مجلة الرسالة/العدد 130/القصص

مجلة الرسالة/العدد 130/القصص

ملاحظات: بتاريخ: 30 - 12 - 1935



في ذكرى بدر

أبو جهل. . . . لم أكتب رواية، ولكني عرضت مناظر من

بدر. . . . . (علي)

للأستاذ علي الطنطاوي

(المنظر الأول)

(في بيت عاتكة بنت عبد المطلب)

عاتكة - يا أخي! والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني، وتخوفت أن يدخل على قومك منها شرٌ ومصيبة، فاكتم عني ما أحدثت، فانهم إن سمعوها آذونا، وأسمعونا ما لا نحب

العباس - حدثيني، فسأكتم الحديث

عاتكة - رأيت راكباً قد أقبل على بعير له، وحتى وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته: ألا فانفروا يا لَغدُرُ إلى مصارعكم في ثلاث، فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه؛ فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة، ثم صرخ بمثلها؛ ثم مثل به على رأس أبي قبيس، فصرخ بمثلها؛ ثم أخذ صخرة فأرسلها، فأقبلت تهوي، حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضّت، فما بقيت دار من دور مكة إلا دخلها منها فلقة. . . .

العباس - إن هذه رؤيا حق، فاكتميها ولا تذكريها لأحد

(المنظر الثاني)

(في الحرم، وقد غابت الشمس، وجلست قريش في مجالسها من حول الكعبة)

(أبو جهل في رهط من قريش يتحدثون برؤيا عاتكة)

أبو جهل - يا أبا الفضل! إذا فرغت من طوافك فأقبل علينا. . . .

(يقبل العباس)

أبو جهل - يا بني عبد المطلب! متى ظهرت فيكم هذه النبيّة؟

العباس (متجاهلاً) - وما ذاك؟

أبو جهل - الرؤيا التي رأت عاتكة! العباس وما رأت؟

أبو جهل - كأنك لا تدري؟. . . ألم تحدث بذلك الوليد بن عتبة؟ أما رضيتم يا بني عبد المطلب بكذب الرجال، حتى جئتمونا بكذب النساء؟ زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال: انفروا في ثلاث! فسنتربص بكم هذه الثلاث، فان بك حقاً فسيكون، وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب كتاباً أنكم أكذب أهل بيت في العرب

العباس (وقد غضب) - هل أنت منتهٍ يا مصفّراً. . . .؟ فان الكذب فيك وفي أهل بيتك

(يهم به فيحول القرشيون بينهما)

القرشيون - ما كنت يا أبا الفضل جهولا ولا خرقاً

(المنظر الثالث)

(في بطن الوادي، صباحاً. . .)

العباس (لرجل معه) - لقد لقيت أمس من عاتكة أذىً شديداً لما أفشيت من حديثها، ولم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني تقول: أقررتم. . . أقررتم لهذا الخبيث أن يقع في رجالكم، ثم قد تناول النساء وأنت تسمع، ثم لم يكن عندك غيرة لشيء مما سمعت. . . . . . . .

فو الله لأتعرضنَّ له؛ وإن عاد قاتلته، فلقد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه

الرجل - أنظر يا أبا الفضل! هذا أبو جهل خارجاً من باب المسجد يشتدَّ

العباس - ماله لعنه الله، أكل هذا فرقاً مني؟ اذهب فانظر ما شأنه؟

(يذهب الرجل ويرجع على عجل)

الرجل (مضطرباً) - ألا تسمع؟

العباس - ماذا؟

الرجل - هذا ضمضم بن عمرو الغفاري. يصرخ ببطن الوادي وقد شق قميصه، وحوَّل رحله، وجدع بعيره! اسمع

(يتقدمان ويصغيان)

ضمضم - يا معشر قريش! اللطيمة. . . اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه. . . لا أرى أن تدركوها. . . الغوث. . .! الغوث. .! (حركة واضطراب ولغط وصيحات حماسية)

رجل - هذه والله رؤيا عاتكة!

