مجلة الرسالة/العدد 151/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 151/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 25 - 05 - 1936



زجموند فرويد أيضاً

قرأنا في الصحف النمساوية الأخيرة طائفة من البحوث والنبذ الممتعة عن العلامة النمساوي الكبير زجموند فُرويِدْ، فهو اليوم في الثمانين من عمره، وقد احتفلت الدوائر الرسمية والعلمية النمسوية بهذه المناسبة العلمية، وأقيمت للعلامة الشيخ عدة حفلات تكريمية، وحفلت الصحف النمسوية، وصحف العالم كلها بمختلف البحوث والمقالات عن حياته وعن مباحثه ونظرياته. وقد غدا فرويد منذ بعيد أستاذاً ومفكراً عالمياً يوجه بجهوده وبحوثه سير العلوم والمباحث النفسية والعصبية في العالم كله، وهو يعتبر اليوم إمام هذا الفن وحجته؛ ومن الصعب أن نتحدث عن حياة فرويد ومباحثه في مثل هذا المقام الضيق؛ وإنما نذكر بهذه المناسبة عنه نبذة خبرية فقط هي التي يتسع لها هذا المقام

فقد ولد فرويد من أبويين يهوديين في مايو سنة 1856، في فريبورج من أعمال مورافيا النمسوية، ودرس في فينا وباريس؛ ودرس القانون أولاً، ولكنه تحول عنه إلى العلوم الطبيعية، ودرس على الأستاذ (بريكة) علامة عصره؛ واشتغل في سنة 1884 طبيباً مساعداً في أحد المستشفيات الكبرى، وفي العام التالي درس مع الأستاذ شاركو العلامة الفرنسي في علم الأعصاب، وتلقى عنه بعض نظرياته في (الهستريا)؛ ثم عاد إلى فينا وبدأ مباحثه النفسية. وفي سنة 1895 أخرج فرويد مع الأستاذ بروير ثمرة مباحثه الأولى في كتاب عنوانه (مباحث عن الهستريا) وفيه شرح آراءه في أصل الهستريا وفي علاجها؛ واستمر فرويد في مباحثه النفسية والعصبية، وطلع على العالم في هذا الباب بآراء ومباحث مدهشة تمتاز بقوتها ومتانتها العلمية؛ وفي سنة 1900 نشر كتابه الشهير (تفسير الأحلام) ثم أعقبه بكتابه (التحليل النفسي والباتولوجي للحياة اليومية) - ثم بكتاب (ثلاثة مباحث عن النظرية الجنسية) وقد فتح فرويد بكتابه عن الأحلام فتحاً جديداً مدهشاً؛ وخلاصة نظريته أن تفسير الأحلام عامل هام في التحليل النفسي، وأن الأجزاء التي يتذكرها الذهن من الأحلام، إنما هي أعراض لنشاط العقل الباطن أثناء النوم، حينما تفقد الإرادة تأثيرها، ويقف سير الضابط الحسي. وقد أثار فرويد بادئ بدء بنظرياته ولاسيما في باب التحليل النفسي والباتولوجي كثيراً من الخصومات العلمية، بل أثار سخرية بعض الدوائر؛ ولكنه صمد لهذه الخصومات، وصمدت نظرياته وبحوثه للحملات والآراء الخصيمة. ومن أشهر نظريات فرويد أيضاً أن الغريزة الجنسية تبدأ في الإنسان بمولده، وليس فقط عند البلوغ؛ وأن ما يعانيه الطفل من خلل في نموه الجنسي هو سبب الضعف العقلي، وأن النزعات الجنسية يمكن إخضاعها بشيء من التوجيه الحسن، وقد تغدو عندئذ قوى تبعث إلى أشرف النزعات

وفي سنة 1903 أنشأ فرويد (جمعية التحليل النفسي) في فينا، ولم يمض بعيد حتى ذاعت فروعها في جميع أوروبا؛ وعقد أول مؤتمر دولي للمباحث النفسية في سالزبورج في سنة 1908 ومنذ بدء هذا القرن يشتد نفوذ فرويد ونفوذ نظرياته ومباحثه في جميع أنحاء العالم

