مجلة الرسالة/العدد 133/المشكلة (3)
مجلة الرسالة/العدد 133/ المشكلة
3 - المشكلة
للأستاذ مصطفى صادق الرافعي
أما البقية من هذه الآراء التي تلقيتها فكل أصحابها متوافقون على مثل الرأي الواحد من وجوب إمساك الزوجة والإقبال عليها، وإرسال (تلك) والانصراف عنها، وأن يكون للرجل في ذلك عزم لا يتقلقل ومضاء لا ينثني، وأن يصبر للنفرة حتى يستأنس منها فأنها ستتحول، ويجعل الأناة بازاء الضجر فإنها تصلحه، والمروءة بازاء الكره فإنها تحمله، وليترك الأيام تعمل عملها فانه الآن يعترض هذا العمل ويعطله، وإن الأيام إذا عملت فستغير وتبدل، ولا يستقل القليل تكون الأيام معه ولا يستكثر الكثير تكون الأيام عليه.
والعديد الأكبر ممن كتبوا إلى يحفظون على صاحب المشكلة ذلك البيان الذي وضعناه على لسانه في المقال الأول ويحاسبونه به ويقيمون منه الحجة عليه، ويقولون له أنت اعترفت، وأنت أنكرت، وأنت رددت على نفسك، وأنت نصبت الميزان فكيف لا تقبل الوزن به؟ وقد غفلوا عن أن المقال من كلامنا نحن وأن ذلك أسلوب من القول أدرناه ونحلناه ذلك الشاب ليكون فيه الاعتراض وجوابه، والخطأ والرد عليه، ولنظهر به الرجل كالأبله في حيرته ومشكلته تنفير الغيرة عن مثل موقفه ثم لنحرك به العلل الباطنة في نفسه هو فنصرفه عن الهوى شيئاً فشيئاً إلى الرأي شيئاً فشيئاً، حتى إذا قرأ قصة نفسه قرأها بتعبير من قلبه وتعبير آخر من العقل، وتلمح ما خفي عليه فيما ظهر له، واهتدى من التقييد إلى سبيل الإطلاق، وعرف كيف يخلص بين الواجب والحب اللذين اختلطا عليه وامتزجا له امتزاج الماء والخمر. وبذلك الأسلوب جاءت المشكلة معقدة منحلة في لسان صاحبها، وبقى أن يدفع صاحبها بكلام آخر إلى موضع الرأي.
وكثير من الكتاب لم يزيدوا على أن نبهوا الرجل إلى حق زوجته ثم يدعون الله أن يرزقه عقلاً. . . وقد أصاب هؤلاء أحسن التوفيق فينا ألهموا من هذه الدعوة، فإنما جاءت المشكلة من أن الرجل قد فقد التمييز وجن بجنونين: أحدهما في الداخل من عقله والثاني في الخارج منه، فأصبح لا يبالي الإثم والبغض عند زوجته إذا هو أصاب الحظوة والسرور عند الأخرى؛ فتعدى طوره مع المرأتين جميعاً، وظلم الزوجة بأن استلب حقها فيه، وظلم الأخرى بأن زادها ذلك الحق فجعلها كالسارقة والمعتدي وقد تمنى أحد القراء من فلسطين أن يرزقه الله مثل هذه الزوجة المكروهة كراهة حب، ويضعه موضع صاحب المشكلة ليثبت أنه رجل يحكم الكره ويصرفه على ما يشاء ولا يرضى أن يحكمه الحب وأن كان هو الحب. وهذا رأي حصيف جيد فإن العاشق الذي يتلعَّب الحب به ويصده عن زوجته لا يكون رجلا صحيح الرجولة، بل هو أسخف الأمثلة في الأزواج، بل هو مجرم أخلاقي ينصب لزوجته من نفسه مثال العاهر الفاسق ليدفعها إلى الدعارة والفسق من حيث يدري أو لا يدري؛ بل هو غبي إذ لا يعرف أن انفراد زوجته وتراجعها إلى نفسها الحزينة ينشئ في نفسها الحنين إلى رجل آخر؛ بل هو مغفل إذ لا يدرك أن شريعة السن بالسن والعين بالعين، هي بنفسها عند المرأة شريعة الرجل بالرجل. . . . .