آخر - والله إن أخذ محمد العير لا تفلح قريش أبداً

آخر - انفروا إلى مصارعكم في ثلاث. إن رؤيا عاتكة كأنها أخذ باليد

أبو جهل - هه! أيظنّ محمد أنها كعير أبن الحضرمي؟. . والله ليعلمنّ غير ذلك. . إنها قريش!

سهيل بن عمر - يا آل غالب! أتاركون أنتم محمداً والصُّباة من أهل يثرب يأخذون أموالكم؟ - من أراد مالا فهذا مالي؛ ومن أراد قوتاً فهذا قوتي. . .

(يتفرق الناس. يستعدون للخروج)

(المنظر الرابع)

(في الحرم، وقت الظهيرة)

أمية بن خلف وسعد بن معاذ سيد الأوس وهو ضيفه وخليله

أمية - تعال فطف بالبيت، فانه وقت الظهيرة ولا يراك أحد

(يطوف سعد بالبيت ويجلس أمية)

أبو جهل (قادماً) - من هذا الذي يطوف بالبيت؟

سعد - أنا. سعد بن معاذ!

أبو جهل - ماذا؟ أتطوف بالبيت آمناً، وقد آويتم محمداً وأصحابه، وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم؟! أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالماً

سعد - أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه: طريقك على المدينة

أمية (لسعد) - لا ترفع صوتك على أبى الحكم فانه سيد أهل الوادي

سعد (لأمية) - إليك عني، فأني سمعت محمداً يقول إنه قاتلك

أمية - إياي؟

سعد - نعم!

أمية - بمكة؟

سعد - لا أدري! أمية - والله ما كذب محمد

(يسقط أمية خائر القوى)

إذن والله لا أخرج من مكة، إذن والله لا أخرج من مكة

المنظر الخامس

(في الحرم. مساء. قريش في مجالسها، عقبة بن أبي معيط قادم على مجلس أمية معه مجمرة فيها بخور. أبو جهل على أثره)

أمية - ويلك لمن هذا؟

عقبة - لك يا أبا علي. قم استجمره فإنما أنت من النساء

أمية - قبحك الله وقبح ما جئت به

(يصل أبو جهل)

أبو جهل - يا أبا صفوان، إنك متى يراك الناس قد تخلفت، وأنت من أشراف قريش، فسر يوماً أو يومين

أمية - افعل!

(يمشي عقبة وأبو جهل إلى مجلس عتبة وشيبة أبي ربيعة وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام)

أبو جهل - أنتم سادة قريش، وأنتم قادة الناس، فمالكم لا تتجهزون؟

عتبة - لقد استقسمنا بالأزلام فخرج الناهي

عقبة - كلا. ولكنه الفزع من اللقاء

عتبة - ألمثلي يقال هذا؟ والله لولا أنك في بيت الله. . . .

أبو جهل - دعه يا أبا الوليد، فانك اليوم شيخ قريش، فإذا لم تخرج أقام الناس

عتبة - سأخرج

(المنظر السادس)

(يفصلون من مكة، وهم ألف رجل فيهم شيوخ قريش وأشرافها. وقد خرجوا على الصعب والذلول، ومعهم القينات يضربن بالدفوف ويغنين بهجاء المسلمين، وقد أرتج بهم الوادي)

(المنظر السابع) (ماء في البادية، عليه خباء رجل، وعليه جاريتان تختصمان، يقف عليه رجلان من المسلمين فيستقيان)

الجارية - لا أدعك حتى تقضيني الذي لي

الأخرى - دعيني، فستأتي العير غداً أو الذي بعده، فاعمل لهم، فأقضيك

الرجل لقد صدقت، فستأتي العير غدا أو بعد غد

(يسمع الرجلان فيجلسان على بعيرهما ليلحقا بالمسلمين)

(أبو سفيان يأتي بعد قليل، يتقدم العير وحده)

أبو سفيان - هل أحسست أحداً أيها الرجل؟

الرجل - ما رأيت أحداً أنكره، إلا أن راكبين قد أناخا إلى التل، ثم استقيا في شنّ لهما، وانطلقا

أبو سفيان - أرني مبرك ناقتيهما

الرجل - هو ذاك. . .

