مجلة الرسالة/العدد 117/الدكتور محمد إقبال

مجلة الرسالة/العدد 117/الدكتور محمد إقبال

ملاحظات: بتاريخ: 30 - 09 - 1935



أكبر شعراء الهند المسلمين في العصر الحاضر

(إن صوتي قد أوقد النار القديمة في بلاد إيران ولكن العرب

لا يعرفون شيئا عن نغماتي الشجية)

(إقبال)

لأبي النصر أحمد الحسيني الهندي

بدأ الدكتور يقول الشعر في أول الأمر من نوع الغزل ثم باشر أنواع الشعر الأخرى مثل: (مثنوي) و (قصيدة) و (رباعي) و (قطعة) و (مسدس) فأجادها إجادة تخلب القلوب، غير أن كمال شعره ليس في هذه الأشكال والقيود الظاهرية، بل في ابتكار المعاني، وإبداع البيان، ودقة الفكر، وسمو الخيال، وحسن التركيب والتشبيه، وقوة الكلام التي يشتمل عليها شعره. فأنت ترى كيف تلك الصفات أورثت التصوير حسناً ورونقاً في قصيدته (الأمنية) التي طلب فيها من الله أن يخرجه من ضوضاء هذا العالم ويسكنه محلاً هادئاً ذا منظر بهيج. قال في وصف ذلك المنظر:

(. . . فلتكن (في ذلك المحل) الأشجار مصطفة في جانبين يرسم صورتها ماء النهر الصافي، وليكن منظر الجبال فيه فتاناً إلى درجة أن يقوم الماء في شكل الأمواج لرؤيته، ويمس الماء فرع الورد مائلاً كأن حسناء ترى وجهها في المرآة، وعندما تحني الشمس عروس الليل تلبس الأزهار كساء ذهبياً مشرباً حمرة. . . الخ)

وقال في وصف الحباحب الطائرة ليلاً في الحديقة:

(إن نور الحباحب يلمع في معمورة الحديقة كأن الشمع منور في محفل الأزهار، أو نجمة قد جاءت طائرة من السماء، أو شعاع القمر قد نفخ فيه الروح، أو سفير النهار قد جاء في سلطنة الليل فكان خاملا في وطنه وبرز في الغربة. أوزر قد وقع من قباء القمر أو ذرة قد ظهرت من قميص الشمس. إن في هذا القمر الصغير نوراً وظلمة فكأنه يخرج من الخسوف حيناً ويدخل فيه حيناً. . . الخ) إن الدكتور إقبال ليس بشاعر فقط بل هو مفكر وفيلسوف أيضاً من الطراز الأول، وهذا الأمر يزيد شعره حسناً وجمالاً ورونقاً وكمالاً: فقد قال كوليريج الشاعر المفلق الناقد الأديب الإنجليزي الشهير: (لم يكن ولم يكون أحد شاعراً كبيراً مجيداً بغير أن يكون في نفس الوقت فيلسوفاً ومفكراً دقيقاً. لأن الشعر أرج علم الإنسان وأفكاره وشعوره وعواطفه ولغته قاطبة.) ففي الشعر يقدر الشاعر الفيلسوف أن يعالج أمراً من أمور الفلسفة الدقيقة، وعر الملتمس منيع المطلب ببيت واحد، في حين أنه لا يقدر على معالجته بصفحات من النثر. فأنت ترى كيف أن إقبالاً بين لك وفي بيت واحد فلسفة الحياة، ثم نبهك على مواضع الضعف فيك، وفي هذا التنبيه منه لك تحريض أيضاً على الأعراض عما أنت فيه قال:

حيات جبست جهان را أسير جان كردن

توخود أسير جهاني كجاتواني كرد

(ما هي الحياة؟ هي ان تستأسر العالم لنفسك (ولكن مادمت أنت أسيراً للعالم فكيف يمكن لك ذلك)

وقال في بيت آخر ما ترجمته:

(إن الحياة هي أن تخلق اللؤلؤ في صدفك وأن تنفذ في قلب اللهيب ولا تذوب)

وقال في فلسفة الحياة أيضاً مخاطباً قلبه ما ترجمته:

(أيها القلب تعلم من البرعوم سر الحياة، فان الحقيقة ليست بمحجوبة في مجازه فانه قد نبت من التربة المظلمة، ولكن نظره (دائماً) إلى شعاع الشمس)

يجيد الدكتور الإنجليزية والفرنسية والألمانية والفارسية والأردية، ويعرف السنسكريتية والعربية أيضاً، ويقول الشعر بالفارسية والأردية. وجميع مصنفاته التي ظهرت إلى الآن هي كما يلي:

1 - مصنفاته شعرا:

1 - بابك درا (أي صوت الجرس): وهو ديوان باللغة الأردية يحتوي على أنواع الشعر المختلفة من باكورة شعره

2 - أسرار خودى (أي أسرار الأنانية): وهو أول دواوينه باللغة الفارسية وشعره من النوع المثنوي. نشره في سنة 1916، ويحتوي على مباحث إسلامية فلسفية دقيقة للتربية الأنانية. وقد ترجمه المستشرق الشهير الدكتور نكلسن إلى اللغة الإنجليزية

3 - رموز بيخودي (أي رموز إنكار الأنانية): وهو الديوان الثاني باللغة الفارسية وشعره من نوع المثنوي نشره في سنة 1918، وهو كالتكملة للأول لتكوين الأنانية العليا وتربيتها

4 - بيام مشرق (أي رسالة الشرق): وهو ديوان باللغة الفارسية يحتوي على أنواع الشعر المختلفة، نشره في سنة 1923 وقد صنفه رداً على (الديوان الغربي) للشاعر الفيلسوف الألماني الشهير جوتيه. وقد ترجمه الدكتور نكلسن إلى الإنجليزية

5 - زبور عجم: ديوان باللغة الفارسية وشعره من الأنواع المختلفة، ويحتوي على أرق العواطف وأدق الأفكار الفلسفية. نشره في سنة 1926

6 - جاويد نامه (أي كتاب جاويد): وهو ديوان باللغة الفارسية نهج فيه الشاعر منهج فاوست لجوتيه، ويحتوي على أدق الأفكار الفلسفية الإسلامية. وقد نسبه إلى أصغر أبنائه المسمى (جاويد). نشره في سنة 1932

7 - مسافر: وهو ديوان صغير باللغة الفارسية، شعره من نوع المثنوي، يحتوي على ما جادت به قريحته حين سافر إلى أفغانستان تلبية لدعوة المغفور له جلالة الملك نادرشاه خان ملك أفغانستان في سنة 1933

8 - بال جبريل: ديوان باللغة الأردوية، يشتمل على ما جادت به قريحته عند زيارته الآثار الإسلامية في الأندلس ونشر سنة 1935

2 - مصنفاته نثرا:

1 - السياسة المدنية: صنفه باللغة الأردية وهو أول مصنفات الدكتور

2 - تاريخ التقدم الفكري في بلاد إيران: وقد نال بتقديم هذا الكتاب شهادة الدكتوراه من ألمانيا

3 - المحاضرات الستة: وهي التي ألقاه في الجامعة الهندية، وتحتوي على فلسفة الإلهيات الإسلامية

لقد طال بنا الحديث ونحب أن نختمه بكلمتين وجيزتين: منزلة شعر إقبال في الهند: وصداه في العالم، فأما منزلة شعر إقبال في الهند، فلشعره رسالة ستعرفها حين نفرد لها مقالاً في المستقبل إن شاء الله. والرسالة إذا قامت لابد أن تجذب ما حولها إلى نفسها كذلك شعر إقبال، ولا يتسع المجال هنا لأن نستقصي رأي جمع طبقات الهيئة الاجتماعية الهندية في شعر إقبال لإبانة جاذبيته ومنزلته. وإنما نكتفي برأي طبقة الشعراء لأنهم أدرى بحقيقة فنه ودقائقه

إن الشعراء في الهند كثيرون فمنهم من يجيد الشعر بالأردية ومنهم من ينشئه بالفارسية، ومنهم من يتقنه بالاثنين، ولكن إقبال أسبقهم غير مدافع، وأفضلهم غير معارض، ولشعره بينهم القدح المعلى، فقد اتفقوا جميعاً على أنه هو شهابهم الساطع، وبدرهم الطالع ولقبوه (بترجمان حقيقت) (أي المعبر عن الحقائق) وقد شدا غير واحد منهم ناشراً طراز محاسنه في المجالس، وناثرا لآلئ وصفه في المحافل بالأبيات والقصائد نقتطف بعضها هنا. قال مولانا غلام قادر كرامي وهو من كبار شعراء الهند ويقول الشعر بالفارسية:

در ديده معنى نكهان حضرت إقبال

بيغمبري كردو بيمبر نتوان كفت

(إن في رأي أرباب النظر قد قام حضرة

إقبال بعمل النبوة ولا يمكن أن يقال له نبي)

وقال الشاعر فكار - وهو من مسقط رأس إقبال ويقول الشعر بالفارسية والأردية - وهذه ترجمته:

(إنك قد جئت بكأس من الحانة القديمة وبنغمة داودية من وتر الرباب)

(يا طبيب روح الأمة! أنت قد جئت بعهد الشباب في دين إبراهيم بدواء الفلسفة)

(وقد كشفت عن نفسك بواسطة (رموز إنكار الأنانية) يا أبا الحكمة أنت قد جئت بالنهر من السراب)

وقال السيد بشير أحمد اخكر - وهو من كبار الشعراء باللغة الأردية - وهذه ترجمته:

(إن وجودك لي سبب الحياة. إن أسرار أنانيتك لي باعث زيادة الهمة)

(إن رموز (إنكار الأنانية) قد حل العقد. إن (صوت الجرس) قد أصبح لي دليل الطريق)

(عن روح (غالب) وحنو (مير) في قلبك يا إقبال إن حسن ليلى الشعر مخفي في محملك هذا)

أما صدى شعر إقبال في العالم، فلشعر إقبال في أفغانستان مرتبة لا يشق غبارها وعزة لا يدرك شأوها، إذ لا تقام حفلة من حفلات الحكومة إلا وتهز فيه فرق الموسيقى الحكومية قلوب الحاضرين بأناشيد إقبال وبخاصة (نشيد المسلم) منها. وقد نشر أقا هادي حسن وزير التجارة مقالات في شعر إقبال. وبخاصة عن ديوانه (رسالة الشرق) في مجلة (أمان أفغان) التي تصدر بكابل

ولم تأل الجرائد والمجلات في إيران تنويها بشعر إقبال، كما أن أهل العلم والأدب يحيطون به خبراً، ويثنون عليه أطيب الثناء

وفي تركيا ترجم كثيراً من شعر إقبال إلى اللغة التركية الكاتب المفكر الكبير حسين دانش، وكتب مقالات عديدة عن ديوانه (رسالة الشرق) وبسط نظرياته فيها

وسافر أحد علماء روسيا إلى الهند ليلتقي بالدكتور إقبال فقط، ثم نقل إلى اللغة الروسية نظريات الدكتور التي في ديوانه (أسرار الأنانية)

وفي مصر نشر غير مرة صديقنا المفضال الدكتور عبد الوهاب عزام ترجمة بعض المقتطفات من شعر إقبال

وفي ألمانيا ترجم الأستاذ دايشو مقدمة ديوانه (رسالة الشرق إلى اللغة الألمانية، كما أن الدكتور فيشر الأستاذ بجامعة ليبزيج وصاحب مجلة (اسلاميكا) كتب مقالات عن الديوان (رسالة الشرق)، وقارن فيها شعر إقبال بشعر الشاعر الألماني الشهير جوتيه، وترجم الشاعر الفيلسوف الألماني هانسي مائنيكه قطعة من ديوانه (رسالة الشرق) إلى ألمانية ثم كتبها بيده وجلدها تجليداً جميلاً على الطراز الشرقي موشى بالذهب والفضة أهداها إلى الدكتور إقبال تقديراً لشعره وإظهاراً لحسن اعتقاده فيه. وقد أنشئت أخيراً جمعية باسم إقبال لتعريف شعره ونشر مباديه في ألمانيا. وتترجم في ألمانيا الآن محاضرات الدكتور التي ألقاه في الجامعات الهندية في فلسفة الإلهيات إلى اللغة الألمانية

وفي إيطاليا نشر العالم الطلياني الكبير الدكتور اسكاريا الذي زار أفغانستان والهند وقابل الدكتور إقبال مقالات عن شعر إقبال في مجلة أدبية إيطالية

وفي إنجلترا ترجم الدكتور نكلسون ديوانه (أسرار الأنانية) وجزأ من ديوانه (رسالة الشرق) إلى الإنجليزية ونشرهما فذاع بهما صيت الدكتور في أمريكا وبلاد أخرى أيضاً، ونوهت أندية العلم والأدب والجرائد والمجلات العلمية والأدبية بشعره، وكتب عن (أسرار الأنانية) المرحوم الدكتور براون المستشرق الإنجليزي الشهير في مجلة الجمعية الأسيوية الملكية، وأيضاً نوه بإقبال وشعره في تصنيفه تاريخ الأدب الفارسي في المجلد الرابع منه

وفي أمريكا صنف العالم الأمريكي الجليل ميكنزي كتاباً أسماه (يقظة الهند) فنوه فيه بإقبال وشعره ونظرياته وفلسفته

السيد أبو النصر أحمد الحسيني الهندي