ويشغل فرويد منذ حقبة طويلة كرسي (العلوم العصبية) في جامعة فينا إلى يومنا

ونستطيع أن نلاحظ بهذه المناسبة أن التفكير اليهودي مازال يحدث أثره القوي في سير التفكير العالمي؛ فإذا كان فرويد يقبض على ناصية التفكير النفسي، فإن الفيلسوف الفرنسي برجسون (وهو يهودي أيضاً) يقبض على ناصية التفكير الفلسفي، ويوجه العلامة أينشتاين سير المباحث الرياضية العالمية؛ وإذا تتبعنا تاريخ التفكير الحديث وجدنا لليهودية مثل هذا الأثر البعيد في سيره وفي تطوره

الأستاذ هنري روبير

نعت إلينا الأنباء الأخيرة علماً من أعلام الكتابة والبيان الرائع هو الأستاذ هنري روبير المحامي الفرنسي الأشهر، وعضو الأكاديمية الفرنسية، توفي في الثالثة والسبعين من عمره بعد حياة باهرة في عالمي المحاماة والأدب. وكان مولده سنة 1863 في باريس، حيث تلقى تربيته ودراسته؛ وفي سنة 1885 قيد في جدول المحاماة، وبدأ حياته العملية، ولم يلبث أن لفت إليه الأنظار بحسن استعداده وكفايته؛ وقدر الأستاذ دورييه نقيب المحامين يومئذ مواهبه وألحقه بمكتبه، فلقى هنالك فرصة لدراسة القضايا الكبرى؛ وظهر لأول مرة في قضية (شامبيج) الشهيرة أمام محكمة الجزائر، حيث اشترك مع أستاذه دورييه في الدفاع عن (شامبيج) المتهم بقتل خليلته؛ وكان دفاعه الرائع في تلك القضية مثار الإعجاب من كل صوب، وكان فاتحة مجده؛ وأوحت حوادث هذه القضية الشهيرة إلى الكاتب الشهير بول بورجيه موضوع قصته (التلميذ)، ومن ذلك الحين توالى ظهور هنري روبير في كثير من القضايا الجنائية الرنانة التي شغلت الرأي العام في أواخر القرن الماضي وأوائل القرن الحاضر

وتبوأ هنري روبير مقامه الرفيع كعلم من أعلام البيان والفصاحة القضائية بسرعة؛ وفي سنة 1913 انتخب نقيباً للمحامين في دائرة باريس مكان الأستاذ لابوري، وظل في هذا المنصب حتى سنة 1919؛ ومازال محتفظاً بزعامته ومكانته الرفيعة في عالم المحاماة والدفاع حتى خاتمة حياته

وكان الأستاذ هنري روبير إلى جانب مواهبه القضائية والدفاعية كاتباً عظيماً، يمتاز أسلوبه بقوة وصفاء رائعين. ومن مؤلفاته رسالة قيمة ساحرة عن (المحامي)، وكتاب (قضايا التاريخ العظمى) الذي بدأه في سنة 1923، وظل يعمل فيه حتى العام الماضي، حيث صدر منه الجزء العاشر؛ وفي هذه الأجزاء العشرة يعالج هنري روبير طائفة من قضايا التاريخ الكبرى، ولاسيما ما تعلق منها بالتاريخ الفرنسي؛ ويعرضها بأسلوب بديع ساحر، يجمع بين دقة الشرح القضائي، وروعة البيان الأدبي

وفي سنة 1923 انتخب هنري روبير عضواً بالأكاديمية الفرنسية في الكرسي الذي خلا بوفاة الوزير ريبو

وكان هنري روبير محامياً عظيماً يمتاز بصفات باهرة؛ فقد كان عالماً نفسياً ينفذ أحياناً إلى أعماق السرائر؛ وكان خطيباً رائعاً ينهمر بيانه؛ وكانت مرافعاته في القضايا الكبرى أياماً مشهودة في ساحات القضاء. وقد بلغ الذروة في أواخر حياته من قوة التأثير والسحر، حتى كان المحلفون في بعض الدوائر يخشون تأثيره، ويقاومون هذا التأثير بشيء من عدم الثقة. وكان هنري روبير موجزاً في العادة خلافاً لكثير من زملائه الأعلام، ولكنه كان في إيجازه دائماً قوياً مؤثراً