(يأتي أبو سفيان المبرك، فيأخذ من أبعارهما في يده)

أبو سفيان - هذا هو النوى، هذه والله علائف يثرب

(ويمضي مسرعاً فينجو بالعير)

(المنظر الثامن)

(في جيش المسلمين، في ذفران، وقد جاءهم الخبر بمسير قريش ليمنعوا عيرهم)

قال رسول الله :

إن القوم قد خرجوا من مكة، على كل صعب وذلول، فما تقولون؟ ألعير أحب إليكم من النفير؟

رجل - عليك بالعير ودع العدو

آخر - هلا ذكرت لنا القتال حتى نتأهب له! إنا خرجنا للعير

(يتغير وجه رسول الله )

المقداد بن الأسود - يا رسول الله! امض لما أمرك الله، فنحن معك؛ والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون. ولكن أذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون. والله الذي بعثك بالحق نبياً لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه نقاتل عن يمينك ومن خلفك حتى تبلغه

(يشرق وجه رسول الله )

المسلمون - كلنا ذاك الرجل يا رسول الله، ولكنا ظننا أن العير قوّة للإسلام

قال رسول الله : أشيروا عليّ

عمر - يا رسول الله! إنها قريش وعزّها، والله ما ذلت منذ عزّت، ولا آمنت منذ كفرت؛ والله لتقاتلنَّك؛ فتأهب لذلك أهبته، واعدد له عدَّته

قال رسول الله (ص): أشيروا عليّ أيها الناس

سعد - لعلك تريدنا معاشر الأنصار يا رسول الله

قال رسول الله: أجل

سعد - قد آمنا بك وصدّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، ولعلك يا رسول الله تخشى أن تكون الأنصار ترى عليك ألا ينصروك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار، وأجيب عنهم، فصِل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وسالم من شئت، وعاد من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت لنا، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع أمرك. فامض يا رسول الله لما أردت ونحن معك، والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا، وإنا لصُبُر في الحرب، صُدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينيك، فسر بنا على بركة الله

قال :

- سيروا وابشروا، فان الله وعدني إحدى الطائفتين، فو الله لكأني أنظر الآن إلى مصارع القوم!

(المنظر التاسع)

ماء في البادية عليه شيخ من العرب، يقدم عليه رسول الله وأبو بكر مستخفيين فيسألانه عن قريش

- ماذا تعرف عن قريش؟ الرجل - لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما!

قال رسول الله (ص): إن أخبرتنا أخبرناك

الرجل - ذاك بذاك؟

قال الرسول: نعم

الرجل - بلغني أن محمداً وأصحابه، خرجوا يوم (كذا) فان كان صدق الذي أخبرني. فهم اليوم في مكان (كذا)

أبو بكر (لنفسه) - لقد عرف مكاننا

الرجل (متمما) - وبلغني أن قريشاً خرجوا يوم (كذا) فان صدق الذي أخبرني فهم اليوم في مكان (كذا). فمن أنتما؟

قال النبي (ص): نحن من ماء!

