مجلة الرسالة/العدد 154/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 154/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 06 - 1936



مكسيم جوركي

وافتنا الأنباء الأخيرة بنعي مكسيم جوركي شيخ الأدب الروسي المعاصر. توفي بعد مرض طويل مضن في نحو الثامنة والستين من عمره. وبوفاة جوركي يختتم ثبت أكابر الكتاب الثوريين الذين مهدوا بكتاباتهم للثورة الاجتماعية الروسية الكبرى أعني الثورة البلشفية، وسيادة الطبقات العاملة، مثل ليون تولستوي، والبرنس كورباتكين. وكان مولد جوركي ببلدة (نجني نفجرود) من أعمال الفولجا في سنة 1868، ومن أسرة عاملة فقيرة، وأسمه الحقيقي ألكسي مكسينوفتش بتشكوف؛ ومات أبوه وهو طفل فكفلته جدته لأمه؛ ولم يتلق لفقره تربية، بل أضطر منذ حداثته أن يعمل ليعيش؛ فالتحق في التاسعة من عمره بخدمة محل لصنع الأحذية. ولبث يتنقل من عمل إلى عمل، وهو يعاني شظف البؤس، ولا يكاد يثبت في عمل ما، لأنه كان منذ حداثته يبدي مللاً مستمراً ونزوعاً إلى الثورة. وكان الفتى ألكسي مع ذلك يختلس الأوقات للقراءة والاهتمام بشؤون السياسة والثورة. وفي سنة 1892، استطاع جوركي أن يخرج كتابه الأول (ما كان شودرا)، وفيه صور قصصية مؤثرة؛ وفي العام التالي أخرج كتابه (شلكاش) على مثل كتابه الأول فصادف نجاحاً كبيراً. وتبوأ الفتى (جوركي) مكانته كأديب وكاتب يحسب حسابه؛ وفي ذلك الحين أيضاً قبض على جوركي لما بدا في كتاباته من النزعة الثورية وأودع السجن، ومرض فيه حتى كاد يموت؛ ولكنه ما كاد يخرج حتى عاد إلى الكتابة؛ وأخذ يطوف أرجاء روسيا متصلاً بزعماء المجاهدين والكتاب الثوريين. وفي سنة 1900 أخرج جوركي قصته الكبيرة (توما جوردييف)، فلقيت نجاحاً كبيراً. واتصل منذ أواخر القرن الماضي بفلادمير إلتش أو (لنين) زعيم الثورة البلشفية المستقبلة وصحبه؛ واشتغل بالصحافة الثورية؛ واستمر مع ذلك في إخراج كتبه؛ وكانت معظم كتبه في ذلك الحين قصصاً ثورية تمثل بؤس الطبقات العاملة التي عرفها وعانى ويلاتها صغيرا؛ وفي ذلك يصل جوركي إلى ذروة فنه؛ بيد أنه لم يتمكن قط من وصف المجتمع الرفيع بمثل هذه البراعة؛ وكان ذلك وقفاً على أقطاب درسوا الحياة الرفيعة مثل ليون تولستوي. وأحسن ما يصف جوركي تلك الشخصيات الناقمة التي تخرج على النظم والأغلال الاجتماعية المفروضة، وهي في الواقع شخصية جوركي ذاته.

وعرف جوركي ظلام السجن أكثر من مرة؛ ولكنه كان في كل مرة يخرج أقوى نفساً وأثبت عزماً على الكفاح. وفي سنة 1906 سافر إلى أمريكا موفداً من الجمعيات الثورية الروسية ليدعو إلى قضية الحرية الروسية. ولكنه لم يلق النجاح المرغوب، لما عرف أن السيدة التي ترافقه هي صاحبته وليست زوجته؛ وقام أيضاً بالتجوال في ألمانيا وفرنسا ليدعو ضد القرض الذي كانت تحاول القيصرية عقده، وهو ينذر بأن الشعب الروسي لن يدفعه؛ ولكن مساعيه خابت وعقدت روسيا هذا القرض في فرنسا قبيل الحرب؛ ومع ذلك فقد صحت نبوءته، وجاءت الحكومة البلشفية فأعلنت إلغاء ديون القيصرية كلها.

