مجلة الرسالة/العدد 129/معركة عدوى

مجلة الرسالة/العدد 129/معركة عدوى

ملاحظات: بتاريخ: 23 - 12 - 1935


7 - معركة عدوى

للأستاذ الفريق طه باشا الهاشمي

رئيس أركان حرب الجيش العراقي

وكان لموقع عدوى خطورة خاصة من حيث الاحتشاد في (ادجرات) حيث يوجد طريق يربط عدوى بأسمرة تواً بعد أن يمر بغوندت ويقطع خط الاتصال على القوات في ادجرات، وإذا أرادت الانسحاب تكون القوة الحبشية في عدوى قد سبقتها إلى اسمرة، بينما موقع أسمرة خطير وهو واقع على عقدة الجبال ويستر ميناء مصوع.

نعم يوجد طريق آخر يربط ادجرات بزولا في جنوبي مصوع وتستطيع القوات أن تتمون وتنسحب بواسطته إلى الساحل عند الحاجة، بيد أنه لا يستر الميناء (مصوع)، وهذا الميناء هو القاعدة لجميع الحركات ومنه تتمون حاميات (كرن) و (كسلا)، ولم يكن البريطانيون راغبين في إخلاء كسلا قبل أن يقضوا على حركات المهدي تماماً.

وقد أدى جمع القوات في ادجرات إلى مجابهة القيادة الطليانية مشكلة التموين. وكان في عدوى مقدار كبير من الذخائر اضطر الطليان إلى إتلافه لما انسحبوا منها. ولم تكف وسائل النقل لنقل المؤن. وبدلاً من أن يمونوا الوحدات الأهلية أخذوا يدفعون إليها الدراهم بدلاً من الأرزاق، بينما كانت الأرزاق قليلة، وكانت الأحوال جميعاً تدل على أن الطليان وقعوا في مأزق لا يمكنهم الخروج منه إلا بصعوبة.

فأرادت الحكومة الطليانية أن تنقذ الموقف بإرسال قوات جديدة إلى أريترة، وقررت من جهة أخرى إنزال القوات في ميناء زيلع للتقدم نحو هرر واستمالة المسلمين إلى جانب إيطاليا وتهديد العاصمة (أديس أبابا)، فتضطر القوات الحبشية إلى الإنقسام. بيد أن حكومتي بريطانيا وفرنسا لم توافقا على إنزال القوات الطليانية في ميناء زيلع في الصومال البريطاني لأنهما كانتا قد اتفقتا على اعتبار مقاطعة هرر من الأملاك الحبشية. وهذه المقاطعة الكثيرة السكان تتجر مع المستعمرتين الفرنسية والبريطانية، ولكلتا الدولتين منافع خاصة فيها.

والذي زاد الطين بلة أن الخلاف ظهر بين القيادة الطليانية في أريترة وبين الحكومة الطليانية في رومة. وكانت البرقيات التي يرسلها رئيس الحكومة (كريسبي) تندد بأعمال الجنرال باراتيري، وكلما ورد خبر مؤلم إلى إيطاليا تثور زوبعة في رومة تنتهي بإرسال برقية شديدة اللهجة إلى حاكم المستعمرة وقائدها.

ومن هذه البرقيات البرقية التالية التي أرسلها رئيس الحكومة إلى الحاكم العام بعد وصول أخبار نكبة (امبا - الاغي):

(أرسلنا إليك أكثر مما طلبت ولا نزال نرسل. وإذا كان سبب المصائب عدم كفاية وسائلك أو قلة كفايتك فالويل لك).

وفي البرقية الأخرى يذكر ما يلي:

(يظهر لنا أن في روحك شيئاً من الخيبة والتردد).

وطلب الجنرال إرسال أربعة عشر فوجاً وخمس بطريات جبلية؛ بيد أنه لم يفكر في كيف يتمكن من تموين هذه القوات بينما كانت القيادة عاجزة عن تموين أولئك الموجودين في المستعمرة، وكان يبحث في القيام بالهجوم من جديد. وكان جواب (كريسبي) إليه ما يلي: (أنا لا أريد منك خطط حركات، وإنما أرغب إلا تتكرر الهزائم).

وفي 8 يناير 1896 أبرق الجنرال (باراتيري) أنه لا يريد إرسال قوات لأنه لا يتمكن من تموين القوات الموجودة عنده. وبعد سقوط قلعة (مكلة) تأكد من كثرة قوات الحبشة التي عسكرت بين (مكلة) وادجرات، فقرر ترك مقاطعة (تيجري) والانسحاب بقواته إلى مصوع، وطلب الموافقة على ذلك من رومة، إلا أن الحكومة الطليانية لم تشاركه في هذا الرأي، وكان كريسبي يستهزئ بباراتيري مبرقاً إليه: (إنك مصاب بالتدرن).

