مجلة الرسالة/العدد 129/المجنون

5 - المجنون «مجلة الرسالة/العدد 129/المجنون» للأستاذمصطفى صادق الرافعي ثم إن (نابغة القرن العشرين) استخفه الطرب لذكر صواحبه وجميلاته من فاطمة إلى رباب؛ ومن طبع المجنون أنه إذا كذب صدق نفسه، فان قوة الضبط في عقله إما معدومة وإما مختلة، وكلوجه تخيل منه خيالا فهو وجه من وجوه العالم عنده إذ كان عالمه أكثره في داخله لا في العالم، فإذا توهم أو أحس أو شعر فإنما يكون ذلك بطريقته هو لا بطريقة الناس العقلاء، فليس يحتمل عقله إلا فكرة واحدة تمضى منفردة بنفسها مستقلة بمعناها كأنها قدر غالب على جميع أفكاره الأخرى، فلا شأن لها بالواقع ولا شأن للواقع بها، وإنما هي تحقق معناها كما تخطر له لا كما تتمثل فيما حوله. فبين كل مجنون وبين ما حوله دماغة المتدجي بالغيوم القليلة، لا تزال تعرض له الغيمة بعد الغيمة من اختلال بعض المراكز العصبية فيه، وفساد أعمالها بهذا الاختلال، وقيام الطبيعة فيها على هذا الفساد. ومن ذلك تنقلب الكلمة من الكلام وإنها لحادثة تامة في عقل المجنون كالقصة الواقعة لها زمان ومكان وبدء ونهاية، لا يخامره فيهاالشك، ولا يعتريها التكذيب؛ وكيف وهي قائمة في ذهنه من وراء سمعه وبصره قيام الحقيقة في الأبصار والأسماع؟ ولحواس المجنون جهتان في العمل لأنها بين كونين أحدهما الكون الخرب الذي في دماغه؛ وفي هذا يقول (نابغة القرن العشرين): إن في داخل عينيه منظارا يرى به الأشياء في غير حقائقها، أي في حقائقها. وحدثنا الدكتور محمد الرافعي قال: إن في دار المجانين بمدينة ليون بفرنسا نابغة كنابغة القرن العشرين ذكرت إمامه قيصرة روسية وخبر مقتلها، فأحفظه هذا وأرمضه وقال يا ويحهم! كذبوا عليها وعلي. . . فسأله الدكتور: وكيف ذلك؟ قال: كان من خبر القيصرة أنها رأتني فأحبتني وعلمت من كل وجه يمكن أن يعلم منه قلبها أني أنا رجلها لا القيصر. فما زالت بعدها تناكد القيصروتلتوي عليه ولا تصلح له في شيء حتى يئس منها فطلقها. فحملت كنوزها وحلاها ولجأت إلى حبيبها. ثم تبعتها نفس القيصر ولم يطق العيش بعدها فانتحر. . . ثم طلبها الشيوعيون لما معها من كنوز فأخفاها هو في مكان حريز لا يعلمه إلا هو؛ ثم إنه هو لا يصل إلى هذا المكان الذي أحرزها فيه إلا إذا نام. . . كيلا يراه أحد من الشيوعيين فيتعقبه فيعلم مقرها. ولهذا كان من الحكمة أن ينسى المكان إذا استيقظ. . . فقد يزل مرة فيخبر به أو يغلبه الشوق مرة على عقله. . . فيذهب إليه فعسى أن يراه من ينم بذلك فتفتضح الحبيبة وتؤخذ منه، قال: وإن القيصرة هي تحتاط أيضا مثل ذلك فتراسله كل يومباللاسلكي رسائل تقع من الجو في دماغه فيقرؤها وحده. وإن أخوف ما يخافه أنيغلبها جنون الحب يوما فتطيش طيش المرأة فتزوره في هذا المارستان. . . فقد تقتل إذا رآها الشيوعيون. قال الدكتور: وهناك (نابغة) آخر ثبت في ذهنه أن امرأة من أجمل النساء قد استهامت