توفيق الحكيم في الفرنسية

نقل الأستاذان (ا. خضري) و (موريك برين) إلى الفرنسية رواية شهرزاد للأستاذ توفيق الحكيم ثم طبعاها ونشراها في باريس. وقد حافظا على روحها الشعري الشرقي حتى سمياها (قصيدة درامية في سبعة مناظر) وقد صدرها بمقدمة بليغة الكاتب الفرنسي الكبير (جورج لوكنت) أحد أعضاء الأكاديمية الفرنسية حلل فيها الفكرة التي قامت عليها الرواية ثم قال: (كان لا بد من شاعر يُقدِم على معالجة إحدى درامتي الإنسانية العظيمتين في مثل هذا الإطار الضيق. ولكن كان لا بد من شاعر شرقي رقيق الحس خصب القريحة كالأستاذ توفيق الحكيم يحل العقدة في مثل هذا العمل بلباقة من الفن العربي البارع الذي ينال دائماً ذهننا الديكارتي بالدهشة قبل أن يرميه بالفتنة

(وكيف لا نحمد كذلك المسيو (ا. خضري) والمسيو (موريك برين) على أن ترجما إلى الفرنسية لغة خلقت لتعبر قبل كل شيء عن العطر والشعر والسر؟)

وفاة مارمدوك بكتال

توفي المستر مارمدوك وليم بكتال القصصي المعروف بتضلعه في العلوم الإسلامية، ولد في 7 أبريل سنة 1875 في شلورد بمقاطعة سفولك، وكان أبوه قسيساً بها؛ ثم تلقى دروسه في هارو وفي أوروبا، ثم قضى ثلاث سنين في الشرق الأدنى، درس خلالها العربية، وفقه العلوم الإسلامية؛ وقضى وقتاً طويلاً في لبنان وفي مصر، ثم دخل في الإسلام وتسمى محمدا، واتصل بسمو نظام حيدر آباد، فتولى إدارة (كلية حيدر آباد) ورأس تحرير مجلة (الثقافة الإسلامية) التي تصدر هناك باللغة الإنجليزية

وفي سنة 1930 ترجم القرآن الكريم ترجمة توخى فيها الدقة وطبعها بمعونة الأمير بعد أن راجعها الأستاذ محمد أحمد الغمراوي، وجعل عنوانها (ترجمة معاني القرآن المجيد). وقد أرسل نسخاً منها إلى مصر، وكان الشيخ الظواهري يومئذ شيخاً للأزهر، فنبهه بعضهم إلى أن في الترجمة خطأ، فطلب من الداخلية أن تصادرها فصودرت. وله غير ذلك مؤلفات قصصية وغير قصصية، منها (سعيد الصياد) و (عنيد) و (بيت الإسلام) و (حكايات عن الأرض المقدسة) و (أبناء النيل) و (وادي الملوك) و (النساء المحجبات) و (الترك في الحرب) و (فرسان عرابي) وغير ذلك

كننهام جراهام

نعت إلينا الأنباء الأخيرة الكاتب الإنكليزي الكبير روبرت كننهام جراهام؛ توفي في مدينة بيونوس آيرس عاصمة الجمهورية الفضية (أمريكا الجنوبية)، حيث كان يعيش منذ أعوام طويلة؛ وهو اسكتلندي الأصل، ولد سنة 1852، وتخرج في كلية هارو الشهيرة؛ وكان منذ حداثته يشغف بالسياسة وغمارها، ويجنح للمبادئ الاشتراكية؛ وفي سنة 1886 تحققت آماله السياسية الأولى بدخوله مجلس النواب نائباً عن لانكشير؛ وظهر في البرلمان بذلاقته وحملاته العنيفة، واستمر نائباً حتى سنة 1892. وفي ذلك الحين كان جراهام قد خاض غمار الكتابة أيضاً؛ وكان جوالة كثير الأسفار، واستهوته إسبانيا وأمريكا الجنوبية فدرس شؤونهما، واتصل بالبلاط الإسباني وكتب كثيراً عن إسبانيا وتاريخها وعظمائها، وأنعم عليه ملك إسبانيا بمرتبة في النبل (جراندي)؛ ومنذ سنة 1898 يخرج لنا جراهام بالإنكليزية كتباً عن الشؤون والصور الإسبانية وعن تاريخ أمريكا اللاتينية. ومن أشهر مؤلفاته (ابنة عمي صبح) (سنة 1898) و (المغرب الأقصى) في نفس العام (أركاديا الذاهبة) (سنة 1901) (والنجاح) (سنة 1902) و (ترجمة هرناندو دي سوتو) (سنة 1903) والصدقة (سنة 1912) و (قرطاجنة وشواطئ سينو) (سنة 1920) و (أعمال بطولة) (سنة 1925) و (بيدرو دي فالديفيا فاتح شيلي) (سنة 1929) وخوزي أنتونيو بييز (سنة 1929) وغيرها؛ ومعظمها عن أمريكا اللاتينية

