ذلك قد تبدلت بواعثه، فغدا يخدم السياسة بعد أن كان يخدم الدين، ذلك لأن في القرن الثامن عشر ظهرت طائفة من الكتاب كفولتير وغيره حملت على الدين ورجاله جملة منكرة، وتناولته بالسخرية والتهكم المر، غير مبقية على شيء من احترامه القديم وسلطانه النافذ؛ ولأنه قامت في ذلك الحين ضجة الاستعمار وثار الغرب على الشرق يريد استعباده. فوضع المستشرقون أنفسهم تحت تصرف رجال السياسة، يُدلون إليهم بما يعلمون عن الشرقيين لتتمكن أقدامهم في بلاد الشرق، وتكون لهم على أهله سلطة خالدة.!!

ونلاحظ في هذا الطور الجديد تأليف الجمعيات في مختلف المدن الشرقية، فقد أنشأ المستشرقون جمعية العلوم والفنون في باتافيا عام 1778، والجمعية الأسيوية في لبنغال عام 1784، والجمعية الأسيوية في بومباي عام 1805، والجمعية الأسيوية في باريس عام 1822؛ وقد بذلت هذه الأخيرة جهوداً جبارة في دراسة الشرق ولغاته وتاريخه لا سيما اللغة العربية والعقلية العربية والثقافة العربية وما يتصل بذلك كله من دين وفلسفة، وعلم وأدب، لتقدم للحكومة آخر السنة تقريرها المعروف الذي لا يضم بين جوانبه حقائق تمليها لعدالة ويبعثها الواقع، وإنما ينطوي على سموم من الحقد وأثر من المغالطة! وهذه المجلة الأسيوية التي ما تزال حتى الآن تصدر في باريس مرة كل شهرين إنما هي أثر من آثار هذه الجمعية. . .

لقد كان المستشرقون على اتصال دائم بوزارة الخارجية ووزارة المستعمرات، يترددون على رجالاتهما لمعرفة ما جدّ وتغير من القرارات، وأن هذه البعثات التي يقومون بها إلى بلاد الشرق بين حين وآخر ليست بعثات علمية كما يزعمون تقصد وجه العلم خالصاً؛ وإنما هي في الحقيقة بعثات سياسية مصدرها هذه الرؤوس المفكرة الماكرة الجاثمة في الوزارتين المذكورتين، تطوف أنحاء الشرق باسم منقبة باحثة، حتى إذا ما ملأت حقائبها بما تريد عادت إلى وزارة الخارجية ووزارة المستعمرات تصب فيهما معلوماتها طروبة فخورة! وكثيراً ما كانت هذه البعثات (العلمية) تمنع من دخول بعض البلاد الشرقية، وقد تطرد منها أحياناً على أسوأ حال!!

وبعد، فلو نظرنا إلى بحوث علماء المشرقيات التي خطوها عن الأدب العربي والعقلية العربية، وفلاسفة العرب لاستخرجنا من ثناياها براهين جمة تبين لنا بوضوح كيف تندفع هذه الطائفة وراء الهوى والغرض لتثبت قضية من القضايا على أساس تجاهل الواقع وطمس الحقيقة؛ هذه نظرية (السامية والآرية) التي يؤمن بها أغلب المستشرقين والتي تصبغ دراساتهم بلون خاص تصف العرب والجنس السامي على العموم بأنهم قوم غرباء عن العلم والفلسفة، لا يحسون بالجمال والفن، ولا يعرفون ما يسمى بالأنظمة السياسية والمدنية. يقول أرنست رينان في الفصل الأول من كتابه في تاريخ اللغات السامية: (إن اللفظين اللذين استعملا ولا يزال استعمالهما جارياً إلى الآن، للدلالة على سير العقل نحو الحقيقة، وهما علم وفلسفة، قد كانا غريبين عن الجنس السامي تقريباً. فالبحث التفكيري المستقل الدقيق العميق، أو بعبارة أخرى التفكير الفلسفي للبحث عن الحقيقة، يبدو أنه كان وقفاً على الجنس المسمى بالهندي الأوربي (الآري) الذي كان يبحث منذ أقدم العصور إلى الآن لتفسير الله والإنسان والعالم تفسيراً عقلياً، والذي ترك وراءه في كل مراحل تاريخه آثاراً فلسفية خاضعة لنواميس تطور منطقي، أما الساميون فإنهم بدون تفكير أو تدليل توصلوا إلى أصفى صورة دينية عرفها التاريخ فالمدرسة الفلسفية موطنها اليونان والهند، في وسط قوم طلعة يهتمون كثيراً بمعرفة أسرار الأشياء. أما المزامير والأناشيد والكتب المنزلة والحكم الرمزية أو الموضوعة في شكل ألغاز فهي من نصيب الجنس السامي

(والجنس السامي أدنى من الجنس الآري إذا قورن به، فهو - أي الجنس السامي - ليست له هذه الروحانية السامية التي عرفها الهنود والألمان فقط، وليس له الإحساس بالجمال الذي بلغ حد الكمال عند اليونان، وليست له هذه الحساسية الرقيقة العميقة التي هي الصفة الغالبة عند الكلتيين (فرنسا وجزء من البلجيك)، وإنما الساميون بديهتهم ولكنها محدودة، وهم يفهمون الوحدة بشكل غريب، فالتوحيد هو أهم خصائصهم وهو الذي يلخص ويفسر جميع صفاتهم

