مجلة الرسالة/العدد 143/الحركة الفكرية في السودان

مجلة الرسالة/العدد 143/الحركة الفكرية في السودان

ملاحظات: بتاريخ: 30 - 03 - 1936



بقلم حيدر موسى

طريف جداً أن نسمع حديث أبناء العروبة عن الحركات الأدبية في بلاد الشرق المختلفة، وجميل جداً أن تكون (الرسالة) الفيحاء ميداناً رحباً نرى فيه تلك الأقلام القوية تصول وتجول فنعجب بها وتمتلئ نفوسنا بشتى الاحساسات الحلوة التي لا تتعدى حب أبناء الضاد لبعضهم، وقد عزمت حين قرأت تلك المقالات الطلية أن أرفع صوتي الضعيف بين تلك الأصوات الداوية العالية وأرسل ضوءاً على الحركة الفكرية في وطني السودان، ليعرف إخواني أبناء أسفل الوادي شيئاً قليلا عن النهضة القلمية في أعلى الوادي، فلعل حديثي يقع في نفوسهم الكريمة موقعاً حسناً ولعله لا يكون ممجوجاً

إن أدب السودان يسير وراء الأدب المصري ويتبعه خطوة خطوة، نظراً للجوار ولتشابه الأخلاق والعادات وغير ذلك من الأوصاف التي فرغ رجال التاريخ من سردها ووفقوا في ذلك توفيقاً عظيما. ولذلك أود ألا أكرر لأن التكرار تمجه الأذواق السليمة

أجل إننا نسير وراءكم ونحاكيكم كما يحاكي الطفل أخاه الأكبر، لكن سيرنا ببطء وبخطوات متزنة لأننا نخشى الكبوة ولنأمن سوء العاقبة. إن صحفكم على اختلاف أنواعها ومذاهبها مقروءة لدى كل الطبقات في المدن الكبيرة ويطالعها المتعلمون في القرى، وللصحف الأدبية الراقية التي تبعث بها إلينا مطابعكم المحل الأول، فترى الشبان كانوا يتأبطون (السياسة الأسبوعية) في إبان حياتها، وعندما اختفت وظهرت (الرسالة) وسدت الثغرة تهافتوا عليها وخطبوا ودهاً فإذا أنت تراها بأيديهم في النوادي والمجالس والمنازل ثم في عربات الترام أيضاً حتى صارت قراءتها محتمة على كل أديب ومتأدب، وسل الأستاذ الزيات يحدثك بالأرقام عن مبلغ ذلك الذيوع والانتشار الواسع الذي قل أن تحظى به غير الرسالة، وصدقوني يا أحبائي القراء فلست أقول هذا القول تقرباً من الأستاذ. بل أقول الحق كأي رجل حر

الشباب السوداني متطلع دائماً إلى العلياء، وخصص جهده ووقته - في الوقت الحاضر - للإلمام بمختلف الآداب والفنون، وللموظفين وهم خيرة المتعلمين النصيب الأوفر في هذا الميدان رغم ضيق وقتهم وقلة مالهم، فترى النوادي بها جمعيات أدبية تقوم بتنظيم المحاضرات والمناظرات جهد المستطاع، حتى النوادي الرياضية لم تهمل الأدب بجانب اشتغالها بترقية الروح الرياضية. كذلك تعنى النوادي المختلفة بإقامة حفلات تمثيلية تعرض فيها الروايات العربية والمصرية، ويسرني كل السرور أن القصة السودانية قد صار لها شأن في عالم التمثيل السوداني، ولا أكون مبالغاً إذا قلت إنها اكتسحت أو كادت تكتسح الروايات غير الوطنية، وكل هذه الروايات البلدية موضوعة بالشعر الشعبي المسمى (الدوبيت) وهو كالغناء يقع في نفوس السامعين موقعاً حسناً وبنغمة حلوة تثير الحماسة؛ ودعني أعرفك بأسماء هذه الروايات فمنها (مصرع تاجوج ومحلق) وهي معروفة لدى المصريين، وقد نشر ملخصها في بعض المجلات المصرية ثم رواية (خراب سوبا) ورواية (فتاة المستقبل) ورواية (البتول) وغيرها وقد أعيد تمثيل الروايات كثيراً نظراً للإقبال العظيم الذي قوبلت به من الجمهور المتعطش لكل ما هو سوداني أصيل، وهذا شعور طيب بالقومية يسرني أن أنوه عنه في هذا المقام ليعرف أبناء العروبة أي شعب نبيل في أعلى الوادي، وإن كنا نخجل أن نشيد بأعمالنا وهذه عادتنا ولا سبيل إلى الخلاص منها. فينا الشعراء والأدباء، وفينا المجددون والمحافظون، لكن التجديد غالب، والفضل للشباب الذي هو الحركة والنشاط. أما حركة التأليف فضعيفة لغلاء أجرة المطابع ولعدم وجود ناشرين يتولون إخراج الكتب، ويوجد الآن أدباء وشعراء يملكون كتبا ودواوين شعرية وهم حائرون لا يعرفون كيف يخرجون هذه الآثار الأدبية التي هي فخر للسودان، والحقيقة أن هذه المشكلة مسألة المسائل ويتألم لها الأدباء ولا يدرون لها حلا، ولذلك لا تجد كتاباً قيماً أخرج للآن في السودان لا لعقم في القرائح. كلا: بل للعذر الذي بيناه