والمرأة التي تجد من زوجها الكراهية لا تعرفها أنها الكراهة إلا أول أول؛ ثم تنظر فإذا الكراهة هي احتقارها وإهانتها في أخص خصائصها النسوية، ثم تنظر فإذا هي إثارة كبريائها وتحديها، ثم تنظر فإذا هي دفع غريزتها أن تعمل على إثبات أنها جديرة بالحب، وأنها قادرة على النقمة والمجازاة، ثم تنظر فإذا برهان كل ذلك لا يجيء من عقل ولا منطق ولا فضيلة، وإنما يأتي من رجل. . . . رجل يحقق لها هي أن زوجها مغفل وأنها جديرة بالحب.
وكأن هذا المعنى هو الذي أشارت إليه الأديبة ف. ز. وإن كانت لم تبسطه؛ فقد قالت: وإن صاحب هذه المشكلة غبي، ولا يكون إلا رجلاً مريض النفس مريض الخلق، وما رأيت مثله رجلا أبعد من الرجل. . . ومثل هذا هو في نفسه مشكلة فكيف تُحل مشكلته؟ إنه من ناحية زوجته مغفل لا وصف له عندها إلا هذا؛ ومن جهة حبيبته خائن والخيانة أول أوصافه عندها.
وهذا الزوج يسمم الآن أخلاق زوجته ويفسد طباعها، وينشئ لها قصة في أولها غباوته وإثمه، وسيتركها تتم الرواية فلا يعلم إلا الله ما يكون آخرها. وبمثل هذا الرجل أصبح المتعلمات يعتقدون أن أكثر الشبان إن لم يكونوا جميعاً هم كاذبون في ادعاء الحب، فليس منهم إلا الغواية؛ أو هم محبون يكذب الأمل بهم على النساء، فليس منهم إلا الخيبة.
قالت: وخير ما تفعله صاحبة المشكلة أن تصنع ما صنعته أخرى لها مثل قصتها، فهذه علمت بزواج صاحبها قذفت به من طريق آمالها إلى الطريق الذي جاء منه، وأنزلته من درجة أنه كل الناس إلى منزلة أنه ككل الناس، ونبهت حزمها وعزيمتها وكبرياءها فرأته بعد ذلك أهون على نفسها من أن يكون سبباً لشقاء أو حسرة أو هم، وابتعدت بفضائلها عن طريق الحب الذي تعرف أنه لا يستقيم إلا لزوجة وزوجها، فإذا مشت فيه امرأة إلى غير زواج، انحرف بها من هنا، واعوج لها من هنا، فلم ينته بها في الغاية إلا أن تعود إلى نفسها وعليها غباره، وما غبار هذا الطريق إلا سواد وجه المرأة. . . وقد جهد الرجل بصاحبته أن تتخذه صديقاً، فأبت أن تتقبل منه برهان خيبتها. . . وأظهرت له جفوة فيها احتقار، وأعلمته أن نكث العهد لا يخرج منه عهده، وأن الصداقة إذا بدأت من آخر الحب تغير أسمها وروحها ومعناها، فإما أن تكون حينئذ أسقط ما في الحب، أو أكذب ما في الصداقة
ثم قالت الأديبة: وهي كانت تحبه، بل كانت مستهامة به، غير أنها كانت أيضاً طاهرة القلب، لا تريد في الحبيب رجلاً هو رجل الحيلة عليها فتخدع به، ولا رجل العار فتسب به، وفي طهارة المرأة جزاء نفسها من قوة الثقة والاطمئنان وحسن التمكن؛ وهذا القلب الطاهر إذا فقد الحب لم يفقد الطمأنينة، كالتاجر الحاذق إن خسر الربح لم يفلس، لأن مهارته من بعض خصائصها القدرة على الاحتمال والصبر للمجاهدة.
قالت: فعلى صاحبة المشكلة التي عرفت كيف تحب وتجل أن تعرف الآن كيف تحتقر وتزدري.
