مجلة الرسالة/العدد 141/أغلال تتحطم!

مجلة الرسالة/العدد 141/أغلال تتحطم!

ملاحظات: بتاريخ: 16 - 03 - 1936



وثاروا فجن جنون الرياح ... وزلزلت الأرض زلزالها

وأهيب ما كان يأس الشعوب ... إذا سلح الحق أعزالها

(شوقي)

ما اغترابي عن الحمى وابتعادي ... كبدي في اللَّهيب أُختُ فؤادي!

نبأ هزَّني وهاج شئوني ... رائحٌ بالشجونِ بالدمع غادِ

ما تراني إذا سجا الليلُ أسوا ... ن لهيفَ الفؤاد نِضو سُهاد

أسألُ النَّجْمَ همة عن عرين ... فتَك الظلم فيه بالآساد

وأناجي الرياح ماذا لديها ... عن رفاق الصبى وعن أندادي

اعصفي يا رِياحُ ما شئتِ هوجاً ... كلُّ نفسي عواصف وعَواد

اللظى في الحشا وتحت جفوني ... وعلى مَفرشي وفوق وسادي

إن أنم ساعة يقلِّبنيَ الحُل ... مِ على جمره وفوق قتادي

أألذ الكَرى وطرفي دامٍ ... وخفوقي في لهفةٍ وأتّقاد

وبلادي تئن من عَبَثَ الجْو ... رِ وترغى كالليثِ في الأصفاد

تمهرُ المجد أُسدها ثم تجري ... للمعالي على رؤوس الصِّعاد

حطِّموا أيها الرعاة المزامي ... رَ وكفكِفْ دمع الهوى يا حادي

ثم سيروا خلف القطيع خشوعاً ... موْكِباً من جلالة واتِّئادِ

أيُّها البلبلُ الطروبُ دع الأغ ... صان تبكي واسكتْ عن الإِنشاد

طِرْ إلى حيث وُسِّدت شُهداءُ ... في بطاح العُلى، طوالُ النِّجار

فاشد في مرْبِض الضحايا وغرِّد ... فوق أشلائِها الظِّماء الصوادي

واتلُ فوقَ الرؤوس أعذبَ لحن ... فلحونُ الطيور خير ضماد

الوفاَء الوفاَء يا بلبلَ الأي ... ك! أتشدو وليس في الشام شادِ؟

بل أقِم أيها الرفيقُ ورَنّم ... وتنقَّلْ بين الرُّبى والبوادي

وأشد ما شئت عند مُنبلج النو ... رِ، طروباً، وفي مثارِ السواد

ربما كنت هاهنا أيها البل ... بلُ تبكي على شهيدٍ جوادِ. . .

أيها الزهرُ في الرُّبى! أغمِضِ الأجف ... فان حزناً واذْبُلْ على الأعواد أو فَيِّممْ رَوْض الضحايا فَرفرِفْ ... فوق أعراسها وفي الأعياد

كيف تزهو والزهر في النيربِ السا ... جِم باكٍ والورد في الشام صاد؟!

بل تَفَتحْ هنا ورُفَّ ندياً ... وانشر العِطْرَ منك في كل واد

ربما كنت أيها الزهرُ تُروي ... من دِماءٍ جاَءتكَ مثلَ العِهاد. . .

