مجلة الرسالة/العدد 130/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 130/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 30 - 12 - 1935



الجزء الثاني من شرح الإيضاح تأليف الأستاذ عبد المتعال

الصعيدي

أتمت المكتبة المحمودية التجارية طبع الجزء الثاني من شرح الإيضاح في علوم البلاغة للأستاذ عبد المتعال الصعيدي المدرس بكلية اللغة العربية، وقد نهج فيه نهجه الأول من العناية باللباب في هذه العلوم دون القشور التي يعنى بها فيها، وشرح شواهده، ونسبتها إلى قائليها، وبيان ما دخل هذه العلوم من الأخطاء التي وقعت فيها، ومن ذلك مسألة الوصل والفصل فقد جرى عبد القاهر على أنهما إنما يكونان في الجمل دون المفردات، وفي الواو دون غيرها من حروف العطف، وجرى المتأخرون على أنهما يكونان في الجمل وفي المفردات، وفي الواو وغيرها من الحروف العاطفة، فرد الأستاذ الشارح الحق في ذلك إلى نصابه، وذكر أن العطف في المفردات يجري وراء اشتراكها في الحكم ولو لم يكن هناك بينها مناسبة من المناسبات المعتبرة في مسألة الوصل والفصل، كما جمع بعض الشعراء بين الضب والنون في وصف واد جمع بينهما فقال

زُرْ وادي القصر نعم القصر والوادي ... في منزل حاضر إن شئت أو بادي

ترقيَ به السُّفْنُ والظُّلمانُ حاضرةٌ ... والضَّبُّ والنُّونُ والملاح والحادي

ولو جرت المفردات في ذلك مجرى الجمل لما صح لهذا الشاعر عطف النون على الضب، لأنهم يقولون في الجمل إن الجمع بين غير المتناسبين فيها كالجمع بين الضب والنون؛ وقد تحس مراعاة تلك المناسبات بين المفردات في الخيال الشعري، لأن الأمر فيه يجري على الخيال لا على الحقيقة. وقد اجتمع نصيب والكميت وذو الرمة فأنشد الكميت:

أم هل ظعائن بالعلياء رافعة ... وإن تكاملَ فيها الدل والشنب

فعقد نصيب واحدة؛ فقال له الكميت ماذا تحصى؟ فقال خطأك، فأنك تباعدت في القول! أين الدل من الشنب؟ ألا قلت كما قال ذو الرمة

لَمياءُ في شفتيها حوّةٌ لَعَسٌ ... وفي اللثات وفي أنيابها بَرَدُ

فالدل يذكر مع الغنج وما أشبهه، والشنب يذكر مع اللعس وما أشبهه

وكذلك عيب على أبي نواس قوله: وقد حلفت يميناً ... مَبرورَةً لا تكذبْ

برب زمزم والحو ... ض والصفا والمحصب

فإن ذكر الحوض مع زمزم والمحصب غير مناسب، وإنما يذكر الحوض مع الصراط والميزان وما جرى مجراهما

وإنما يحسن من ذلك مثل قوله تعالى (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها) لما بين ذلك من تقابل التضاد، وكذلك قول البحتري في رثاء المتوكل:

ولم أنْسَ وحش القصر إذ رِيعَ سِرْبُهُ ... وإذ ذُعِرتُ أطلاؤُه وجآذِرُهْ

تحمل عنه ساكنوه فجاءة ... فعادت سواء دوره ومقابره

ولكن ذلك كله يرجع إلى محسنات بديعية، ولا يرجع إلى ما يجب في اعتبار الوصل والفصل بين الجمل

وقد جرى الأستاذ الشارح على هذا المنوال في تحقيق أمثال هذه المسألة، فجزاء الله خيرا، ومنح شرحه ذيوعاً.

(ص)