به وأنها مبتلاة في حبها إياه بجنون الغيرة، وقد تناهت فيه حتى إنها لتقتل نفسها إذا علمت أن لصاحبها هوى في امرأة أخرى. وخبلته هذه الفكرة فاعتقد أنحبيبته من جنون غيرتها واقعة بين السلامة والتلف؛ ثم توهم ذات يوم أن واشيا قد أعلمها أن النساء افتتن به؛ فطار صوابها فهي آتية إليه في المارستان لتوبخه وتشفى غيظها منه ثم تنتحر إمام عينيه. وأدار (النابغة) الفكر في إقناعها لتعلم أنه لم يخنها بالغيب. . . فلم يهتد إلى مقنع تستيقن به المرأة أن لا أرب للنساء فيه إلا أن. . . ففعل وجب خصيتيه بيده ليقدمهما برهانا أنه لها وحدها. . . قلنا: وطرب نابغة القرنالعشرين، لذكر صواحبه وجميلاته فجعل يترنم بهذا الشعر: قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم ... ما لذة العيش إلا للمجانين فقال المجنون الآخر: (مما حفظناه): ما لذة (الخبر) إلا للمجانين. . . فضحك (النابغة) وقال: ما أسخفك من أحمق. إذا كان هذا هو المعنى فقل ما لذة (الكعك). ألم أقل لكم إن هذا الأبله لو تهجأ كلمة خبز لقال إنها ل. ح. م. ولو تهجأ كلمة لحم لقال ف. و. ل. . . إنه طفل عمره ثلاثون سنة وفيه دائما غضب الطفل ونزقه وحماقته، وفيه كذلك سرور الطفل وطيشه وأحلامه؛ غير أنه ليس فيه عقل الطفل. وهو من الضعفوشدة الحادة إلى العناية في حياطته وسياسته والبر به كطفل صغير - بحيث يخيل إلى أحيانا أنني أمه. . . قلنا: وتنسى في هذه الحالة أنك رجل؟ قال: وأنتم كذلك تهمونني بالنسيان وهو شرعا جهة ملزمة للحكم بالجنون. فما النسيان إلا الكلمة الأخرى لمعنى ضعف العقل؛ وضعف العقل هو اللفظ الآخر لمعنى جنوني، وقد أعلمتكم ما أكره من الكلام. قلت: لا، إن النسيان لا يكون منك نسيانا بمعناه في المجانين، بل بمعناه فيك أنت من تواثب الأفكار النابغة وتزاحمها في تواردها على العقل. فإذا تواثبت وتزاحمت كان أمرها إلى أن ينسى بعضه بعضا فلا ينطلق منها إلا القوي النابغ حق نبوغه، فيجيء كالمنقطع مما قبله، فيحسب ذلك نسيانا وما هو به. وقد تصطلح الأفكار في هذه المعركة الذهنية إذا كان النابغة مسرورا محبورا يرقص طربا. . . فيكون أمرها إلى أن تجيء كلها معا على اختلاف معانيها وتناقضها؛ فحسب ذلك ضربا من الذهول عند من يجهل العلة النبوغية؛ وعذره جهل هذه العلة وهي في دلالة العقل ليست نسيانا ولا ذهولا. قال: فأعلمني كيف نسيان المجانين فقد خفي علي أن أدرك هذا الأمر العجيب فيهم، ولست أدري كيف يفوتهم ما استدنى لهم من الفكر بعد أن يكون قد استقر وحصل في عقولهم؟ قلت: لا يكون النسيان تهمة بالجنون إلا في أحوال ثلاث جاءت بكلها الرواية الصحيحة المحفوظة: فأما الأولى فما يروى عن رجل كان سريا غنيا وعمر حتى أدركه الخرف؛ فجاء كاتبه يوما يستعينه على تجهيز أمه وقد ماتت فدفع إلى غلام له دنانير يشتري بها كفنا ودنانير أخرى يتصدق بها على القبر؛ ثم قال لغلام آخر: إمض إلى صاحبنا وغاسل موتانا فلان فادعه يغسلها. قال الكاتب: فاستحييت منه وقلت يا سيدي ابعث خلف فلانة وهي جارة لنا تغلسها. قال يا فلاناً تدع عقلك في حزن ولا فرح. كيف ندخل عليها من لا نعرفه؟ قال الكاتب: نعم تأذنبذلك. قال لا والله ما يغسلها إلا فلان. فضاق الكاتب بهذا الحمق وقال: يا سيدي كيف يغسل رجل امرأة؟ قال: وإنما أمك امرأة.،.؟ والله لقد أنسيت وأما الحالة الثانية فما يروى عن رجل كان نائما في ليلة باردة فخرجت يده من الفراش فبردت، فأدناها إلى جسده وهو نائم فأحس ردها فأيقظته، فانتبه فزعا فقبض عليها بيده الأخرى وصاح: اللصوص. اللصوص. . . هذا اللص قد قبضت عليه أدركوني لئلا تكون في يده حديدة يضربني بها، فجاءوا بالسراج فوجدوه قابضا بيده على يده وقد نسى أنها يده. وأما الثالثة فهي رواية عن رجل قد ورث نصف دار، ففكر طويلا كيف تخلص الدار كلها له ثم اهتدى إلى الوسيلة؛ فذهب إلى رجل وقال له: أريد أن أبيعك حصتي من الدار وأشترى بثمنها النصف الباقي لتصير الدار كلها له. . . قال (النابغة) لعمري إن هذا لهو الجنون، وما يذكر مع هؤلاء مجنون المتن ولا غيره. . . فقال الآخر: تالله لولا أن (نابغة القرن العشرين) يدفع نفسه عن الجنون لجاء في الجنون بما يذهل العقول. . . ثم نظر فإذا النابغة يتحفز له. . .؛ فأسرع يقول: (مما حفظناه) كنحذرا كأنك غر، وكن ذاكراً كأنك ناس. فهذا هو نسيان نابغة القرن العشرين، نسيان حكماء لا نسيان مجانين. قال (النابغة) ولكن قد فسد قول الشاعر، ما لذة العيش إلا للمجانين؛ فما بقيت مع الجنون لذة. قلت: إن الشاعر لا يريد المجانين الذين هم مجانين بالمرض وإنما يريد العشاق المجانين بالجمال؛ وجنون العاشق في هذا الباب كعيوب العظماء من أهل الفن، وهي عيوب تدافع عن نفسها بحسنات العظمة فليست كغيرها من العيوب. قال: فيجب أن أصنع بيتاً آخر يفسرذلك الشعر ليستقيم لي التمثل به. ثم فكر وهمهم، ثم كتب في ورقة ثم طواها وقال: اصنع أنت أول، وسأئتمن س. ع. على شعري ودفع إليه الورقة. فنظرت وقلت: يجب أن يكون الشعر هكذا: قالوا جُنِنت بمن تهوى فقلتُ لهم ... ما لذة العيش إلا للمجانين العقلُ إن حَكَم العُشّاقأثقلُ من ... فقرٍ تحكَّم في رزقِ المجانين ونشر س. ع. الورقة فإذا فيها: قالوا جُنِنت بمن تهوى فقلتُ لهم ... ما لذة العيش إلا للمجانين إن العيوب عن المجنون دافعةٌ ... بأنه نابغ في القرن العشرين. . . وضحكنا جميعا؛ فقال النابغة: أبعدك الله يا س. ع. إن من ائتمن المجنون على سر وقال له أكتمه فكأنما قال له انشره. ثم قال: وددت والله أن يكون س. ع. هذا نابغة، ولكني سأجعله نابغة، فقد صار له علي حق الصديق وهو حق لا أضيعه ولا أخل به. فإذا احتجت يا س. ع إلى خطاب رنان تلقيه في حفل عظيم، أو قصيدة تمدح بها وزير المعارف، فالجأ إلي فإني ملجأ لك. ومتى انتحلت شعري كنتعند الناس المتنبي أو البحتري أو ابن الرومي، فان هؤلاء القدامى لم ينفعهم إلا أنني لم أكن فيهم، ولما لم أكن فيهم أعجبوا الناس إذ أنني لم أكن فيهم. قلنا فما حكمك عليهم في الأدب؟ قال: إذا حكمت عليهم فقد جعلت نفسي بينهم، فمن الطبيعي إلا يعجبني منهم أحد. إن (نابغة القرن العشرين) لا يقول لمعنى هذا أحسن فانه هو فوق الأحسن، ولا يقول عننابغة هذا أشهر فانه هو فوق الأشهر. قلت: كأن الدنيا تحت قدميك وأنت فيها الزاهد العظيم الذي لا يقول في حسن هذا أحسن لأنه فوق الشهوة، ولا في نعيم هذا أطيب لأنه فوق الطمع، ولا في مال هذا أكثر لأنه فوق الحرص. وأحسبك لو كنت ترعى غنما لكنت الحقيق في عصرنا بقول تلك الراعية الزاهدة: أصلحت شأني بيني وبين فأصلح بين الذئب والغنم. قال: وكيف ذلك؟ قلت: حكي عنبعض الصالحين أنه فكر ذات ليلة فقال في نفسه: يا رب. من زوجتي في الجنة؟ فأرى في منامه ثلاث ليال أنها جارية سواء في أرض كذا. فجاء تلك الأرض فسأل عن الجارية، فقال له رجل ما هذا؟ تسأل عن جارية سوداء مجنونة كانت لي فأعتقتها؟ قال وماذا رأيتم من جنونها؟ قال: كانت تصوم النهار فإذا أعطيناها فطورها تصدقت به، وكانت لا تهدأ الليل ولا تنام فضجرنا منها. قال: فأين هي؟ قال ترعى غنما للقوم في الصحراء. فذهب إلى الصحراء فإذا هي قائمة في صلاتها، ونظر إلى الغنم فإذا ذئب يدلها على المرعى وذئب يسوقها. فلما فرغت من صلاتها سلم عليهافأنبأته أنه زوجها في الجنة وأنبأها أنه بشر بها؛ ثم سألها ما هذه الذئاب مع الأغنام؟ قالت: نعم أصلحت شأني بيني وبينه فأصلح بين الذئب والغنم. قال (النابغة): هذا كذب لأنه عجيب، وهو عجيب لأنه كذب. قلت: وأي عجيبفي هذا؟ إن الذئب والشاة، والأسد والغزال، والثعبان والعصفور، وكل آكل ومأكول من الأحياء، لو هي دخلت في دائرة الصلاة الحقيقية لانتظمت كلها صفا واحدا يركع ويسجد. فهذه الجارية نشرت روح الصلاة والتقوى علىكل ما حولها من قلبها الطاهر المطمئن بالإيمان، فوقع الذئب منها في دائرة مغناطيسية، فسلب وحشيته ورجع مسخرا لفكرة الصلاح والخير إذ تجانست فيه الحياة بما حولها، وانسجم النوع والنوع في حركة متجاوبة انسجام الرجل المغناطيسيهو ومن ينومه في إرادةواحدة وفكرة واحدة. قال (النابغة): فإذا دخل الذئب مسجدا يرتج بالمصلين، أتراه يصف أربعته ويقف بينهم للصلاة، أم يصلي صلاته الذئبية في لحومهم؟ قلت: وأين هم الذين يصلون بحقيقة الصلاة فيخرجون بها من النفس إلى الكون، ومن الزمن إلى الأبد، ومن الأسباب إلى مسببها، ومما في القلب إلى ما فوق القلب؟ إن هؤلاء جميعا يصلون بجوارحهم وبينهم وبين أرواحهم طول الدنيا وعرضها؛ وما منهم إلا من يتصل فكره بما يغلب عليه كما يتصل فكر اللص بيده، وفكر العاشق بعينه، وفكر الطفيلي بمعدته. . . فاسمعها عندهم الصلاة وحقيقتها عند الله كما ترى. قال (النابغة) ولكنه ذئب من طبيعته أن يأكل الشاة لا أن يرعاها، فلا أفهم شيئا. وقال الآخر: (مما حفظناه) رتع الذئب في الغنم، ولم يقولوا صلى الذئب في الغنم، فلا أفهم شيئا. قلت: سأزيد كما عدم فهم. . . إن قلب تلك المرأة العظيمة الطاهرة متصل بالله، وليس فيه شيء من طباعها الإنسانية ولا ظل من ظلال الدنيا؛ وقد تجلى فيه سر الحياة، وهو السر الذي لا يطعم ولا يشرب ولا يلبس ولا يشتهى ولا يطمع في شيء ولا يحرز شيئا، وإنما طبيعته أشواقه الكونية واتصاله بنفحات القوة الأزلية المسخرة للوجود كله. فانتشرت هذه الموجة الكهربائية الأثيرية حول الجارية من قلبها، وجاء الذئب فلتج فيها وغمرته الروحانية الغالبة فإذا هو يفتح عينه على كون غريب قد تجلى السلام عليه، فليس فيه إلا قوة آمرة أمرها بائتلاف كل شيء مع كل شيء، واجتماع المتنافرين في حالة معرفة لا في حالة إنكار. فصار الذئب مستيقظا، ولكن في روح النوم، وشلت فيه الذئبية الطبيعية فإذا هو يحمل الأنياب والأظافر وقد أنسى استعمالها، وبقيت حركته الحيوانية ولكن تعطلت بواعثها فبطل معناها. ومن كل ذلك اختفى الذئب الذي هو في الذئب، وبقى الحيوان حيا ككل الأحياء، فناسب الشاة وفزع إليها إذ لم تعد العلاقة بينهما علاقة جس الآكل بجسم الأكيلة، بل علاقة الروح الحي بروح حي مثله. قال (النابغة): أما أنا فقد فهمت ولكن هذا المجنون لم يفهم. أكتب يا س. ع: جلس نابغة القرن العشرين مجلسه للفلسفة على غير إعداد ولا تمكن، وبدون كتب البتة. . . وكان هذا أجمع لرأيه وأذهن له وأدعى لأن يتوفر على الإملاء بكل مواهبه العقلية؛ ولما أن فكر النابغة وأعطى النظر حقه وجمع في عقله الفذ جزالة الرأي إلى قوة التفنن والابتكار، قال مرتجلا: إن فلسفة الذئب والشاة حين لم يأكلها ولم تنطحه، هي بالنص وبالحرف كما قال أستاذ نابغة القرن العشرين. . . (حاشية) وإن مجنون المتن لم يفهم هذه الفلسفة. فامتعض الآخر وقال: (مماحفظناه): وبات يقدح طول الليل فكرته ... وسر الماء بعد الجهد بالماء فقال (النابغة): ويلك يا أبله! أما والله لو كنت نفطويه أو سيبويه لما كنت عندي إلا جحشوية أو بغلويه. . . لقد كنت أرى الكلام في تلك الفلسفة طريقا نزها جميلا حفته الأشجار والأزهار عن جانبيه، واندفعت في سوائه (تمبيلات) الأفكار خاطفة كالبرق. فلما تكلمت أنت انتهينا من سخافتك إلى طريق حجري تقعقع فيه عربات النقل تجرها البغال البطيئة. فقال الآخر وهو يتعذر إليه: ما أردت والله مساءتك ولو أردتها لقلت وفسر الماء بعد الجهد بالسبرتو. . . فهذا هوالخطأ، أما تفسير الماء بعد الجهد بالماء فهو صحيح. قال النابغة: ولكنه تفسير مفرط السقوط كتفسير المجانين، فهو يقول إني مجنون. قلت: كلا، إن تفسير المجانين يكون على غير هذا الوجه كالذي حكاه الجاحظ قال: سمعت رجلا يقول لآخر: ضربنا الساعة زنديقا. قال الآخر: وأي شيء الزنديقا؟ قال الذي يقطع المزيقا. قال: وكيف علمت أنه يقطع المزيقا؟ قال رأيته يأكل التين بالخل. . . . (طنطا)