أبو بكر (لنفسه) - فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق

الرجل (متعجبا) - من الماء؟ أمن ماء العراق؟ أمن ماء الشام؟

(المنظر العاشر)

(في بدر الماء الأدنى من المدينة)

الحباب - يا رسول الله! أرأيت هذا المنزل، أهو منزل أنزلكه الله تعالى، ليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟

قال: بل هو الرأي والحرب المكيدة؟

الحباب - يا رسول الله! إن هذا المنزل ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى تأنى أدنى ما من القوم فتنزله، ثم نغوّر ما عداه من القلب، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه، فنشرب ولا يشربون

قال النبي (ص): لقد أشرت بالرأي

(يتقدم المسلمون)

(المنظر الحادي عشر)

(في بدر على الماء الأدنى من القوم)

سعد: يا نبي الله! ألا نبي لك عريشاً من جريد تكون فيه، وتعد عنك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فان أعزنا الله تعالى وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى، جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا، فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حباً منهم، لهم رغبة في الجهاد ونية؛ ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك إنما ظنوا أنها العير،

يمنعك الله بهم ويناصحونك، ويجاهدون معك

قال رسول الله :

- أو يقضي الله خيراً من ذلك يا سعد

(المنظر الثاني عشر)

(قريش في الجحفة في طريقهم إلى بدر)

رسول - يا معشر قريش! قد أرسلني إليكم أبو سفيان إنه قد نجا بالعير، فارجعوا فأحرزوا عيركم

أبو جهل - سوءة لك! والله لا نرجع حتى نحضر بدراً فنقيم عليه ثلاثة أيام، ننحر الجزر، ونطعم الطعام، ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان، فلا يزالون يهابوننا أبداً

الرسول - هذا بغي، والبغي منقصة وشؤم

أبو جهل - صَه قطع الله لسانك

الأخنس - لقد صدق الرسول، وأنا راجع بقومي

(لقومه) - يا بني زهرة! قد نجى الله أموالكم وخلٌص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل، وإنما نفرتم لتمنعوه وماله، فاجعلوا بي حميتها، وارجعوا فانه لا حاجة بكم إلى أن تخرجوا في غير منفعة

(ضجة وهياج ولغط. . . ينفرد الأخنس بأبي جهل)

الأخنس - أترى محمدا يكذب؟

أبو جهل - ما كذب قط؛ كنا نسميه (الأمين)، ولكن إذا كانت في بني عبد المطلب السقاية والرفادة والمشورة ثم تكون فيهم النبوة، فأي شيء يكون لنا؟

الأخنس - أنت والله تحسده

(يرجع الأخنس وبنو زهرة)

عمير بن وهب (قادماً) - يا معشر قريش! لقد ذهبت في الوادي، أحزر أصحاب محمد، أنظر هل للقوم كمين أو مدد فأبعدت فلم أر شيئاً، وأنهم لثلاثمائة رجل؛ يزيدون قليلاً أو ينقصون قليلاً، ولكني رأيت البلايا تحمل المنايا: نواضح يثرب تحمل الموت النافع، ألا ترونهم خرساً لا يتكلمون؛ يتلمظون تلمظ الأفاعي، لا يريدون أن ينقلبوا إلى أهليهم؛ زرق العيون كأنهم الحصى تحت الجحف، ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم؛ والله ما نرى أن نقتل منهم رجلاً حتى يقتل رجل منكم، فإذا أصابوا منكم أعداها فما خير العيش بعد ذلك! فروا رأيكم

حكيم بن حزام (لعتبة) - يا أبا الوليد! إنك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها، فهل لك لا تزال تذكر فيها بخير إلى آخر الدهر؟

عتبة - وما ذاك يا حكيم؟

حكيم - ترجع بالناس وتحمل دم حليفك عمرو بن الحضرمي

عتبة - هذا والله الرأي، فأدع لي الناس

(يدعوا الناس)

عتبة (خطيباً) - يا معشر قريش! أنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمداً وأصحابه شيئاً؛ والله لئن أصبتموه لا يزال رجل منكم ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، قتل أبن عمه وأبن خاله، ورجلا من عشيرته. ارجعوا وخلوا بين محمد وسائر العرب، فان أصابوه فذاك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك كفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون. أي يا قوم! إعصبوها اليوم برأسي وقولوا: جبن عتبة، وانتم تعلمون أني لست بأجبنكم. . . . . .

