مجلة الرسالة/العدد 113/مصر والأمم الشرقية

مجلة الرسالة/العدد 113/مصر والأمم الشرقية

ملاحظات: بتاريخ: 02 - 09 - 1935


أثارت زيارة سمو الأمير سعود ولي عهد المملكة السعودية لمصر مسألة قديمة لا تزال منذ أعوام موضع الدهشة والتساؤل، هي مسألة العلائق الرسمية بين مصر والمملكة السعودية؛ فمصر لم تعترف حتى اليوم بصفة رسمية بالمملكة السعودية، أعني بحكومة نجد والحجاز، كما أن المملكة السعودية لا تعترف من جانبها بالدولة المصرية؛ ولا توجد دولة أخرى من دول العالم لا تعترف بها مصر سوى روسيا السوفيتية

وقد كشفت الحفاوة الودية الرائعة التي استقبل بها الأمير سعود في مصر، واشتركت فيها الحكومة بصفة غير رسمية، عن مبلغ ما يعتور العلائق بين مصر والمملكة السعودية من شذوذ ونقص؛ وكانت حماسة الأمة المصرية في استقبال ضيفها العظيم أكبر دليل على ما تكنه مصر للأمة العربية الشقيقة من صادق الحب والإخاء، وعلى مبلغ ما تشعر به من بواعث الأسف لهذا الوضع الشاذ الذي ما زال يغشى صفاء العلائق الرسمية بين الدولتين

لماذا لا تبادر مصر بالاعتراف بالحكومة السعودية، وقد اعترفت بها

دول العالم جميعاً؟ هذا ما نتساءل عنه منذ أعوام. إن مصر تستطيع

أن تبرّر عدم اعترافها بروسيا السوفيتية، وهي الدولة الوحيدة الأخرى

التي لا تعترف بها، بما شاءت من الحجج والمعاذير؛ ولكن موقفها من

المملكة السعودية مما يصعب فهمه وتعليله. وإذا لم يكن ثمة موضع

للتحدث عن التبعات في هذا المقام، فانه مما يجدر ذكره أن جلالة ابن

السعود قد أبدى في كل فرصة استعداداً يحمد لتنظيم العلائق بين مملكته

وبين المملكة المصرية. وقد تكون ثمة مسائل وتفاصيل لابد من

تسويتها لإقامة الروابط الرسمية بين الحكومتين على أسس وطيدة

مرضية؛ ولكنا لا نعتقد أن هذه المسائل من الخطورة بحيث يتعذر

تذليلها وحلها

ولسنا في حاجة لأن تنوه في هذا المقام بما يجمع بين الأمتين من الروابط التاريخ القديمة، ولا بما يوثق بينهما من أواصر الدم والدين واللغة ومختلف المصالح المعنوية والمادية؛ وإذا كان مما يدعو إلى الغبطة أن الأمتين رغم هذا الشذوذ القائم في علائقهما الرسمية، تقدر كلتاهما واجبها نحو الأخرى، وتعاملها معاملة الأخت الشقيقة، بل وتبعث إليها بممثل غير رسمي يتمتع فعلاً بجميع المجاملات الممكنة، فإنه لابد من تتويج هذه الحالة الفعلية القائمة بالصبغة الرسمية الصريحة حتى يزول كل ريب والتباس في علائق الدولتين

وثمة ملاحظة أخرى في موقف مصر من الأمم الشرقية الشقيقة هي تصرفها في مسألة تبادل التمثيل السياسي مع أفغانستان؛ فقد أنشأت أفغانستان لها في مصر منذ أعوام مفوضية خاصة وبعثت إليها بوزير مفوض؛ ولبثت أفغانستان تنتظر مدى أعوام أن تعاملها مصر بالمثل، وأن تقوم في كابول مفوضية مصرية يتولى أمرها وزير مصري مفوض؛ ولكن الحكومة المصرية رأت أخيراً أن تكتفي بأن تنشئ في كابول مفوضية اسمية يتولى أمرها (قائم بالأعمال) وأن تسند إلى وزير مصر المفوض في طهران، فاضطرت الحكومة الأفغانية إزاء ذلك أن تلغى مفوضيتها في مصر، وأن تبعث بوزيرها المفوض إلى جهة أخرى، وأن تكتفي كالحكومة المصرية بمفوضية اسمية يتولاها (قائم بالأعمال) وتسند إلى وزير أفغانستان المفوض في تركيا

وهذه نتيجة يؤسف لها؛ خصوصاً إذا ذكرنا أن مصر في الوقت الذي تقدم فيه على هذا التصرف إزاء أفغانستان، وفي الوقت الذي تكتفي فيه بأن يمثلها في العراق (قائم بالأعمال)، تنشئ لها مفوضية جديدة في النمسا يتولاها وزير مفوض خاص

هذه مآخذ في سياسة مصر الخارجية نحو الأمم الشرقية، كنا نود أن تنزه عنها وأن ترتفع فوقها؛ فمصر وحدة بارزة في هذه الكتلة الشرقية التي تضطرم اليوم بروح جديدة، وتحفزها آمال وأماني مشتركة، وتجمع بينهما جميعاً صلات التاريخ والأجيال، وسياسة مصر نحو هذه الأمم الشقيقة يجب أن تقوم على اعتبارات معنوية سامية ترتفع فوق كل الاعتبارات المادية

ويجب أن تذكر مصر دائماً أنها تضطلع بتبعات خاصة نحو العربية والإسلام؛ فهي تحمل رسالة الثقافة العربية، وإليها تتجه أنظار الأمم العربية، تقفوا أثرها وتتعاون معها في إحياء الآداب العربية، ثم هي تحمل زعامة الإسلام الدينية والاجتماعية، وإليها تتجه أنظار الأمم الإسلامية لتتعاون معها في حماية التراث الإسلامي المشترك؛ وفي تضامن مصر مع الأمم العربية والإسلامية في بصوره الممكنة قوة لا يستهان بها؛ وهذا المركز الخاص الذي تتبوأه مصر بين الأمم العربية والإسلامية يحتم عليها أن تكون قدوة في حسن التفاهم مع هذه الأمم الشقيقة التي تلتف حولها وتحبوها بعطفها وتقديرها

فهل لنا أن نؤمل أن تتجه سياسة مصر الخارجية إلى تقدير هذه العوامل والاعتبارات الخطيرة؟ وهل نشهد في القريب العاجل عقد معاهدة الصداقة المصرية الحجازية؟ هذا ما نرجو لخير مصر، وخير العروبة والإسلام