مجلة الرسالة/العدد 150/العالم المسرحي والسينمائي

مجلة الرسالة/العدد 150/العالم المسرحي والسينمائي

ملاحظات: بتاريخ: 18 - 05 - 1936


2 - فن السينما

بقلم يوسف تادرس وظريف زكي

فن السينما وفن المسرح

هذا الفن الحديث ما شكله؟ ما هي الفوارق بينه وبين غيره من الفنون؟ وما هي أوجه الشبه؟

إنه يشبه المسرح أكثر مما يشبه أي فن آخر، فهذا وذاك يؤديان رسالتهما عن طريق إبراز المناظر وتمثيل الممثلين

وقد ذهب بعضهم إلى تعداد الفوارق الآتية بينهما وهي:

أولاً - إن التمثيل السينمائي أقرب إلى الطبيعة، وأبعد عن التكلف

ثانياً - إنه ليس فيه فترات (استراحة) بالمعنى الصحيح تفصل بين منظر ومنظر، وتتيح للمخرج إعداد المنظر اللاحق

ثالثاً - إنه أقل حاجة إلى الحيل التي يتوسل بها لإيهام الناظر، وأقل لجوءاً إلى المبالغة في الحركات وفي تغيير ملامح الوجه للتعبير عن مختلف الأحاسيس

رابعاً - انه في مكنته أن يريك وأنت جالس في كرسيك المنظر الواحد من نواح مختلفة ومن أبعاد متباينة

خامساً - انه لا يقيده حد من الزمن والمكان

سادساً - المسرح يعتمد على التحليل النفسي والحوار

على أن جميع هذه الفوارق على صحتها لا تعدل في نظرنا الفارق الأساسي بين الفنين وما اختص كل منهما به، فان بين ممثل المسرح والنظارة تجاوباً في الإحساس وتبادلاً في التأثير، لا تجد لهما شبيها على الشاشة البيضاء

وإذا كان ممثل المسرح كثيراً ما يرضى لنفسه بأن يسرد عليك في حديث مع زميله بعض الحوادث التي تقوم عليها القصة، فان المدير الفني في السينما يريك تلك الحوادث متحركة أمام عينيك؛ وهذا الفارق لا زال صحيحاً حتى الآن وقد نطق الف الكتابة للسينما

لاحظ (بودزفكين) أن كتاب السينما قد اعتادوا أن يحصروا عنايتهم في سرد الحوادث وأن يلبسوها ثوباً قشيباً من الأسلوب الجميل مستعينين بالوسائل المعهودة في كتابة الأدب، غافلين عن إمكان تطبيقها على السينما

هذا على حين أن لكل فن وسائله وأصوله، وأن معالجة الموضوع بحيث يكون صالحاً للإخراج السينمائي أمر من الأهمية بمكان عظيم

زعم بعض الناس أن الكاتب للسينما ما عليه إلا أن يخلط مجملاً عن الحادث، أما التحوير والتبديل فيما خطه قلمه، أما جعله صالحاً للسينما، فمن شأن المدير الفني وحده ومن واجباته هو دون سواه

ما أبعد هذا الزعم عن الصواب

ومتى جاز أن يقطع العمل الفني تقطيعاً!! وأن يفصل بين مرحلة ومرحلة! وأن يجعل كل وحدة مستقلة عن الأخرى، لا تمت إليها بسبب!!

ألست وأنت تقدم على تناول موضوع بالكتابة تفكر في نفس الوقت - ولو تفكيراً سريعاً غير واضح - في كيفية معالجتك له وعن سيرك فيه؟ بل إن مجرد عقد نيتك على العمل يفرض فيه اتجاه ذهنك نحو بعض خصائصه وتفاصيله

لا نقول إنه يتعين على من يكتب للسينما أن يرشد المدير الفني عن كيفية التصوير والطبع، وأن يأمره بما يصور وما يطبع، إنما لا بد له من معرفة أولية يستطيع معها أن يأتي بموضوع يصلح للإخراج، وأن يتجنب عوائق قد لا يتيسر تذليلها

ولعله يعثر على مثل تلك المعرفة الأولية فيما ننشر على صفحات (الرسالة) الغراء

(يتبع)

يوسف تادرس - ظريف زكي