وعاد جوركي إلى روسيا قبيل الحرب وأسس مجلة أدبية ثورية؛ ثم كانت الحرب، فتفرق زعماء الثورة في كل مكان، ولبث جوركي في روسيا، حتى كانت الثورة البلشفية، فظهر عندئذ في طليعة زعماء الثورة؛ وقربه لينين. وكان جوركي يحترم الرجل الذي حطم طغيان القياصرة، وحقق سيادة الطبقات العاملة، أعني لينين، ويذهب في هذا الاحترام إلى حد التقديس والعبادة. وغدا جوركي من أقطاب النظام الجديد، وغدا لسانه وزعيمه الأدبي؛ وأغدقت عليه الحكومة البلشفية رعايتها. ومنذ نحو عشرين عاماً يقود جوركي الحركة الأدبية الحديثة في روسيا، ويغذيها بروحه الثوري المضطرم

وأخرج جوركي في تلك الفترة عدة كتب رائعة: منها (الشريدون) و (ذكريات الشباب) و (المتفرج) و (كوموفالوف)، وهو أعظم كتبه؛ و (الأعماق السفلى) وهي قطعة مسرحية قوية؛ وغيرها.

والخلاصة أن جوركي يعتبر من أعظم زعماء الأدب الروسي المعاصر. وقد نوه البرنس كوروباتكن في كتابه عن الأدب الروسي بعبقرية جوركي الأدبية والفلسفية

(ع)

جوركي أديب الصعاليك

كتبنا كلمة في هذا الباب من أبواب (الرسالة) منذ أسبوعين عن حياة جوركي؛ وها قد لفظ أديب الشيوعية الكبير آخر أنفاسه في الأسبوع الثاني من هذا الشهر (9 يونيه سنة 1936) من أثر التدرن الذي كان يشكو منه دائماً والذي سافر من أجله إلى إيطاليا يستشفي منه، ولكن ما زال به حتى قضى عليه في النهاية. وقد ذكرنا أن جوركي عمل في حداثته عند خباز، ونذكر اليوم أن هذا الخباز كان اسمه (راماس) من مدينة قازان، وأنه كان ذا أثر كبير في توجيه مكسيم جوركي، فقد كان يعمل ليلاً في مخبزه اتقاء لشبهة جواسيس القيصر، ثم يبث في عماله روح الانتفاض على ظلم القيصرية بما كان يلقيه عليهم من أحاديث ملتهبة، وبما كان يقرئهم من كتب ويثقفهم به من معلومات. وكان الفتى جوركي أشد العمال تعلقاً براماس، وكان يلتهم كتبه التهاماً حتى حدثوا عنه أنه كان يقضي نصف أوقات راحته ونومه مكباً على كتب راماس! ولما علق جوركي الأدب ومهر في الخطابة توجه إلى بطرسبرج ودعا الشعب إلى مطالبة القيصر بالدستور، ثم جمع عدداً كبيراً من العمال وتوجه بهم إلى قصر القيصر في مظاهرة صاخبة وهتفوا بحياة الدستور، وما هي إلا لحظة حتى حصدتهم نيران البنادق والمدافع من كل صوب، ونجا جوركي بأعجوبة. ولكنه قبض عليه وحوكم أمام محاكمة عسكرية فقضت عليه بالسجن لمدة سنة وعلى الزعيم الآخر (الأسقف جابون) بسنة مثلها (1905)