وللأديبة ف. ع وأي جزل مسدد؛ قالت: إنها هي قد كانت يوما بالموضع الذي فيه صاحبة المشكلة، فلما وقعت الواقعة أنفت أن تكون لصة قلوب، وقالت في نفسها: إذا لم يقدر لي، فإن الله هو الذي أراد، وإني أستحي من الله أن أحاربه في هذه الزوجة المسكينة، ولئن كنت قادرة على الفوز إن انتصاري عليها عند حبيبي هو انتصارها على عند ربي، فلأخسر هذا الحب لأربح الله برأس مال عزيز خسرته من أجله، ولأبقى على أخلاق الرجل ليبقى رجلاً لامرأته فما يسرني أن أنال الدنيا كلها وأهدم بيتاً على قلب، ولا معنى لحب سيكون فيه اللؤم بل سيكون ألأم اللؤم.
قالت: وعلمت أن الله تعالى قد جعلني أنا السعادة والشقاء في هذا الوضع ليرى كيف أصنع، وأيقنت أن ليس بين هذين الضدين إلا حكمتي أو حمقي، وصح عندي أن احسن المداخلة في هذه المشكلة هو الحل الحقيقي للمشكلة.
قالت: فتغيرت لصاحبي تغيراً صناعياً، وكانت نيتي له هي أكبر أعواني عليه، فما لبث هذا الانقلاب أن صار طبيعياً بعد قليل. وكنت أستمد من قلب امرأته إذا اختانني الضعف أو نالني الجزع فأشعر أن لي قوة قلبين. وزدت على ذلك النصح لصاحبي نصحاً ميسراً قائماً على الإقناع وإثارة النخوة فيه وتبصيره بواجبات الرجل، وترفقت في التوصل إلى ضميره لأثبت له أن عزة الوفاء لا تكون بالخيانة، وبينت له أنه إذا طلق زوجته من أجلي فما يصنع أكثر من أن يقيم البرهان على أن يصلح لي زوجاً. ثم دللته برفق على أن خير ما يصنع وخير ما هو صانع لإرضائي أن يقلدني في الإيثار وكرم النفس ويحتذيني في الخير والفضيلة، وأن يعتقد أن دموع المظلومين هي في أعينهم دموع، ولكنها في يد الله صواعق يضرب بها الظالم قالت: وبهذا وبعد هذا انقلب حبه لي إكباراً وإعظاماً وسما فوق أن يكون حباً كالحب؛ وصار يجدني في ذات نفسه وفي ضميره كالتوبيخ له كلما أراد بامرأته سوءاً أو حاول أن يغض منها في نفسه. واعتاد أن يكرمها فأكرمها، وصلحت لها نيته فاتصل بينهما السبب، وكبرت هذه النية الطيبة فصارت وداً، وكبر هذا الود فعاد حباً، وقامت حياتهما على الأساس الذي وضعته أنا بيدي،
أنا بيدي. . . . . .
أما أنا. . . . . .؟
وكتب فاضل من حلوان: إن له صديقاً ابتلى بمثل هذه المشكلة فركب رأسه فما ردَّه شيء. عمد الزواج بحبيبته، وزُفَ إليها كأنه ملك يدخل إلى قصر خيالة وكأن أهله يعذلونه ويلومونه ويخلصون له النصح ويجتهدون في أمره جهدهم، إذ يرون بأعينهم ما لا يرى بعينه، فكأن النصح ينتهي إليه فيظنه غشاً وتلبيساً، وكان اللوم يبلغه فيراه ظلماً وتحاملاً؛ وكان قلبه يترجم له كل كلمة في حبيبته بمعنى منها هي لا من الحقائق، إذ غلبت على عقله فبها يعقل، وذهبت بقلبه فبها يحس، واستبدت بإرادته فلها ينقاد؛ وعادت خواطره وأفكاره تدور عليها كالحواشي على العبارة المغلقة في كتاب؛ واستقرت له فيها قوة من الحب أمرها إذا أرادت شيئاً أن تقول له كن. . .
ثم مضت الليلة بعد الليلة وجاء اليوم بعد اليوم والموج يأخذ من الساحل الذرة بعد الذرة والساحل لا يشعر، إلى أن تصر مت أشهر قليلة فلم تلبث الطبيعة التي ألفت الرواية وجعلتها قبل الزواج رواية الملك والملكة، وقصة التاج والعرش، وحديث الدنيا وملك الدنيا - لم تلبث أن انتقلت عليّ فجأة فأدارت الرواية إلى فصل السخرية ومنظر التهكم، وكشفت عن غرضها الخفي وحلت العقدة.
