مجلة الرسالة/العدد 152/صرعى الأغراض

مجلة الرسالة/العدد 152/صرعى الأغراض

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 06 - 1936



طرفة من الشعر الاجتماعي تعبر عن الآلام المكظومة

للكفايات المظلومة

للشاعر الراوية الأستاذ أحمد الزين

يا لَلْعزائم يثنى من مواضيها ... أَنَّ الكفايات يُقضى بالهوى فيها

وللمواهب بالأغراض يقتلها ... من يستمدّ حياةً من أياديها

وللجهود بأعشى الرأي يطفئها ... ماضٍ على ضوئها سارٍ بهاديها

وللنوابغ يقضي في مواهبهم ... بما يشاء هواه غيرُ قاضيها

جادوا بأعمارهم حتى لجاحدهم ... إن المواهب سِلْم في أعاديها

كالشمس تقبس منها عين عابدها ... وترسل النور في أجفان شانيها

والنفس إن ملئت بالود فاض على ... نفوس أعدائها بالود صافيها

كالسحب إذ ملئت بالغيث فاض على ... جدب البلاد خلوف من هواميها

لا يدَّع العدل قوم في عدالتهم ... صرعى الكفايات تشكو ظلم أهليها

ولا المساواةَ والأفهامُ لو وزنت ... مع الغباوة فيهم لا تساويها

ولا الحضارةَ من تجزي نوابغهم ... وحشيةً تسكن البيداء والتيها

إذا البلاد تخلت عن حياطتها ... يد النبوغ تداعت من صياصيها

دع الحديث عن القسطاس في عُصَب ... ما سودت بينها إلا مُرائيها

سوق النفاق بهم شتى بضائعها ... تزجَى لمن يشتري إفكاً وتمويها

أرخصتمو غاليَ الأخلاق في بلد ... لم تغلُ قيمته إلا بغاليها

يا رُبّ نفس أضاء الطهر صفحتها ... أفسدتموها فزلّت في مهاويها

وكم قلوب كساها الحسن نضرته ... دنّستموها فعاد الحسن تشويها

أغلقتمو سبل الأرزاق لم تدعوا ... لفاضِل الخُلق سعياً في نواحيها

مدارس تغرس الأخلاق في نَشَإٍ ... ومغلق الرزق بعد الغرس يذويها

لا تَلْحَ طالب رزق في نقائصه ... إن الضرورات من أقوى دواعيه ما أطهر الخُلُق المصري لو طَهُرت ... تلك الرياسات من أهواء موحيها

يا آخذين بقتل النفس قاتلها ... قتلى المواهب لم يُسْمع لشاكيها

كم للنبوغ دماء بينكم سفكت ... باسم المآرب لا اسم الله مُجريها

هلا أقتصصتم لها من ظلم سافكها ... وقلّ فيما جناه قتل جانيها

أولى الورى بقصاص منه ذو غرض ... يخشى المواهبَ تخفيه فيخفيها

مِلءُ المناصب منهومون قد جعلوا ... من دونها سد ذي القرنين يحميها

على مناعة ذاك السد تنفذه ... عصابة تتواصى في حواشيها

من كل أخرق تنسل الحظوظ به ... إلى المراتب يسمو في مراقيها

خابي القُوَى عبقري الجهل يثقله ... عبءُ الرياسة إذ يدعوه داعيها

يا حافرين تراب الأرض عن حجر ... أو جثة في ظلام القبر يطويها

ومنفقين من الأموالِ طائلها ... في البحث عن خِرَق لم يُغْنِ باليها

مستبشرين بما يلقون من تحف ... للقوم أو خزفات من أوانيها

ورافعين من البنيان شاهقه ... فيه الذخائر قد صُفًّت لرائيها

هلا عرفتم لمصرٍ فضل حاضرها ... يا عارفين لمصر فضل ماضيها

إن العصور التي جادت بمن سلفوا ... على الحضارة لم تبخل أياديها

ذُخر المواهب في أحيائكم تحفُ ... بَذّت متاحفكم وصفاً وتشبيها

ما إن يقال لها: لله صانعها ... ولكن يقال: تعالى الله باريها

هبوا النوابغ موتى فاجعلوا لهُم ... حظَّ النواويس أكرمتم مثاويها

جعلتم الحيَّ يرجو حظ ميتكم ... فحظ أحيائكم في مصر يشقيها

أيُحرم النحلُ غضَّ يلفظه ... شهداً، وقد شبعت منه أفاعيها

ويُقتل الروض ذو الأثمار من ظمإٍ ... والماء يروي مَواتاً من فيافيها

من يقتل الجهد يقتل فيه أمته ... وأمة الجهد تحييه فيحييها

إن الشعوب إذا ماتت مواهبها ... نُقاضةٌ أعوزتها كف بانيها

أحمد الزين