وكان جوركي يستشفي في إيطاليا حينما هبت الثورة في روسيا فعاد إليها ليلقى لينين وليكون هو وتروتسكي أشد أعوانه وأكبر مؤيديه، وإن يكن جوركي كان يأخذ على طاغية روسيا وزعيمها الأكبر أخذه الناس بالشدة وسوقهم إلى نظمه بالعنف، وكان يصارحه بعدم رضاه عن هذه الطرق التعسفية في بث مبادئ الثورة مع علمه أن معنى معارضة لينين الشنق والقتل بالرصاص. والعجيب أن عطف جوركي هذا لم يستمر طويلاً. فقد حدث بعد موت لينين أن أختلف ستالين وتروتسكي من أجل تنفيذ مبادئ الثورة تنفيذاً حرفيا فكان من رأي تروتسكي أخذ الفلاحين بالعنف وإخضاعهم بالقوة لتعاليم لينين، ولكن ستالين أبى ورأى في الطفرة تمهيداً لثورة الفلاحين ففضل التدرج معهم في جذبهم إلى حظيرة هذه التعاليم. واشتد الخلف بين أقطاب الشيوعية، وملك ستالين زمام الأمور، وفر تروتسكي خارج روسيا، ولحق به جوركي؛ ولكن جوركي عاد إلى روسيا بعد ذلك فشهد بعينه صدق نظر ستالين، فرجع عن رأيه لما رأى من استقرار الأمور، وعاد إلى سالف تشجيعه للاتحاد السوفيتي فعينه في لجنته التنفيذية.

وجوركي من اشد الملحدين الذين عرفهم التاريخ فهو يقول أن المعبود الذي تعنو له الجباه إن هو إلا خرافة، وهو مصدر الخرافات! وتلك جرأة على الله سبحانه وتعالى من هذا الرجل الذي خبله البؤس وذهب بوجدانه العوز في أكبر شطر من حياته. ويكاد يكون الفيلسوف برجسون أشد أعداء جوركي، فبرجسون روحي بطبعه، والناس في فرنسا يصدقونه في كل شيء حتى لو ادعى النبوة، ولم يدافع أحد من الفلاسفة عن وجود الله في عصرنا الحديث بمثل ما دافع برجسون، وإليه وحده يرجع الفضل في هزيمة داروين وجوركي، وإن جوركي ما يزال منتصرا بقوة الحديد والنار داخل روسيا.

وإلى جوركي يعود الفضل فيما لصق بالثورة الشيوعية من تهم الإباحية وما إليها، لأنه هو نفسه ما كان يتورع أن يظهر أمام الملأ في أعمر ميادين موسكو وبطرسبرج (ليننجراد) محاطاً بعشيقاته و (محظياته!). وقصته (الاعتراف) هي نموذج خبيث من أدب المنحطين تبذ قصص لورانس وجويس وبلزك، وفيها يذكر حديثاً غير محتشم لغادة من الساقطات تدعوه إلى نفسها لترزق منه غلاماً. وفي ذلك شبه من قصة لورانس التي أشرنا إليها مرة في هذا الباب (عشيق لادي شاترلي). وتلك القصة ثالثة ثلاث ألفها إذ هو في إيطاليا والاثنتان هما (الأم) و (الصيف) ونرجئ الكلام عن بقية قصصه وكتبه ومجلاته إلى نبذة أخرى.

د. خ

في المباراة الأدبية

اجتمعت لجنة المباريات الخاصة بموضوع (أثر الحافز الشخصي في التطور الإصلاحي والاجتماعي والوسائل العلمية لتوجيه الرأي العام) التي يرأسها معالي الأستاذ مكرم عبيد باشا فنظرت في البحوث المقدمة إليها وقررت:

1 - منح الجائزة الأولى وقدرها مائة جنيه للأستاذ عباس حافظ الموظف بوزارة الداخلية.

2 - منح الجائزة الثانية وقدرها خمسون جنيها للأديب جميل خانكي.