يا ثرى موطني تباركت ترباً ... أنتَ من أدمُع ومن أكباد

حيثما ألتفت فثمَّ ضريح ... لشهيد أو ساحة لجلاد

كم شهيد كأنه بسمةُ المج ... دِ ورَيحانة العُلى والجهاد

خَرَّ في حومةِ النِّضال ينادي: ... موطِني موطني! بلادي بلادي

مات واسمُ الحمى على شفتيهِ ... كالندى فوق ذلِلِ الأوراد

أو هو أسم الحبيب طوَّف معْسو ... لاً بِثغر المحِبِّ عند الرُّقادِ

أيها الشرق هَبَّةً للمعالي ... طال لُبْثُ السيوف في الأغماد

إنما العيشُ صرْعةٌ في جهادٍ ... والرَّدى في تذلُّلل وانقياد

صرخة أيها الأسيرُ تفري ... لصَداها حبئلُ الصياد

تجْفِلُ العاديَ المغيرَ وتهوي ... صاعقات على رؤوسِ الأعادي

أيها الشرق إنما أنت مَجْلَي الن ... ورِ والكونُ في ثياب الحِداد

إنما أنت مهْبطُ الوحي والأج ... يالُ تلهو بها أكفُّ الجماد

دّرَج الأنبياءُ فوق روابي ... كَ، وشعت منائِرُ الإرشاد

علَّموا الكون رحمة العبد للعب ... د ونبذ الذحول والأحقاد

وهدوْه سُبْل المحبة والخي ... ر وَنَقَّوه من شرور الفساد

فاهتدي بعد حيْرة وضلال ... وصفا بعد حلكة واربداد

أيهاذا الغرب المِدلُّ رُويداً ... والنُّهى - لو عَلِمت - في الإرواد

شَدَّ ما ترهق الضعيف عذاباً ... تتداعى له على الاطواد

فكأن الأيامَ ليست تَوالي ... وكأن الزمان ليس يعادي

إيه يا غرب، والحديث شجون ... والدُّنى بين هدأةٍ ولداد

ما جنينا حتى صببت علينا ... مُرهقاتِ الأذى والاستعباد كيف تنسى أيام كنا نجوماً ... ساطعاتٍ في كلِّ صقع وناد

يوم كنا تاجاً على مفرق الأ ... ض وشمساً من حكمة ورشاد

والزمان الحرونُ بين يدينا ... مُستذلُّ الصُّروف سهلُ القياد

فملأُنا السماَء والأرضَ نوراً ... وأفضنا عليك أفضل زاد

وملكنا بالعدل ناصية الكو ... نِ زماناً، أغوارِه والنِّجاد

ثم جار الزمان وانقلب الده ... ر فنامت على الغصون الشوادي

وخبا للخلود أعذب لحن ... وكبا للرُّقي خيرُ جواد

يا جمال الحياة يا بهجة الكو ... ن وإرث الأجداد للأحفاد

يا دموع الأسير، يا غضبة اللي ... ث على القدِّ، يا رجاء العباد

يا ضياء النفوس، يا شمس يا حرِّ ... ية الغابِ، يا ابنة الآباد!. . .

نحن زهرٌ وأنتِ أعذب طلٍّ ... نحن عمي وأنتِ أرحمُ هاد

قد مهرناك من دماءِ غوالٍ ... وفرشنا الطريق من أجسادِ

فاخطري فوقها وتيهي دلالاً ... واسحبي الذيل في الربى والبوادي

وطئي أعُيناً ودُوسي قلوباً ... كلها من تمرُّدٍ وعنادِ

وامرحي فوق أرؤُسٍ لك ذلت ... لا لباغ مضرج الناب عاد

حلقي فوقنا وَرُفي لنحيا ... قد سئمنا الحياة في الأقياد

واسطعي في القلوب نوراً من الله ... وثوري بأنفس الهجادِ

صدئ القد في الأكف وفي الأق ... دام، والغُلُّ حزَّ في الأجياد

أيها الغريب قد أنفنا من النو ... م وضقنا بالذل والأصفاد

فوثبنا إلى النضال أسودا ... مثل آبائنا العلى الأمجاد

وخضبنا دغالنا بالدم الحر ... وضاق الفضاء بالأجناد

أَرْهِق الشَّرْقَ ذِلَّةً وَأَذِقْهُ ... كل ما شِئْتَ من أذى واضطهاد

نحْنُ نَبْغي الحياةَ، والسَّيْفْ لَنْ ... يُغْمَدَ يا غَرْبُ قَبْلَ نَيْلِ المرادِ

(ابن دمشق)