مجلة الرسالة/العدد 126/النقد

مجلة الرسالة/العدد 126/النقد

ملاحظات: بتاريخ: 02 - 12 - 1935


1 - تاريخ الإسلام السياسي

تأليف الدكتور حسن إبراهيم حسن

بعض مآخذ تاريخية

لأستاذ كبير

الدكتور حسن إبراهيم حسن من الشبان المصريين الذين يحملون في مادة التاريخ الإسلامي طائفة غير قليلة من الألقاب العلمية الضخمة ما بين مصرية وأجنبية، ثم هو قد زاول تدريس التاريخ الإسلامي في الجامعتين المصرية والأزهرية سنين طوالاً أخرج فيها من الآثار المؤلفة والمترجمة شيئاً كثيراً؛ وقد طلع على الناس في هذه الأيام بسفر ضخم في تاريخ الإسلام السياسي تناول الكلام فيه على عصر الجاهلية، وعصر النبوة، وعصر الخلفاء الأربعة، وعصر بني أمية.

تلقاء هذه الألقاب الضخمة، والخبرة الواسعة؛ وتلقاء جلال العصر الإسلامي القديم، استشرفت نفسي لمطالعة كتاب الدكتور الأخير منذ علمت بظهوره؛ ولم أكد أصل إلى نسخة منه حتى عكفت على قراءته؛ وقد قرأته من أوله إلى آخره. وإني مع اعترافي بالمجهود الكبير الذي أنفقه الدكتور في كتابه، قد تبين لي في الكتاب من السقط والزلل مالا يحسن السكوت عليه، لذلك عمدت إلى نشر ما تيسر لي نشره من الاستدراك خدمة لمادة ناشئة في معاهدنا العلمية، هي مادة التاريخ الإسلامي، واستحثاثاً للمؤلف على تدارك أمره في مادة هو متخصص فيها، وضناً بما لمصر من حسن السمعة العلمية في الأقطار الشرقية أن يتطرق إليه ضعف أو وهن. وإني قاصر كلمتي اليوم على إيراد شيء من مآخذ الكتاب التاريخية تاركاً بقية المآخذ لكلمات أخرى أنشرها تباعاً على صفحات (الرسالة) الغراء.

يطلق المؤلف في ص 34 كلمة (أقيال) على ملوك العرب وساداتهم، مع أن هذا اللقب خاص بملوك اليمن أو من دونهم من أمراء المخاليف اليمنية.

يقول المؤلف في ص 36: (وكان للعرب نظام ثابت للزواج: فكان جمهورهم يقترن بالزوجة بعد رضاء أهلها، كما كان كثير منهم يستشيرون البنات في أمر زواجهن. وينبغي ألا نخلط بين هذا الارتباط بالزواج وبين غيره مما عرف عن بعض العرب من اجتماع الرجل بالمرأة بغير هذه الطريقة) ولو قصر المؤلف هذه الحال على الحجاز لاستقام قوله؛ أما وهو يعمم الحكم فكلامه لا يطابق الواقع؛ والدليل على ذلك حديث البخاري المنسوب إلى عائشة، والذي يبين الأنحاء الأربعة للأنكحة في الجاهلية (البخاري جـ7 ص 15).

يذكر المؤلف في ص 45 أخذاً بظاهر الرواية العربية، أن الفرس كانوا زاهدين في ملك اليمن؛ والصحيح الثابت أنهم كانوا حراصاً عليه ليحدوا من نفوذ خصومهم الروم والأحباش في تلك البلاد.

يقول المؤلف في ص 45 في وصف وهرز قائد الحملة الفارسية على اليمن: (ويصفه المؤرخون - ومنهم المستشرق نولدكه - بأنه قد بلغ من الكبر عتياً لدرجة أن جفنيه انطبقا أحدهما على الآخر) والوارد في الروايات أن حاجبيه هما اللذان كانا قد سقطا على عينيه لكبره فكان يعصب له حاجباه ليحسن الإبصار (الطبري جـ2 ص 119).

يقول في ص 58 (ويستفاد من أخبار العرب أن بني جفنة استولوا على سورية)، ولو استبدل (بادية الشام) بسورية لاستقام قوله.

يقول المؤلف في ص 61 - 62 (وكان لكل قبيلة رئيس منهم حسب نظام القبيلة المسمى الذي كان مألوفاً لدى العرب في جاهليتهم، وكان لهذا النظام مثيل بجزيرة قرسقة (كورسيكا) واستعمال لفظ أجنبي لنظام عربي لا محل له هنا كما أن التنظير بين بلاد العرب وبين قورشقة خاصة يبدو غريباً ونابياً في هذا المقام.

يزعم المؤلف في ص 63 أن الحجاز (ظل محافظاً على استقلاله أيام الإسكندر المقدوني الذي صده العرب حين أغار على ملك الفرس) فمتى، وأين، وكيف صد العرب الإسكندر المقدوني الكبير؟ لاشك أنك إن فصلت ما أجملت في عبارتك تكشف عن ناحية خطيرة مجهولة من تاريخ الفاتح المقدوني الكبير.

