مجلة الرسالة/العدد 145/الحياة الأدبية في الحجاز
مجلة الرسالة/العدد 145/الحياة الأدبية في الحجاز
بقلم عبد المجيد شبكشي
كان الأدب العربي مثال الكمال والروعة والازدهار والانتشار في دولة الأمويين وفي صدر الدولة العباسية. وكان نصيب الحجاز من هذا الازدهار طيباً مرموقا، واقتضى خلوه من الأحداث السياسية أن يحيا مغموراً حتى تجرد من العلم والثقافة وصفر من الرجال الممتازين، وعملت الهجرة على محو مقوماته ومميزاته
ثم بدرت بادرة من بوادر النهوض ونسمة من نسمات الحياة بعد فنفخت في الحجاز روح اليقظة الفكرية فأخذ يسترجع ماضيه بفضل جهود البعض من أبنائه المخلصين الذين جرى في عروقهم الدم الحجازي الحر فتأثروا لتدهوره تأثراً قوياً جعل قلوبهم تتقطع أسفاً وحزناً على الماضي العزيز الذي ذهب هباء منثوراً وغرق الحجاز بعده في الجهالة وأضاع تراثه المجيد
سرت اليقظة في أفكار بعض شباب الحجاز وأحسّوا بالواجب الوطني وتنبهوا إلى فضل الأدب في نهضات الشعوب فتأسست لجان للاجتماع، ونواد للأدب حيث قاموا فمثلوا حركة أدبية لا تشوبها شائبة بالنسبة إلى تلك الحالة وبالنسبة أيضاً لعدم وجود مؤهلات كافية لدرس الأدب، حتى المدارس كانت إذ ذاك بسيطة جداً يتخرج منها التلميذ وهو لا يعرف من مواضيع الحياة شيئا
ثم جاء دور التكوين للنهضة الفكرية وكان ذلك قبل عشرة أعوام تقريباً نظم في خلالها أدباء الحجاز الشعر وكتبوا النثر ونشروا نماذج منه وأعلنوا عن أفكارهم وسجلوا آراءهم، فشعر الحجاز حينذاك بدبيب الحياة يتمشى فيه، وأحس بجمال الأدب والفن معاً، وحينذاك قام أحد أدباء الحجاز البارزين وأصدر كتاباً أدبياً يضم بين دفتيه مختارات لأدباء الحجاز فأثبت للأمة أن هناك أدباً راقياً يدعى الأدب الحجازي. وقد تجد في هذه المجموعة روح الحجاز الأدبية ممثلة من حيث صحة النزعة وبساطة التفكير وجماله، فكان عمل هذا الأديب بشير يقظة فكرية منظمة، وقد كان الأدب الحجازي في ذلك العهد بسيطاً شأن كل شيء في بدايته. ولكن الأفكار كانت سائرة مع الحياة متأثرة باتجاهها فلم يمض وقت طويل حتى نضجت تلك الأفكار، وازدهر الأدب بعض الازدهار، ولولا ما نشأ بعد من عوائق شتى وقفت بالحرية الفكرية بعض الشيء لاضطرد تقدمها. ونستطيع أن نقول بحق إن الموفقين من شباب الحجاز في الناحية الأدبية قليلو العدد جداً، والكتاب البارزين في الحجاز لا يزيدون على عشرة، ولكن أقلامهم الممتازة هي التي صورت مبلغ تأثر الحجاز باليقظة الفكرية ومدى إدراكه. أما قراء الأدب فكثيرون وهم ممن أنجبتهم المدارس الحالية، وهؤلاء بلا شك يرجى لهم مستقبل طيب مرموق
والحجاز اليوم بفضل الله ثم بفضل جهود أبنائه المخلصين متقدم بخطوات واسعة إلى الأمام، وميال إلى احتذاء أدب مصر ونزعتها الفكرية، ولا غرابة إذ شابه البعض من أدباء الحجاز بعض أدباء مصر في روحهم الأدبية وصار يكد ويجتهد في الحصول على ما يريده فوق ذلك من المثل الأعلى حتى يدرك المرمى الذي يقصده!
والأدب الحجازي اليوم رمز لما في أفئدة الحجازيين من عواطف وإحساس وحب وولاء، ولما في نفوسهم من شعور وكرم أخلاق، ولما في ضمائرهم من مبدأ واستقامة وغرام عميق بالحرية. وتختلف الأوساط الأدبية اليوم باختلاف قوتها ومداركها وتطورها وتجددها وبما يستتبعه هذا الاختلاف من تأثر بأساليب النقد البريء والتأمل الممتع والبحث الناضج، أو النقد المتهافت والنظرات الجوفاء والبحث الضعيف الخ، وهذا الاختلاف يعطينا صورة واضحة للتطور والتجدد في الأفكار تتحد مع نواميس الكون في نشوئه وتطوره. وليس غريباً على الحجاز أو الحجازيين أن يتأثروا بمؤثرات هذا العصر الحديث وفنونه ونزعاته، وأن تكون حياتهم ميالة إلى اقتباس أساليب جديدة في الحياة والأدب، فإن ذلك من بوادر النجاح وأسبابه، وهو دليل اليقظة، ونؤمل أن ينال الحجاز نصيبه من التقدم والشهرة والحرية التي هي من مبادئ الحياة الصحيحة في هذا العصر. على أن هذا الروح الأدبي السامي المتمثل اليوم في الحجاز حسب ما هو مشاهد وملموس هو بلا شك تأثر صحيح ومعقول، وهو المأمول أيضاً لبلاد لها ماض أدبي حافل
وأدباؤنا يشعرون ويتأثرون بعوامل الحياة الفكرية ويجيدون التصرف في فنون القول ويبدعون في سبك العبارات ووضعها في قالب من الحكمة والذوق ليحوزوا قصب السبق في معترك الحياة الأدبية وليرفعوا اسم بلادهم عالياً، وهذا ما يرجوه ويناصره كل أديب حجازي وهب موهبة الإحساس والشعور بالحياة وفرائضها - وليس ولله الحمد ثمة ركود ولا فتور في النفوس والأفكار
(مكة)
عبد المجيد شبكشي