مجلة الرسالة/العدد 152/في مدى استعمال حقوق الزوجية وما تتقيد به في

مجلة الرسالة/العدد 152/في مدى استعمال حقوق الزوجية وما تتقيد به في

مجلة الرسالة - العدد 152
في مدى استعمال حقوق الزوجية وما تتقيد به في
ملاحظات: بتاريخ: 01 - 06 - 1936


الشريعة الإسلامية والقانون المصري الحديث

تأليف الدكتور السعيد مصطفى السعيد

للأستاذ عبد المعتال الصعيدي

أهدى إلي صديقي الدكتور السعيد مصطفى السعيد وكيل النائب العمومي بنيابة الاستئناف كتابه القيم (في مدى استعمال حقوق الزوجية وما تتقيد به في الشريعة الإسلامية والقانون المصري الحديث) وهو رسالته التي نال بها عن جدارة إجازة الدكتوراه في القانون. وقد اقتضت هذه الرسالة منه أن يراجع في موضوعها كتب الفقه في مذاهب أهل السنة، وأهل الظاهر والشيعة، وكتب الأصول والتفسير وغيرها مما يتصل بموضوع رسالته، إلى مراجع أخرى باللغتين الفرنسية والإنجليزية

وهكذا دفع الدكتور السعيد بفكره المثقف بثقافته العصرية في متوننا الأزهرية وشروحها وحواشيها فخرج منها بتلك الدرة الغالية التي جمعت بين نبل القديم وجمال الحديث، في حسن اجتهاد، ودقة نظر، واستيعاب بحث، وتقليب للمسألة على كل وجوهها حتى يقتلها بحثاً من جميع نواحيها الشرعية والقانونية، وهذا إلى استيفاء ما يحب في حسن التأليف من انسجام العبارة ومتانة الأسلوب، وسلامة اللفظ، وحسن الترتيب والتقسيم

وإنها لقوة ذكاء عجيبة يكفي في تقديرها شهادة أستاذ الجليل الشيخ احمد إبراهيم وكيل كلية الحقوق فيما قدم به لرسالته، إذ يقول في ذلك: (وما أشد ما كان موفقاً لفهم نصوص الفقهاء في كتب جميع المذاهب المختلفة المطولة مع غرابة تعبيراتها عن أمثاله لعدم إلفه إياها)

ولم يتقيد المؤلف في رسالته بمذهب معين من المذاهب المتعددة في الشريعة الإسلامية، بل بحث موضوعه في المذاهب المختلفة بقدر ما وسعه جهده، على اعتبار أن هذه المذاهب وإن اختلف بعضها عن بعض في شيء من التفاصيل فأساسها واحد، وغايتها متفقة. وقد كان جهده في ذلك غاية الجهد، وما أظن أحداً يتصدى لموضوعه فيأتي بأوفى مما أتى به فيه، وإني لا أكاد أملك نفسي من السرور حين أجده تنتهي به دراسته لموضوعه إلى هذه الغاية التي لو عمل في سبيلها نظراؤه في كلية الحقوق لكان قضاء مستقل وقانون خاص بنا نباهي به غيرنا من الشعوب. ولندع المؤلف يحدثنا عن هذه الغاية التي وصل إليها في دراسته، قال: (وقد تبين لنا أن تقييد الحقوق الفردية في الشريعة الإسلامية كان أوسع مجالا وأبلغ أثراً مما يحاول الفقه الحديث بنظرية سوء استعمال الحق، وإن هذه النظرية الناشئة لم تبلغ ما بلغته مثيلتها في الفقه الإسلامي منذ مئات السنين؛ وهذا طبيعي، فان النظرية التي تقرب أحكام القانون لقواعد الأخلاق - وكثيراً ما عمل فقهاء القانون الحديث على الفصل بينهما - يتسع لها المجال في تشريع أساسه الدين، وهو يأمر بالعمل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي)

ثم قال: (ويجدر بنا أن نختم بحثنا بالإشارة إلى أننا أغنياء بفقهنا عن أن نستعين بغيره من مستحدثات القوانين. وإن الشريعة الإسلامية التي وسعت العالم الإسلامي في أزهى عصوره وقضت حاجة بلادنا من التشريع مئات السنين، لا تقصر عن أن تكون أصلح مصدر للمشروع يأخذ منه أحكام قانون مدني موحد)

وليعذرني القراء بعد هذا إذا أنا سلكت في كتابتي عن هذه الرسالة سبيل التقريظ، فان مؤلفها على ما بلغ فيها من البسط لم يدع فيها مجالاً للانتقاد ولا محلاً للمؤاخذة، اللهم إلا ما ذكره في صفحة - 146 - من انتقاد تفسير الأستاذ الإمام لقوله تعالى (فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة؛ ذلك أدنى ألا تعولوا) أي أقرب من عدم الجور والظلم، وقد جعل البعد من الجور سبباً في هذا التشريع، فانتقده المؤلف بأن تأويل آية التعدد يؤدي إلى اعتبار التعدد مباحا في الأصل، ويكون البعد من الجور قيداً لهذا الحق الأصيل، والقيد لا يكون سبباً في تشريع الحق الذي يتقيد به، فانه يمكن أن يحمل كلام الأستاذ الإمام على تشريع الاقتصار على واحدة عند خوف الجور، لا على تشريع التعدد الذي اعتبر البعد من الجور قيداً له

هذا وقد استفدت من قراءة هذه الرسالة أمراً أحب أن أنبه إخواننا الأزهريين إليه ليأخذوا له عدته، فقد رأيت بعد قراءة هذه الرسالة أنا سائرون إلى فتح باب الاجتهاد بخطى سريعة، وأن الأستاذ الجليل الشيخ أحمد إبراهيم إذا ظفر بعدد من التلاميذ النبهاء مثل ما ظفر بتلميذة النابه المجتهد صاحب هذه الرسالة، فانه سيسبقنا بتلاميذه إلى فتح هذا الباب المغلق. ولا يدري إلا الله ماذا يكون إذا تم فتح هذا الباب على يد غيرنا، فلنفكر ولنتدبر.

عبد المتعال الصعيدي