أما الصحافة فحدث عنها ولا حرج، فلدينا الآن جريدة حضارة السودان، وجريدة السودان، وتصدران في الأسبوع مرتين، وجريدة النيل اليومية وملحقها الأدبي الأسبوعي، ومجلة الفجر وهي نصف شهرية، كذلك لكلية غردون مجلة خاصة لا تقف فائدتها على الطلاب فحسب، بل لا تخلو من فائدة، ولجمعية الكشافة مجلة أيضاً تتناول أحياناً بعض الموضوعات الأدبية، وقد اختفت بعض المجلات كمجلة النهضة السودانية، ومجلة مرآة السودان نظراً لقلة المال وفداحة أجرة المطابع، وقد كان لاختفائهما أثر سيئ في القلوب، وفي نظري أن صحفنا السودانية لو وجدت الإقبال الذي هي أهل له في البلاد العربية وخاصة في مصر لما تعثرت ولما اختفت أو شكت من قلة الإقبال والمال، ولأدت خدمات مضاعفة لوطننا الناشئ المحتاج للدعاية الواسعة، ليرتفع صوتنا في الأصقاع البعيدة، وليصير شأن غير شأننا الحاضر

إننا نتسابق في اقتناء الكتب المصرية والصحف المصرية، وقد استفدنا كل الفائدة من ذلك، ففتحت عيوننا، وتذوقنا الأدب، وعرفنا الحياة، أفليس من المستحسن أن تساعدونا بقراءة صحفنا والتعليق على إنتاجنا الأدبي، لتنيروا لنا الطريق بصائب نصحكم وتجاربكم؟ وفي رأيي أن (الرسالة) خير من يقوم بهذه المهمة نظراً لانتشارها العظيم في السودان، ولوجود فطاحل الأساتذة في أسرتها

إننا شرحنا حالنا لأبناء العمومة في مصر أكثر من مرة، وقلنا أننا نعرف كل شيء يجري تحت سماء مصر، ونتألم إن ألمت بها ملمة، ونفرح إذا نالت ما تصبو إليه من رفعة وحرية، وليس غريبا إذن إن طلبنا منهم أن يعاملونا بالمثل. نعم إننا أقل منهم علما وثقافة وبمعونتهم يمكننا أن نسير نحو النور وصوب الثقافة الحقة التي هي أمنية كل سوداني، حتى الجهلاء من المسنين قد بدأوا يتعلمون القراءة وعرفوا فائدتها أخيراً، فتطوع الشباب وانبرى للقيام بهذا الواجب والنتائج تدعو للتفاؤل الشديد

كثر الجدل بين الشباب السوداني عن الأدب القوي الذي دعا إليه الأستاذ الجليل أحمد أمين، فاشتد النقاش بين مؤيد ومعارض ولم تعرف النتيجة بعد

لعل من الطريف أن نذكر أن بعض الصحف السودانية تعارض في نشر القصائد الغزلية على صفحاتها، وحجتها في ذلك غير مقبولة لأن الغزل معروف من قديم الزمان، ولكننا نحاول التوفيق بين آرائها وآرائنا فعسى أن نوفق

هأنا قد تحدثت عن بعض النواحي، فعلى إخواني أدباء السودان أن يتمموا ما بدأت

حيدر موسى