وتجول جراهام كثيراً في مدن أمريكا الجنوبية وثغورها، ودرس كثيراً من شؤونها وأحوالها، وأقام كثيراً في بيونوس آيريس؛ وكان أثناء الحرب العالمية يشتغل بتجارة الخيل وتوريدها لجيوش الحلفاء؛ وهو يعتبر في الواقع من كتاب أمريكا اللاتينية أكثر مما يعتبر من كتاب إنكلترا، وشأنه في ذلك شأن المؤرخ الإنكليزي جورج فنلي الذي خصص حياته لليونان وتاريخها وآدابها؛ وتوفي جراهام في نحو الثمانين من عمره

مباراة أدبية دولية

نشر مكتب الصحافة الدولية السويدية بياناً عن مباراة أدبية دولية رصدت لها بعض دور النشر السكندنافية جائزة حسنة، ووضعت لها موضوعاً وشروطاً خلاصتها:

أما الموضوع فهو: (هل يمكن أن يوضع معيار أدبي موضوعي في العصر الحاضر؟ وإذا كان الجواب نعم، فعلى أي أساس يمكن أن يقام؟)

ويجب ألا يزيد ما يكتب في الموضوع على ست عشرة صفحة من القطع المتوسط، ويجب أن يكتب بوضوح وترتيب؛ وقد ألفت لفحص الرسائل لجنة مؤلفة من الدكتور لانكوست أستاذ الفلسفة السويدي (ممثلاً للسويد) والدكتور ونسنس النرويجي (ممثلاً للنرويج) والدكتور روين أستاذ الفلسفة الفنلندي (ممثلاً لفنلندة)؛ وستقوم هذه اللجنة بمهمتها مستقلة، وتقبل دور النشر المذكورة أحكامها دون مناقشة

وستخصص للفائزين ثلاث جوائز، الأولى قيمتها (2000) كرون سويدي، والثانية قيمتها (1000) كرون، والثالثة (500)؛ ويدفع للفائزين فوق ذلك نسبة من أرباح نشر رسالاتهم؛ وإذا لم يوجد من بين الرسائل المقدمة رسالة تستحق المكافأة، فإنه لا تمنح جوائز ما، ويحتفظ الناشرون أيضاً بحقهم في نشر رسائل لم تنل شيئاً من الجوائز

ويمكن كتابة الرسائل باللغات السويدية والدنماركية والإنكليزية والألمانية؛ ويجب أن تذيل بإمضاء مستعار، ومعها غلاف به هذا الاسم المستعار مقروناً باسم صاحبه؛ ويمكن الدخول في المباراة حتى أول يناير سنة 1937، وتنهي لجنة التحكيم من أعمالها في أول أبريل، وتعلن النتيجة في خريف سنة 1937، وترسل الرسائل إلى إحدى دور النشر المشتركة في وضع المباراة، وهي محلات:

, , - ,

كتاب جديد عن مصر القديمة

ظهر أخيراً بالإنكليزية كتاب عنوانه (بحث في مصر الخفية) بقلم المستر بول برنتون واسم الكتاب يدل على موضوعه. بيد أن مؤلفه ينحو في كتابته منحى غريباً لم يسبقه إليه أحد، فهو لا يريد أن يتقيد في بحثه بما كتبه علماء الآثار المصرية أو استنتجوه من قراءة النقوش القديمة، بل يؤثر أن يعتمد على مباحثه الشخصية وعلى وحي نفسه في فهم ما تدلى به الهياكل والرموز من المقاصد والمعاني. وقد زار المستر برنتون مصر في العام الماضي وقضى بها بضعة أشهر يتجول بين آثارها وينقب ويبحث ويجمع لنفسه مواد كتابه؛ وهو كاتب شاب واسع المعرفة متزن مستنير في آرائه وشروحه