فلم ير الجنرال بداً من رمي الجيش الإيطالي في النار

8 - قبل معركة عدوى

لما حاصر ماكونين قلعة (مكلة) عسكر منليك بجيشه بين القلعة و (ادجرات)، ولما سقطت (مكلة) وافق على ذهاب الأسرى مقابل مال تدفعه إليه الحكومة الطليانية. وكان رسول كريسبي يفاوض منليك في هذا الشأن. وسافر الموظفون المدنيون أولاً إلى (ادجرات)، وبعد خمسة عشر يوماً سافر الجرحى والمرضى على البغال التي أخرجتها الحامية من القلعة لقلة الماء فيها

وقد أظهر النجاشي مقدرة حربية بالاستفادة من سوق الأسرى. ولم تكن القوة المحتشدة في ادجرات قليلة، وكانت القلعة حصينة، والطريق الذي يصل مكلة بادجرات وعراً، ويمر بمضايق حصنها الطليان لسدها في وجه الأحباش. وكانت الجهة المعرضة للهجوم واقعة إلى الجنوب ومسيطرة على الوادي في انحدار شديد. وكان طول الخنادق حول القلعة 750 متراً، وكانت مواضع المدافع صالحة للرمي على مسافات بعيدة. وبلغت القوة المكلفة بالدفاع عن هذه الجبهة 000ر20 مقاتل، وكان التقدم في هذه الناحية يلقى عراقيل وموانع، وقد لا ينجح الهجوم على الطليان لمناعة مواضعهم وكثرة مدافعهم ووفرة سلاحهم. وإذا استطاع منليك أن ينقل جيشه من شمالي مكلة إلى عدوى دون علم الطليان فإنه يكون قد هدد طريق (اسمرة - مصوع) وألجأ الطليان إلى الانسحاب من ادجرات، لأن التقدم من عدوى في الجهة الشمالية الشرقية يقطع خط الرجعة على الجيش الطلياني

ولكن كيف يستطيع منليك القيام بالمسير الجنبي بهذا الجيش اللجب دون علم الطليان؟ والأمر يتوقف على الخدعة، والعرب يقولون: (رب حيلة تغني عن قبيلة). وسوق الأسرى وفيهم الجرحى والمرضى من مكلة إلى ادجرات هيأ هذه الخدعة، فأنبأ منليك القيادة الطليانية بأنه سوف يوفد قوة من جيش ماكونين مع الأسرى لحراستهم. فساقهم يوم 25 يناير على طريق (اندرثا) وفي اليوم الثامن غير طريقهم إلى (هوزن) بحجة أن الطريق الأول لا يصلح لسوق المرضى والجرحى؛ وهكذا قدم جيش ماكونين على طريق (مكلة - هوزن - ادجرات) وبحراسة هذا الجيش سير منليك جيشه من معسكره إلى عدوى. ولما وصل الأسرى إلى ادجرات كان جيش منليك في عدوى والتحق به بعد ذلك جيش ماكونين فأصبح مجموع القوة 000ر80 رجل

ولا ريب في أن منليك أهمل أمر (ادجرات) واهتم بعدوى. والحقيقة أن لخط (ادجرات - عدوى) خطورة عظيمة من حيث السيطرة على مستعمرة اريترة، أو سد الطرق في وجه المهاجمين لبلاد الحبشة، لأن الخط المذكور كما سبق القول يمر بذرى الجبال التي تؤلف الخط الفاصل بين حوضي نهر مارب ونهر تكاسا. واعتمد منليك على تفوق عدده وتيقن أن الضربة التي ينزلها في عدوى تفتح له الطريق. وما دام هو في عدوى فلا يجرؤ الطليان على التقدم في الجهة الجنوبية الغربية

ولما وصل الجيش إلى عدوى احتل الروابي الشرقية وتأهب للمعركة، فاضطر الجنرال (باراتيري) أيضاً إلى تغيير وجهة جيشه. فبعد أن كان متوجهاً إلى الجنوب توجه إلى الغرب

ولم يستعجل منليك القتال، وكانت لديه مهمات أخرى يريد أن ينجزها قبل العمل، وهي إراحة الجيش، واحتلال المواضع المسيطرة، وتسليح الأهليين في المستعمرة، وحثهم على الثورة على الطليان. فتظاهر بأنه يريد الصلح، وشاغل الطليان بمفاوضات الصلح، فحملهم على البقاء في ادجرات. وطلب من الحاكم العام أن تجري المفاوضات على الأسس التالية:

اعتبار نهر مارب ونهر بلزة خط الحدود، وتصحيح معاهدة كسلا، والاعتراف باستقلال الحبشة. وهكذا أظهر للعالم أنه مسالم. بيد أن الجنرال (باراتيري) أنبأه بأنه غير مفوض بقبول هذه الشروط ما لم يقف على رأي رومة

وفي 13 فبراير سنة 1896 نجحت تدابير منليك بإغراء الأهليين الذين كانوا قد تطوعوا في الجيش الطلياني مقابل راتب. وفي 14 فبراير ترك المتطوعون الجيش الطلياني وانضموا إلى الجيش الحبشي وهاجموا قوة الستار الطليانية في مضيق (اليطا)

وحاول قائد القوة في هذه الجبهة أن يحول دون انضمام المتطوعين إلى الأحباش وأرسل وراءهم فصائل طليانية على التعاقب، إلا أن المتطوعين أحاطوا بهؤلاء واضطروهم إلى التسليم وساقوهم أسرى إلى منليك، فتشجع الأهليون بذلك وثاروا على الطليان، واستولوا على طريق (ادجرات - سنافه)، وقطعوا الأسلاك البرقية؛ وطفق الطليان يشعرون بحرج الموقف إذ قلت الأرزاق، لأن الثوار أخذوا يهاجمون القوافل على خط المواصلات؛ وكانت القوافل تسير بحراسة حاميات قوية ببطء. وأخذ بعض فصائل الجيوش يتقدم نحو أسمرة لعبور نهر مارب والوصول إلى (غودفلاسي)

(يتبع)

طه الهاشمي