(من آثار التوحيد عند الساميين التعصب، فعدم التسامح الديني عند الساميين هو نتيجة ضرورية لمذهبهم التوحيد، ومسألة النبوات والوحي هي من المسائل التي الساميين، حتى أن القرآن لم يجد تقسيماً للشعوب غير تقسيمهم إلى كتابيين وغير كتابيين

(والساميون تنقصهم الدهشة التي تدعو إلى التساؤل والتفكير، والتي تدعو إلى البحث عن الحقيقة، لأن اعتقادهم في قدرة الله يجعلهم لا يدهشون لشيء، فإذا رأوا شيئاً عجيباً قالوا: (ربنا قادر على كل شيء) كما أنهم في حالة الشك يختمون رأيهم بقولهم (الله أعلم) فإذا اعترض على ذلك بظهور حركة علمية فلسفية عند العرب في عصر العباسيين وجب أن يكون الجواب على ذلك إنه من الخطأ وسوء الاستعمال أن نسمي فلسفة منقولة عن اليونان بالفلسفة العربية، مع أنه لم تظهر لها أي مبادئ أو مقدمات في شبه جزيرة العرب مكتوبة بالعربية، وهذا هو كل ما في الأمر، كما أنها تزدهر إلا في الجهات البعيدة عن العرب مثل أسبانيا ومراكش وسمرقند، وكان معظم القائمين بها من غير الساميين وكثرتهم من الفرس

(والتوحيد له تأثير أيضاً في الشعر العربي، لأن الشعر العربي يعوزه الاختلاف والتنويع، فموضوعات الشعر أي أغراضه محدودة قليلة العدد جداً عند الساميين؛ والواقع أن هذا الجنس لم يعرف إلا نوعين من الشعر هما الشعر المجازي عند اليهود والشعر الشخصي الغنائي عند العرب، والأبطال في هذا الشعر هم نفس منشئيه. وهذه الصفة الشخصية إلى الغاية التي تجدها في الشعر العربي واليهودي ترجع إلى خصيصة أخرى من خصائص النفس السامية وهي انعدام المخيلة الخالقة عندهم، وتبعاً لذلك عدم القدرة على الاختراع. .!!

(والساميون ينقصهم الإحساس بالتنويع، فالتشريع السامي البحت لم يعرف مطلقاً إلا نوعاً واحداً من القصاص هو الموت. وملكة الضحك معدومة عند الساميين، حتى إن الفرنسيين وهم شعب ضحوك ينظر إليهم عرب الجزائر باستغراب، ويعتبرون ذلك منهم موضع دهشة بالغة

(والساميون عندهم نقص تام في كثير من الفنون الجميلة مثل صناعة التماثيل والتصوير، وقد حال دون وجودهما عندهم تحريم الدين من جهة وانعدام الخيال والاختراع من جهة أخرى وهما شرطان لازمان لهذين الفنين. والموسيقى وهي الفن الشخصي إلى الغاية هي الفن الوحيد الذي عرفه الساميون

(والأخلاق نفسها ينظر إليها الساميون نظرة تخالف نظرتنا إليها، فالسامي لا يعرف مطلقاً أن عليه واجبات إلا لنفسه، وإذا طلبت إليه أن يحافظ على كلمته ويبر بوعده وأن يقيم العدل بلا تحيز فإنما طلبت إليه مستحيلاً، فالأنانية تتمثل فيهم بأجلى مظهرها)

لن نناقش الآن هذه النظرية أو نقول فيها رأياً، لأن ذلك مما يطول بنا، وحسبنا أن ندل على شيء مما يعتقد المستشرقون، ومع أن تسعين في المائة من هذه النظرية خطأ واختلاق فقد أحلها الغربيون من نفوسهم المحل الأرفع لأنها توائم نزعاتهم وتتفق وميولهم الطافرة إلى السيطرة والاستعمار

لست أدري ما الذي يرضينا في المستشرق!؟ العلم النزيه، وقد رأينا أنه إنما كان لأراب أخر، أم الذوق الأدبي، وليس من شك عندنا أنه بعيد عنه بعد الأرض عن السماء! فالمستشرق مهما تضلع من اللغة العربية، وأخذ من الثقافة الأدبية، وتغلغل إلى الروح الإسلامية فلن يدرك أبداً غاية الأدب وأثره وحدوده ولن يستطيع بحال من الأحوال أن يتذوق جمال قطعة أدبية أو قصيدة فنية على نحو ما يتذوقها العربي! هو يفهم القرآن ولكنه لا يخشع عند سماعه أو تلاوته، ويشرح القصيدة العربية غريبها وبديعها وعروضها ولكن أذنه لا تطرب لهذه الرنة الموسيقية المبثوثة في أطواء الشعر العربي.

حمص

محمد روحي فيصل