مجلة الرسالة/العدد 12/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 12/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 07 - 1933



الأمواج.

لأحمد الصافي النجفي

يتغنى الشاعر العراقي الفاضل في هذا الديوان بنغمات جديدة طريفة. فهو لا يسمعك مدحا في أمير أو سلطان، ولا تجد في شعره تلك العواطف المبتذلة، وليس في الكتاب نسيب يستحق الذكر. وإنما يتغنى الشاعر في ديوانه هذا بأنشودتين جليلتين الأولى الفضيلة والثانية الوطنية. وليس الموضوعان بالشيء الجديد، ولكنه يتناولهما بطريقة جديدة، ويسمعك في الأنشودتين نغمات جديدة. ولقد عاش شعراء العرب هذه القرون الطويلة وهم يحرقون فنهم بخورا أمام أصنام بشرية زائلة، ألم يأن لهم أن يقضوا قرونا أخرى يمجدون الفضيلة والوطن وهما من الموضوعات الخالدة؟

ولكي يفهم القارئ كيف يتناول المؤلف هذه الأغراض نذكر هنا القطعة الآتية:

قد كثر الفقراء ظلم ذوي الغنى ... لم يكثر الفقراء حكم الباري

كم عاش قوم من طوى، قوم وكم ... عمرت ديار من خراب ديار!

فلرب قصر بالجماجم مبتنى ... ولرب نهر بالمدامع جاري

كم مجتن ثمرا ولم يغرس، وكم ... من غارس لم يجن من أثمار!

عجز الفقير عن استعادة حقه ... فأحال ذنب الفقر للأقدار

أغني! لا تسخر بزفرة بائس ... كم من دخان منذر بالنار

وفي الكتاب قطع وقصائد كثيرة تردد هذه النغمة وأمثالها. وكلها دليل على أن الشاعر يرى أن عليه واجبا نحو وطنه ونحو بني جنسه، وان الشعراء يجب أن يكونوا رسل إصلاح لا مجرد عصافير تغرد وتطرب، وتنشدك ما تعاني وما تكابد، وما تحرق لها من مهج، وما سال من عيونها من دمع، إلى آخر ما هنالك مما تجيش به أشعار الأدب الضعيف.

وفي عدد مضى من الرسالة مقالة للأستاذ أحمد أمين في أدب القوة وأدب الضعف، وبهذه المناسبة نرى واجبا علينا أن نعلن أن هذه (الأمواج) من أدب القوة. .

ويتناول المؤلف أحيانا موضوعات أخرى في الوصف مثل قصيدته في (الشاي) و (الحنين إلى الطبيعة) و (الليل والنجوم) ولكن نزعة الوطنية والفضيلة هي الغالبة البارزة.

فقراء الرسالة قد قرءوا في عدد سابق قصيدة لهذا الشاعر وهي قصيدة (الفلاح). ومن يتأمل تلك القصيدة والقطعة التي أتينا بها هنا يستطيع أن يدرك مواضع القوة والضعف في أشعار (الصافي). أما مظاهر القوة فبادية واضحة، وأما موضع الضعف فهو في نظرنا أن الشاعر (وكأنه في هذا كشأن اكثر المجددين من شعراء هذا العصر) تشغله العناية بالمعنى عن العناية باللفظ، فألفاظه لا تنهض إلى مستوى معانيه الا قليلا. ونحن نؤاخذه أنه أحيانا يهمل العبارة اللفظية إلى درجة الخطأ كما جاء في قصيدته (بين شاعر وصاحب فندق) ورويها هي التاء الساكنة بعد ألف المد ويقول فيها:

قد جاء رب المنزل لي سائلا ... يقول ما شغلك في ذي الحياة

فقلت شغلي الشعر في نظمه ... ادفع عني جحفل النائبات

قال وهل بالشعر تحيا وهل ... تملي به أحشاؤك الجائعات

ثم يقول:

وكنت أدعى عجميا بهم ... كأنني لست ابن عرب أباة

فرحت للبدو وعاشرتهم ... فلم أجد لي مشبها في البداة

ومعروف أن التاء في الحياة وأباة والبداة في الوقف تنقلب هاء. . . وكذلك قد يذكر الشاعر ألفاظا كنا نود الا يذكرها مثل قوله:

أريد لثم كفها ... لولا اختشا عقابها

فلفظ (اختشا) ليس من الألفاظ التي يأسف الإنسان على فقدها من شعره.

على أن هذا لا يحط من قدر (الأمواج) كديوان شعر عصري لأديب مفكر قوي. وأنا لنرجو أن يهتم القارئ المصري خاصة بهذه الثمار القيمة التي تنضجها روح الأدب في العراق وسوريا.

م. ع. م