يقول المؤلف في ص 68 في سياق كلامه على قريش (واتخذوا جزءاً من الأرض المجاورة أولوه احترامهم، واعتبروه مقدساً، وبنوا به بيتاً حراماً لا يحل فيه القتال وأخذوا على عاتقهم حمايته) وهذا كلام يضر قائله ولا ينفعه، وإني أنصح للدكتور أن يبادر إلى التبرؤ منه وإلقاء تبعيته على قائله الأصلي. فالدكتور لاشك يعرف أن إبراهيم الخليل هو الباني للكعبة، وأن قريشاً كانت تحتمي بالبيت والحرم، بدلاً من أن تحميهما، بدليل قوله تعالى (أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم). (سورة العنكبوت)

يقول المؤلف في ص 87 في صدد الكلام على الحنيفية ببلاد العرب: (ويطلق على هذه النزعة التحنف، وعلى أصحابها الحنفاء أو التائبون المعترفون) وهنا أيضاً أنصح للمؤلف أن يبرأ من هذا القول فليس معنى التحنف (التوبة والاعتراف).

ويقول في ص 97 بعد أن يورد أسماء السابقين الأولين إلى الإسلام: (وقد سموا السابقين الأولين كما سمى من أسلم بعدهم بالمستضعفين) وظاهر أن ليس التأخر في الإسلام هو السبب في وصف المستضعفين بالاستضعاف إنما السبب في ذلك أمر آخر يعرفه من يقرأ الجزء الأول من سيرة ابن هشام بشيء من الروية والتفكير.

ويقول في ص 129 - 130: (ولم يكد الرسول يفرغ من بناء السجد حتى أخذ يبث الدين في نفوس أصدقائه وأتباعه ويحثهم على الخضوع والإذعان لإرادة الله، ومن ثم سمى هذا الدين بالإسلام لما فيه من الانقياد والخضوع المطلق لإرادة الله تعالى. والذين يدينون به يسمون المسلمين، أي الذين يخضعون لأمر الله ورسوله) وعلى فرض صحة هذا القول ماذا كان يسمى الإسلام والمسلمون قبل بناء المسجد وطوال العصر المكي؟

ويقول في ص 131: (وأحل (الإسلام) الدعوة الدينية محل الوحدة القومية) ثم يقول بعد: (وهكذا أصبح الدين دون الجنس المرجع الوحيد في تحديد العلاقات بين الحكومة والرعية) والظاهر أن المؤلف ينقل هنا عن أصل أجنبي، وأن المراد بالوحدة القومية والجنس هنا إنما هو (القبيلة).

ويقول في ص 134: (فقد تزوج (الرسول). . . صفية بنت حُيَيٍّ سيد بني النضير ليتم له إسلام قومها، لا لتأثير جمالها كما يقولون فهو أعلى نفساً من أن يتأثر بذلك) وهذا الكلام إن دل على شيء فإنما يدل على قلة الاطلاع الصحيح وعلى سذاجة التفكير وإلا فهل كان الرسول لا يزال يطمع في إسلام اليهود بعد الذي جرى بينه وبينهم من الأحداث الجسام بالمدينة وخيبر؟ ثم متى كان التأثر البريء بالجمال دليلاً على نزول النفس وعدم سموها؟

ويقول المؤلف في صفحة 154: (سرية بني الرجيع) ويعيد ذلك القول في هامش صفحة 174 ظناً منه أن هناك قبيلة تسمى (بني الرجيع) والواقع أنه إنما يريد (بني لحيان) الذين كان لهم ماء يسمى (الرجيع) وقعت عنده الحادثة المعروفة في كتب السيرة.

ويقول في صفحة 170: (وصفوة القول أن معاملة الرسول إياهم (اليهود) كانت أيسر وأخف من معاملته قريشاً وغيرها) ولو عكس المعنى فقال: (كانت أحزم وأشد) لكان كلامه منطبقاً على الواقع من غير نزاع.

ويقول في صفحة 183 في صدد الكلام على غزوة الطائف: (وأقام الرسول على حصارهم (ثقيف) حتى إذا دنا شهر ذي القعدة وهو من الأشهر الحرم فك الحصار عنهم ليرجع إليهم بعد انقضاء الأشهر الحرم) ومع أن الأشهر الحرم لا تمنع من مباشرة القتال في الإسلام فإن الرسول لما رأى أن الحرب طالت بينه وبين ثقيف علم أنه لم يؤذن له فيها وأسر ذلك إلى أبي بكر وعمر ثم ارتحل عن الطائف تاركاً أمر إسلامها للزمن. وقد صحت فراسته فقد جاءه وفد ثقيف بإسلامها في رمضان سنة 9هـ.