يا قوم أطيعوني فأنكم لا تطلبون غير دم أبن الحضرمي وما أخذ من العير وقد تحملت ذلك. يا معشر قريش! أنشدكم الله في هذه الوجوه التي تضيء ضياء المصابيح أن تجعلوها أندادا لهذه الوجوه التي كأنها عيون الحيات

(يسكت عتبة ويلغط القوم لغطاً شديداً)

رجل - نعما يقول أبو الوليد!

آخر - هو والله الرأي

آخر - عتبة سيد الناس فأطيعوه

عتبة (لحكيم) - انطلق إلى أبن الحنظلية (يذهب حكيم)

حكيم (لأبي جهل) - إن عتبة أرسلني إليك لنرجع بالناس، وهو يحمل دم حليفة أبن الحضرمي

أبو جهل - أهو يقول هذا؟ والله لو قاله غيره لأعضضته إنتفخ والله سحره! كلا والله، لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد

(يرسل أبو جهل إلى عامر بن الحضرمي)

أبو جهل (لعامر) - هذا حليفك، عتبة بن ربيعة يريد أن يرجع بالناس، ويخذلهم عن القتال. وقد تحمل دية أخيك من ماله يزعم أنك قابلها، ألا تستحي أن تقبل الدية من مال عتبة، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فاذكر مقتل أخيك

(عامر يتكشف ويجثو عليه التراب)

عامر (صائحاً) - واعمراه. . . واعمراه!

(يهيج الناس ويتحمسون)

حكيم (لعتبة) - لقد أثارها

عتبة - دعه فسيكون شؤماً وبلاء على قومه.

(المنظر الثالث عشر)

(اشتعلت الحرب وقتل المسلمون عتبة وشيبة والوليد ورجع سراقة وكان قد أجارهم من كنانة)

أبو جهل - يا معشر الناس! لا يهمنكم خذلان سراقة فانه كان على ميعاد من محمد، ولا يهمنكم قتل عتبة وشبيبة والوليد، فانهم قد عجلوا، واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمداً وأصحابه بالحبال. . . .

يا معشر قريش! لا تقتلوهم. خذوهم أخذ اليد

(يخرج رسول الله من العريش فيحض الناس على القتال)

- أما والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبرا، إلا أدخله الله الجنة

(عمير بن الحمام يأكل ثمرات بيده) عمير - بخ بخ. . . ما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟ فان حييت حتى آكل ثمراتي

(يلقي الثمرات ويقدم)

عمير (هاجماً)

ركضاً إلى الله بغير زاد

إلا التقى وعمل المعاد

والصبر في الله على الجهاد

وكل زاد عرضه النفاد

غير التقى والبر والرشاد

(تزداد الحرب اظطراما)

(المنظر الرابع عشر)

(قريش تنهزم، أبن مسعود يفتش بين القتلى عن رجل)

عبد الله - هل أخزاك الله يا عدو الله؟

(يضع رجله على عنق أبي جهل وهو على آخر رمق)

(المنظر الخامس عشر)

أبو جهل - وبم أخزاني؟ أعار على رجل قتلتموه؟ أخبرني لمن كانت الدبرة لنا أو علينا؟

عبد الله - بل لله ولرسوله!

(في الحرم وقد جلس أبو سفيان وأبو لهب في ناس من قريش ينتظرون الأخبار. . .)

أبو لهب. . . هذا أبن عبد عمرو! وما وراءك يا أبن عبد عمرو؟

أبن عبد عمر - فنيت قريش! قتل أبو جهل وعتبة وشيبة وزمعة وأمية بن خلف. . . . . . لقد ظهر الإسلام! فسيظل غالباً إلى يوم القيامة. . .!. . وذلت الأصنام فلا تعز إلى يوم القيامة. . . . .!

علي الطنطاوي