مجلة الرسالة/العدد 121/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 121/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 28 - 10 - 1935



رسالة الحج

تأليف الأستاذ ح. ع. (دبلوماسي)

للأستاذ عبد الحميد العبادي

الأستاذ ح. ع. من خيرة رجالنا العاملين في السلك الدبلوماسي، مثل مصر ولا يزال يمثلها في ممالك الشرق العربي، فأفاد بذلك خبرة نادرة بأحوال البلاد العربية في الوقت الحاضر، وأنشأ لنفسه بخلقه وإخلاصه ونشاطه مكانة عالية عند ملوك العرب، وساستهم، وأدبائهم، وعلمائهم. وإني لسعيد بأن أقول إني اطلعت على ذلك بنفسي في بعض تجوالي في ربوع الشرقين الأدنى والأوسط

وقد واتى الحظ الأستاذ ح. ع. وساعفته ظروف عمله الدبلوماسي فأدى فريضة الحج ثلاث مرات استطاع أن يدرس في أثنائها على هدى التاريخ وفي ضوء الواقع حال ذلك النظام الإسلامي الجليل المعدود خامس أركان الإسلام. ثم صاغ خلاصة دراسته في رسالة لطيفة الحجم عظيمة الفائدة، يعرف فيها من يطالعها بلاغة الأدب، وفكرة الفيلسوف، ونزعة المصلح المؤمن برسالة الإسلام وبإمكان إنهاض المسلمين من عثارهم بالرجوع بهم إلى كثير من نظمهم وسننهم الأولى. فجاءت الرسالة من أحسن ما كتب عن (الحج)، ومن خير ما أخرجته المطابع المصرية في هذا العام

ينعى الأستاذ على المسلمين فيصدر رسالته إهمالهم أمر الحج حتى كاد هذا النظام العتيق يفقد على مر الزمن من الناحية العلمية الحكمة التي قصد إليها الشارع من تشريعه. فهو يقول: (أما بعد فقد أديت فريضة الحج ثلاث مرات، وشاهدت الحجيج من جميع الأجناس، وخالطت منهم طوائف كثيرة، وحادثت كبارهم وذوي العقول منهم، ودرست بفكري وعيني وقلبي، فكنت أرى وأفكر وأبحث، وكنت استلهم كل شيء حكمته، وكل مكان وحيه، وكل عمل سره، فظهر لي أخيراً أن الحج لا يزال مجهولاً في حقيقته، وأن الذين يحجون إنما يؤدون عملاً فردياً محضاً، ولا يعرفون إلا ظاهراً من الأمر. . .)

والرسالة تنقسم إلى ثلاثة أقسام، أولها في أن الإسلام دين إنساني عام، وأنه دين المساواة التي تظهر في شكلها المادي المحسوس في الحج، وأن الكعبة من العالم الإسلامي بمنزلة القلب من الجسم، فالتوجه إليها في الصلاة والحج ذو حكمة بالغة. والقسم الثاني يتناول الكلام على (مقاصد الحج)، وفيه يرى الأستاذ أن الحج كفيل بتحقيق مبدأ الرجوع إلى طهارة الطبيعة الذي دعا إليه الفلاسفة أمثال روسو ولكنهم عجزوا عن تحقيقه، وأن الحج يستوفي مزايا نظام الكشافة ويربى عليها، وأن الحج رمز للجهاد الإسلامي في أسمى وأشرف معانيه، وأن موسم الحج جدير بأن يصبح مؤتمرا عاماً لنشر الثقافة بين المسلمين لو حرصت كل أمة إسلامية على أن تحج كل عام نفرا من صفوة رجالها يبادلون نظراءهم من حجاج الأمم الأخرى الرأي والمشورة؛ والأستاذ يرى أن هذه المقاصد كلها مما يندرج تحت مدلول قوله تعالى: (ليشهدوا منافع لهم)

على أن الجديد الممتع من هذه الرسالة هو قسمها الثالث، هو تلك الفصول التي عقدها الأستاذ لمناسك الحج وأسرارها التي خفيت على كثير من بحاث المسلمين حتى ذهب بعضهم إلى أنها أمور تعبدية توقيفية لا مجال لتفكير العقل البشري فيها؛ فالأستاذ يتناولها منسكاً منسكاً: من الإحرام، إلى الطواف حول الكعبة، إلى السعي بين الصفا والمروة، إلى الوقوف بعرفات، إلى رمي الجمار عند العقبة، إلى تقديم الهدي، إلى استلام الحجر الأسود والإهلال بالتلبية، فإذا هذه المناسك قد أفصحت عن سرها، وأبانت عن مكنون حكمتها. والحق أن هذا البحث ليكشف عن ناحية روحانية جميلة من نفس الباحث القدير

ثم يختم الأستاذ رسالته بمقترحات عملية يتقدم بها إلى الحكومات الإسلامية عامة والحكومة المصرية خاصة، راجياً الأخذ بها حتى ينتفع المسلمون بنظام الحج

وإن الذي يفرغ من قراءة هذه الرسالة ليتمنى أمرين: أن تجد دعوة الأستاذ ح. ع. من أولى الرأي في العالم الإسلامي آذاناً صاغية، وقلوباً واعية، وألا يحرم الأستاذ الشباب المتعلم المثقف من نفثات يراعه، فهو يراع يصدر عن فكر ناضج وعاطفة نبيلة.

عبد الحميد العبادي