ويرى مستر برنتون أن الحضارة المصرية القديمة قد نشأت في القارة المفقودة (الأتلانتس)، ويستشهد على رأيه بحلم رآه في ذلك ووحي نفذ إلى نفسه ذات ليلة قضاها إلى جانب أبي الهول، وذات ليلة أخرى قضاها مع الأرواح بجانب الهرم الأكبر، وثالثة قضاها في معبد الكرنك؛ ويحاول فوق ذلك أن يدعم رأيه بمشاهدات أثرية شاهدها في أبيدوس ودندرة والأقصر ويحمل مستر برنتون على مباحث علماء الآثار، ويقول إنهم لم يصلوا إلى لباب الحقائق، وأن الأرواح الشريرة والمضللة تنطلق كل مرة يجري فيها الحفر في مقبرة أو معبد، وأنه خير أن يوضع حد لإطلاق هذه الأرواح الخطرة التي كثر عديدها

ويرى فيما يتعلق باللغة المصرية القديمة أن علماء الآثار لم يتوصلوا إلا إلى معرفة المعاني التي كانت مستعملة على لسان الرجل العادي. أما المعاني والرموز الخفية التي كانت تجري على ألسنة الكبراء والخاصة فمازالت سراً من الأسرار

ويسير الكاتب في عرض آرائه عن شؤون مصر القديمة وأسرارها على هذا النحو الخيالي. بيد أنه مما لا ريب فيه أنه يذهب بعيداً في تصوراته، وأن كتابه لا يمكن أن يعتبر من النوع العلمي الذي يعتمد على شروحه؛ أما إذا اعتبرناه قطعة من الخيال المجرد، فإنه يستحق القراءة على هذا الأساس، ويغدو قطعة ممتعة من الأدب الروائي

ذكرى أمير عالم

احتفل أخيراً في فينا بذكرى البرنس أوجين دي سافوي، لمناسبة مرور مائتي عام على وفاته، وقد كان هذا الأمير الشهير قائداً عظيماً، وكان فرنسي الأصل والمولد، وكان مولده في باريس سنة 1663 ولكنه هجر فرنسا وطنه، لأن لويس الرابع عشر أبى عليه تحقيق بعض أمانيه، والتحق بخدمة إمبراطور النمسا ليوبولد الأول. وغنم ضد الترك عدة مواقع رفعت اسمه ومنزلته، وانتهى بسحق الترك في المجر في معركة زنتا الشهيرة، وحارب أيضاً ضد لويس الرابع عشر وهزم جيوشه في عدة مواقع، وذاع اسمه في أوروبا، واعتبر أعظم قائد في عصره

بيد أن الذي يهم هنا هو أن هذا القائد الشهير كان فيلسوفاً وكان عالماً، وكان شغوفاً بالتفكير والآداب؛ وله صلات أدبية وثيقة بأقطاب التفكير في عصره مثل الفيلسوف الألماني ليبنتز، الفيلسوف الفرنسي فولتير، وغيرهما من أقطاب الفلاسفة والمفكرين، وكانت له مكتبة عظيمة تغص بآلاف الكتب النفيسة؛ ومع أنه كان في معظم أوقاته مشغولاً بأعمال الحرب والسياسة، فإنه لم يكن يترك فرصة للقراءة إلا انتهزها؛ وكان واسع الاطلاع والمعرفة إلى حدود مدهشة؛ وكان نصير للآداب والفنون يدعو أقطاب الكتابة والفن إلى البلاط النمسوي ويغدق عليهم عطفه ورعايته؛ ومازالت مكتبته ومجموعاته الفنية تكون قسماً عظيماً من المكتبة النمسوية الوطنية؛ وقد شمل الاحتفال بذكراه أخيراً في فينا عدة مناظر عسكرية وفنية، فنظم استعراض عسكري فخم، وأقيم احتفال تذكاري في القصر الذي توفي فيه (سنة 1736) في شارع (همل بفورت)، ويوجد في قصر بلفيدير الشهير حيث كان يقيم هذا الأمير العالم أثناء حياته معرض دائم يضم كثيراً من التحف والصور والتماثيل التي استطاع أن يجمعها طوال حياته