مجلة الرسالة/العدد 140/المازني العاشق. . .!

مجلة الرسالة/العدد 140/المازني العاشق. . .!

ملاحظات: بتاريخ: 09 - 03 - 1936



للأستاذ (أبو سلمى)

ما قرأت كلمة أستاذنا المازني (في الحب والمرأة) إلا أيقنت أن هنالك مؤامرة على الحب - وا حسرتا - فجزعت. . . . . لا على الأستاذ المازني فإنه إذا لوح بيده أو زوى ما بين عينيه رفع خصومه الرايات البيض. . . .

ولا على المرأة. . . فإن لها من لسانها الطويل - بقطع النظر عما إذا كان وراءه شيء أم لا - ما قد تستطيع به الوقوف أمام المازني. . .

ولكني جزعت على الحب في هذا الزمن الذي طغى فيه العقل - أو مجموعة الاختبارات والأمزجة والطباع - ولو أستطيع لرميت به (أي العقل) مربوطا بكتلة من الحديد تثقله - إلى الهوة السحيقة التي تليق به

والمازني عزيز على إخوانه وتلامذته - وأنا منهم - المنتشرين في كل قطر، وحبيب إلى قلوبهم - وهم عدد النجوم - وما كان لمثلي أن يرفع يده وهي شلاء أمامه، ولكن حملته على الحب والمرأة أثارت عليّ جنودا لا قبل لي بها، تعرف عطفه عليّ وحبه لي، وهو أدرى بقوتها. .

ومادام المرء يخلق كل يوم خلقاً جديداً فلم لا نأخذ الخلقة التي نميل إليها وتستهوينا؟ ومادام الإنسان يتحول إلى صور شتى فلم لا نهفو إلى الصورة التي تروق في أعيننا؟ والحياة قصيرة، والهوى فضّاح، فلأعد إذاً إلى أعماق الماضي، إلى المازني الفتى الذي دفنه:

مات الفتى المازني ثم أتى ... من مازن غيره على الأثر

أزيل عنه اللفافات وأبعثه بشراً سوياً تتوهج عيناه بنور قلبه. . .

أيها الفتى المازني! أين أنت من المازني الذي أتى على الأثر وتكون لنا عوناً عليه؟!. . . ألست أنت الذي كنت تطوف حول دار الهوى وتتمتم وعيناك نديتان:

أوصدوا الأبواب بالله ولا

تدعوا العين ترى فعل البلا

وامنعوا دار الهوى أن تبذلا

إن للدار علينا ذمما ... وقبيح خونها بعد الخراب من قصيدة (الدار المهجورة)

ألست أنت الذي كان يحوم حول الحمى في الليل مضلل الرقيب، وجامع الحبيب بالحبيب - ولا أدري إذا كنت تلبس طربوشاً أم لا - فتنظر إلى شباك حسنائك وروحك تتراءى خلف مقلتيك حيناً وفوق شفتيك حيناً آخر، حتى إذا رمتك باللحظ زفرت وأنشدت:

ما أفصح اللحظ يا حبيبي ... وأعذب البث بالعيون

لحظ يضيء الذي توارى ... في ظلمة الغابر الدفين

من قصيدة (لحظ الحبيب)

فإذا هبطت - هي - إلى الحديقة واختبأت بين الأغصان أنبأك همس الأزهار عن مكانها فتقول:

وودت لو تنفع الأماني ... لو كنت لدناً من الغصون

وليتني صيدح يغني ... في ظلك الوارف الأمين

من قصيدة (لحظ الحبيب) أيضا

فإذا نادتك وظهر اللفظ من بين شفتيها مشتعلاً يهديك إلى دنيا الغرام هتفت أنت:

أظل إذا اسْتَكَّ في مسمعي ... يرفّ عليّ جناح الغرام

شفاه يؤججن أنفاسه ... ويلثمن ألفاظهن الظوامي

من قصيدة (لفظ الحبيب)