3 - منح الجائزة الثالثة وقدرها 25 جنيهاً للآنسة زينب الحكيم الحائزة لدبلوم فروبل العليا بلندن.

4 - منح الجائزة الرابعة وقدرها 25 جنيهاً للأستاذ حسن مظهر المحرر بمجلة الطائف المصورة.

وقد رأت اللجنة أن تتقدم إلى صاحب الدولة وزير الداخلية ليسمح بمنح هذه الجوائز برغم انقضاء الموعد المحدد لها.

بين السياسة والأدب

تولى الحكم أخيراً سياسيان عظيمان، هما في الوقت نفسه أديبان كبيران، وهما مسيو ليون بلوم الزعيم الاشتراكي الفرنسي الذي فاز حزبه في الانتخابات الفرنسية الأخيرة، وانتهى بأن تولى زعيمه الحكم؛ ثم السنيور مانويل ازانادياز، الذي أنتخب أخيراً رئيساً للجمهورية الأسبانية؛ فكلاهما أديب كبير، وله مؤلفات تتبوأ مكانها الأدبي. ولنلاحظ أولاً أن مسيو ليون بلوم فوق كونه اشتراكياً، هو يهودي؛ وهذه أول مرة يتولى فيها الحكم في فرنسا يهودي منذ وزارة مسيو كايو الذي تولى الرياسة قبل الحرب. وكان مسيو بلوم منذ أواخر القرن الماضي صحفياً وناقداً، ففي سنة 1897، كان يتولى تحرير (المجلة البيضاء)، وكان يعرف يومئذ بنقده اللاذع؛ ثم تخلى عن تحرير هذه المجلة إلى الكاتب الشهير (أندريه جيد). ثم تحول إلى الكتابة السياسية منذ حملة تيار السياسة، وكانت مقالاته في جريدة (البوبولير) حتى العهد الأخير تثير أعظم الاهتمام في دوائر السياسة.

وأما المسيو ازانا رئيس جمهورية أسبانيا الجديد فهو مؤلف ذو شهرة واسعة وله عدة كتب في السياسة والأدب نذكر منها: (دراسات عن السياسة الفرنسية الحديثة)، و (ترجمة جوان فالير) وهو كتاب نال به الجائزة القومية الوطنية؛ و (الكتابة والقول) و (في الحكم وفي المعارضة)، ثم رسالة أدبية عن (دون كيشوتي)، وقطعة مسرحية عنوانها، (التاج) هذا ما عدا روايات القصص ومقالات عديدة.

كتاب جديد لهافلوك أليس

صدر أخيراً كتاب النقادة الإنكليزي الشهير هافلوك أليس عنوانه: (مسائل عصرنا) والذين يتتبعون حياة هافلوك أليس وكتاباته يعرفون أنه أعظم المفكرين والنقدة في عصرنا؛ وقد بلغ اليوم عهد الشيخوخة، ولكنه ما زال قوي النشاط، قوي الأثر في الشباب المتأدب؛ وقد كانت كتاباته من أكبر العوامل في الترويج للأدب الجنسي الحديث، وهو الأدب الذي كان يرفضه المجتمع الإنكليزي من قبل. ويشتمل كتاب هافلوك أليس الجديد على مائة موضوع من الموضوعات التي سبق أن عالجها في ظروف ومناسبات مختلفة، وهذه بعضها: (ما هو المجرم. بديل الحرب. مسألة الثورات. التربية في العالم المتطور. الحاجة إلى سماء جديدة. مسألة التعقيم الإصلاحي) وغيرها

ومع أن معظم هذه الموضوعات قد كتب من قبل، فأن الكتاب يطبعه طابع واضح من الجدة، ويبدو تعمق الكاتب وبعد نظره في معالجات موضوعه، حتى أن القارئ ليشعر بأن كثيراً مما تنبأ به هافلوك أليس في كتاباته عن التطورات الاجتماعية يقع اليوم في العالم بالفعل.