قال: ففرغ قلب المرأة من الحب وظمئ إلى السكر والنشوة مرة أخرى من غير هذه الزجاجة الفارغة. . . وبرد قلب الرجل وكان الشيطان الذي يتسعّر فيه ناراً، شيطاناً خبيثاً فتحوا إلى لوح من الثلج له طول وعرض. . . .
وجدت الحياة وهزل الشيطان، فاستحمق الرجل نفسه أن يكون اختار هذه المرأة له زوجة، واستجهلت المرأة عقلها أن تكون قد رضيت هذا الرجل زوجاً، وأنكرها إنكارا أوله الملالة، وأنكرته إنكارا آخر أوله التبرم؛ وعاد كلاهما من صاحبه كإنسان يكلف إنساناً أن يخلق له الأمس الذي مضى. وضربت الحياة ضربةً أو ضربتين فإذا أبنية الخيال كلها هدم هدم، وإذا الطبيعة مؤلفه لرواية. . . . قد ختمت روايتها وقوضت المسرح، وإذا الأحلام مفسرة بالعكس، فالحب تأويله البغض، واللذة تفسيرها الألم، و (البودرة) معناها الجير. . . . وتغير كل ما بينهما إلا الشيطان الذي بينهما، فهو الذي زوج وهو بعينه الذي طلق. . . .
وكتب أديب من بغداد يقول: إنه كان في هذا الموضع القلق موضع صاحب المشكلة، وأن ذات قرباه التي سميت عليه كانت ملفقة له في حجب عدة لا في حجاب واحد، وقد وصفت له باللغة. . . . وفي اللغة ما أحسن وما أجمل وما أظرف، وكأنها ظبي يتلفت، وكأنها غصن يميل، وكأن سنة وجهها البدر!
قال: وشبهت له بكل أدوات التشبيه وجاءوا في أوصافها بمذاهب الاستعارة والمجاز، فأخذها قصيدة قبل أن يأخذها امرأة. وكان لم ير منها شيئاً وكانت لغة ذوي قرابته وقرابتها كلغة التجارة في ألسنة حذاق السماسرة، ما بهم ألا تنفيق السلعة ثم يخلون بين المشتري وحظه.
قال: فرسخ كلامهم في قلبي، فعقدت عليها، ثم أعرست بها ونظرت فإذا هي ليست في الكلمة الأولى ولا الأخيرة مما قالوا ولا فيما بينهما. . . . ثم تعرفت فإذا هي تكبرني بخمس عشرة سنة. . . . ورأيت اتضاع حالها عندي فأشفقت عليها وبت الليلة الأولى مقبلاً على نفسي أؤامرها وأناجيها وأنظر في أي موضع رأيي أنا، وتأملت القصة فإذا امرأة بين رحمة الله ورحمتي، فقلت إن أنا نزعت رحمتي عنها ليوشكن الله أن ينزع رحمته عني، وما بيني وبينه إلا أعمالي؛ وقلت يا نفسي: (إنها إن تكُ مِثقالَ حَبةً من خَردَلٍ فتكنْ في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأتِ بها الله) وإنما أتقدم إلى عفو الله بآثام وذنوب وغلطات، فلأجعل هذه المرأة حسنتي عنده، وما عليّ من عمر سيمضي وتبقي منه هذه الحسنة خالدة مخلدة.
إنها كانت حاجة النفس إلى المتاع فانقلبت حاجة إلى الثواب، وكانت شهوة فرجعت حكمة، وكنت أريد أن أبلغ ما احب فسأبلغ ما يجب. ثم قلت: اللهم أن هذه امرأة تنتظرها ألسنة الناس إما بالخير إذا أمسكتها، وإما بالشر إذا طلقتها، وقد احتمت بي؛ اللهم سأكفيها كل هذا لوجهك الكريم.