وتدلف إليها، ويلفكما الليل في طياته (كما يغيب سر المرء كتمان) والكلام لك، فتناجيها:

عجب كيف يرتضي البعد عنا ... من عبدنا في حسنه الله جلاّ

أنت أفسدتني وعلمتني الحب ... فهلاّ أصلحت مني هلاّ

كان خيراً من السهاد رقادي ... في حمى ظلك الوريف وأحلى

من قصيدة (المناجاة)

وتشير إليك بتلك اليد التي كنت تعتقد أنها تفتح لك طريق سعادتك فتطمئن إلى الصدر الرحيب، وتغفو بين الأحلام على ترنيمتها:

نم هنيئاً في ظلي الفينان ... وانس بًرْح الهموم والأشجان

وانس ما كان من زفير على الهج ... ر ودمع يجري بغير عنان هذه راحتي على وجهك الغض ... وروحي وريفة الأفنان

وفؤادي مرفرف بجناحي ... هـ حنانا فانشق نسيم الحنان

من قصيدة (رقية حسناء)

وحينما تقضي لبانات الفؤاد المعذب تودع الحبيب وتقول:

ودعته والليل يخفرنا ... والبدر يرمقني وأرمقه

ولرب خدّ بت ألثمه ... والدمع يطفئ ما أحرّقه

والورد أقطفه لوجنته ... والشوك في قلبي مفوّقه

من قصيدة (ليلة وداع)

ثم يلج الوجد فيوشي جنبات الأفق ويصبح الفتى المازني (مثلا شروداً في الهوى. . .)

وبعد، فحالات أستاذنا المازني كلها حسنة مشرقة إشراق الابتسامة العذبة، ولكن أحسنها عند إخوان الصفا هي هذه الصفحة العطرة التي تندي شبابا وصبابة، فإذا أراد أن يعفى على أثرها ولو بالسيف، فليعلم أننا نجتليها ولو من بين الغمام لامعة وهاجة؛ وإننا وإن دوى في الآفاق صوته المرنان يُسمع الصم، نرجو منه أن يعلم أن هذا الصوت الداوي الآن - بشأن الحب المرأة - يتسرب من بين الطبقات ويصلنا ناعماً ليناً ويقف على أبواب القلوب

وإن هذا الحب الذي أصاب منه (شبعه) كان غذاءه الوحيد فكان يئن ويحن وينشد:

غذائي الحب يا من فيه حرمان ... مني له أبداً ما عشت نشدان

وهل غذائي إلاّ أن أراك وأن ... يمر بالسمع لفظ منك فتان

ما لذة القلب خلوا من دخيل هوى ... ما الليل إن لم يكن بالصبح إيقان

مالي بغير الهوى في العيش من أرب ... ولا بقلبي أحقاد وأضغان

من (مناجاة هاجر)

والشعر. . . - لقد نسيت - الشعر الذي قلت عنه إنه يلبس الحب أستاراً تبعده عن الحقيقة. . . ومن يعلم؟ فلعله يؤدي رسالة الشعر، ويحسن صنعاً خوفا من ألا يكون وراء الأستار شيء من الحقيقة - كما تقول الأساطير -

نعم أنت كنت تقول في الماضي:

أما يرى غايتي في الشعر واحدة ... وإن تباين أوزان وأوزان فما أحوك على الأيام قافية ... ألاّ وفيها على حُبِّيه عنوان

وما قيمة الشعر إذا لم تردده شفتان مرتجفتان أو. . . . لم تله به قدمان صغيرتان

ولكنني أخشى. . . وهنا أضع يدي على قلبي. . . . أخشى أن يكون كلامك عن الحب والمرأة نتيجة استبدادٍ بك. . . ومَّمن؟. . . من امرأة؛ فندِينك بقولك:

وإنني عاشق كتوم ... يبطن غير الذي يقول

(القدس)

أبو سلمى