ويسمي المؤلف في صفحة 211 نابليون بـ (الفتى الطلياني) وذلك تعبير لا يليق صدوره ممن يتخصص في التاريخ.

في صفحة 240 - 241 يزعم المؤلف أن القصيدة التي مطلعها:

إن بالشعب الذي دون سلع ... لقتيلاً دمه ما يطل

قالها قائلها في رثاء عمه، والصحيح الثابت من سياق القصيدة نفسها أنها قيلت في رثاء خال الناظم لا عمه وذلك بدليل قول الشاعر:

فاسقنيها يا سواد بن عمرو ... إن جسمي بعد خالي لخل

والظاهر أن المؤلف شغل بنقل شرح التبريزي على القصيدة عن تفهمها وتبين من قيلت فيه.

ويقول في صفحة 247 في كلامه على أبي بكر الصديق: (وكنى بأبي بكر لمبادرته إلى الإسلام) ولست أدري ما الذي أبقاه المؤلف بعد هذا القول لجهلة المبشرين ومتعسفي المستشرقين؟

ويقول في ص 278: (لقد رحب الفرس بالعرب حباً في الخلاص من ظلم الحكام أولاً ورغبة في معافاتهم من الخدمة العسكرية ثانياً. .) وهو كلام بعيد عن الواقع بعد السماء عن الأرض.

يظهر المؤلف في هامش ص 295 ضجره من اضطراب تاريخ فتح العرب الشام ويقول (وعلى كل حال فليس غرضنا ترتيب الوقائع لأن ذلك ليس من شأننا) فهل ترى يا دكتور أن من شأنك أن تنقل شرح التبريزي على قصيدة تأبط شراً، وأن ليس من شأنك أن ترتب وقائع فتح العرب للشام؟

ويقول في ص 310 عند كلامه على فتح عمرو الإسكندرية: (وهزم الروم براً وبحراً) وقد أخطأ هنا من وجهين. فإن عمراً أو غيره من العرب لم يهزم الروم براً وبحراً عند الإسكندرية، وإنما استولى عليها بمعاهدة نابليون التي تمت بينه وبين المقوقس (أنظر كتاب فتح العرب مصر لبطلر) ثم كيف استطاع عمرو أن يهزم الروم بحراً؟ هل كان معه أسطول يا ترى؟

يزعم المؤلف في صفحة 314 أن المؤرخين لم يجزموا برأي في أمر حريق مكتبة الإسكندرية. والصحيح أنهم فعلوا. فقد جزم بطلر بأن العرب لم يحرقوها، وجزم جورجي زيدان في تاريخه بأنهم أحرقوها.

يقول في ص 330 ضمن كلامه على عثمان بن عفان: (وكان يصوم الدهر)، والعقل الناقد يرفض هذا القول وإن كان وارداً في كتاب قديم. هذا فوق ما ورد في الأثر من النهي عن صوم الدهر.

يقول في ص 341 أن عثمان ترك للأغنياء أمر الزكاة يدفعونها كما يشاءون، وتلك دعوى لا يقوم على صحتها دليل.

يقول في ص 353 أن قتلة عثمان ضربوا عنقه وأن بعضهم قطع بالسيف إصبع نائلة زوج عثمان، والخليفة المظلوم قتل دون أن يضرب عنقه، وأن أصابع يد نائلة أطنت بالسيف لا إصبع واحدة.

يقول في ص 365: (ولما توفي عمر انتخب عثمان بمقتضى قانون الشورى الذي سنه عمر) وعمر لم يسن قانوناً للشورى وإنما عين ستة نفر يختار المسلمون من بينهم خليفتهم.

في ص 398 يتابع المؤلف المستشرق الإنجليزي نيكلسن في قوله في انتصار معاوية في أمر الخلافة: (اعتبر المسلمون انتصار بني أمية وعلى رأسهم معاوية انتصاراً للأرستقراطية الوثنية التي ناصبت الرسول وأصحابه العداء) والأمر هنا ليس أمر وثنية وإسلام إنما هو أمر أحزاب سياسية تتنافس في الحكم وفاز بعضها في النهاية.

وهو يتابع في ص 425 السيد أمير علي في قوله في وقعة الحرة (ولا غرو فقد حول جند الشام المسجد الجامع إلى إسطبل لخيولهم وهدموا الحرم والأماكن المقدسة لسلب ما فيها من أثاث ومتاع) وهذا كله غير ثابت.

يقول في ص 507 عند كلامه على المرجئة: (وقد ظهر من بينهم أبو حنيفة صاحب هذا المذهب المشهور الذي لا يزال باقياً إلى اليوم) واتهام الإمام الأعظم بالإرجاء أمر قديم وقد كفانا مؤنة تفنيده السلطان أبو المظفر عيسى الأيوبي في رده على الخطيب البغدادي.

(يتبع)

مؤرخ