قال: رأيتني أكون ألأم الناس لو أني كشفتها للناس وقالت انظروا. . . . فكأنما كنت أسأت إليها فأقبلت أترضاها، وجعلت أُماسحها وألاينها في القول وعدلت عن حظ نفسي إلى حظ نفسها، واستظهرت بقوله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً)؛ واعتقدت الآية الكريمة أصح اعتقاد وأتمه، وقالت اللهم اجعلها من تفسيرها.
قال: فلم تمض أشهر حتى ظهر الحمل عليها، فألقى الله في نفسي من الفرح ما لا تعدله الدنيا بحذافيرها، وأحسست لها الحب الذي لا يقال فيه جميل ولا قبيح لأنه من ناحية النفس الجديدة التي في نفسها (الطفل). وجعلت أرى لها في قلبي كل يوم مداخل ومخارج دونها العشق في كل مداخله ومخارجه، وصار الجنين الذي في بطنها يتلألأ نوره عليها قبل أن يخرج إلى النور، وأصبحت الأيام معها ربحاً من الزمن فيه الأمل الحلو المنتظر
قال: وجاءها المخاض، وطرقت بغلام؛ وسمعت الأصوات ترتفع من حجرتها: ولد! ولد! فبشروا أباه. فوالله لكأن ساعة من ساعات الخلد وقعت في زمني أنا من دون الخلق جميعاً وجاءتني بكل نعيم الجنة. وما كان ملك العالم - لو ملكته - مستطيعاً أن يهبني ما وهبتني امرأتي من فرح تلك الساعة. إنه فرح إلهي أحسست بقلبي أن فيه سلام الله ورحمته وبركته. ومن يومئذ نطق لسان جمالها في صوت هذا الطفل. ثم جاء أخوه في العام الثاني، ثم جاء أخوهما في العام الثالث؛ وعرفت بركة الإحسان من اللطف الرباني في حوادث كثيرة وتنفست على أنفاس الجنة وفسرت الآية الكريمة نفسها بهؤلاء الأولاد، فكان تفسيرها الأفراح، والأفراح، والأفراح.
ويرى صديقنا الأستاذ محمد حسين جيره، أن صاحب المشكلة في مشكلة من رجولته لا من حبه؛ فلو أن له ألف روح لما استطاع أن يعاشر زوجته بواحدة منها إذ هي كلها أرواح صبيانية تبكي على قطعة من الحلوى ممثلة في الحبيبة. . . . ولو عرف هذا الرجل فلسفة الحب والكره لعرف أنه يصنع دموعه بإحساسه الطِّفلي في هذه المشكلة؛ ولو أدرك شيئاً لأدرك أن الفاصل بين الحب والكره منزوع من نفسه، إذ الفاصل في الرجل هو الحزم الذي يوضع بين ما يجب وما لا يجب.
إنه مادام بهذه النفس الصغيرة فكل حل لمشكلته هو مشكلة جديدة، ومثله بلاء على الزوجة والحبيبة معاً، وكلتاهما بلاء عليه، وهو بهذه وهذه كمحكوم عليه أن يشنق بامرأة لا بمشنقة. . . هذا عندي ليس بالرجل ولا بالطفل إلى أن يثبت أنه أحدهما فان كان طفلاً فمن السخرية به أن يكون متزوجاً، وإن كان رجلا فليحل هو المشكلة بنفسه؛ وحلها أيسر شيء: حلها تغيير حالته العقلية.
ونحن نعتذر للباقين من الأدباء والفضلاء الذين لم نذكر آراءهم، إذ كان الغرض من الاستفتاء أن نظفر بالأحوال التي تشبه هذه الحادثة لا بالآراء والمواعظ والنصائح. أما رأينا ففي البقية الآتية.
(طنطا)
مصطفى صادق الرافعي
(حاشية): تمثل في نفسي وأنا أُبيض هذه المقالة أنها ستشير في نفس إحدى قارئاتها موضعا ذا شأن وخطر، وان هذه القارئة ستتردد في الكتابة إلي وألا فضاء بمعناها. وقوى ذلك في الخاطر حتى كأنه واقع فما هو ذلك الشأن يا ترى؟ إن سطراً صغيراً فيه شئ من حكمة الدنيا قد تكون فيه مقالات فلا يبخلن أحد على أحد.
الرافعي