مجلة الرسالة/العدد 155/أعلام الإسلام

مجلة الرسالة/العدد 155/أعلام الإسلام

ملاحظات: بتاريخ: 22 - 06 - 1936



سَعيد بنُ المسَيّب

بقلم السيد ناجي الطنطاوي

اسمه ونسبه ومولده

هو أبو محمد، سعيد بن المسيّب بن حزْن أبى وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب القرشيّ المخزوميّ التابعيّ المدنيّ

وأبوه المسيّب وجده حزْن صحابيان أسلما يوم فتح مكة. والمسيّب بفتح الياء وكسرها، والفتح هو المشهور، ومذهب أهل المدينة الكسر. وقد روى عنه أنه كان يقول بكسرها ويقول: سيّب الله من يسيّب أبي

وأمه أم سعيد بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السُّلمي. وحدث سعيد بن المسيب أن جده حزناً أتى النبي فقال: ما أسمك؟ قال: أنا حزن، قال: بل أنت سهل. قال: يا رسول الله؛ اسم سماني به أبواي فعرفت به في الناس. قال: فسكت عنه النبي عليه السلام. وكان سعيد بن المسيّب يقول: مازلنا نعرف الحزونة فينا أهل البيت

أما تاريخ ولادته فقد اختلف فيه المؤرخون، وتنحصر رواياتهم بين سنة 13 هجرية (بعد استخلاف عمر بن الخطاب بسنتين) وسنة 21 هجرية (قبل موت عمر بسنتين)، والمرجح أنه ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر، أي سنة 13 هجرية لأن أكثر الروايات تؤيدها ويؤيدها قوله: ولدت لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب.

واختلف المؤرخون أيضاً في إدراكه عمر، فقد روى ابن سعد عن سعيد أنه قال: سمعت من عمر كلمة ما أبقى أحد حي سمعها غيري: كان عمر حين رأى الكعبة قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام.

وعنه أيضاً أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب على هذا المنبر يقول: عسى أن يكون بعدى أقوام يكذبون بالرجم. يقولون لا نجده في كتاب الله، لولا أن أزيد في كتاب الله ما ليس فيه، لكتبت أنه حق، قد رجم رسول الله ورجم أبو بكر ورَجمت. أما بكثْير بن الأشج فيروي أن سعيد بن المسيّب سئل هل أدركت عمر فقال؟ لا.

ويقول الإمام مالك: لم يدرك عمر، ولكن لما كبر أكب على المسألة عن شأنه وأمره. ويقول ابن معين: رأى سعيد عمر وكان صغيراً ابن ثماني سنين، وهل يحفظ ابن ثماني سنين شيئاً؟

شيوخه وتلاميذه

أخذ سعيد بن المسيّب علمه عن أبى هريرة - وكان زوج ابنته - وجل روايته المسندة عنه. وسمع من عمر وعثمان وعلى. وسمع من أزواج رسول الله : عائشة وأم سلمة. وكان يقال: ابن المسيّب رواية عمر، قال الليث: لأنه كان أحفظ الناس لأحكامه وأقضيته، وروي عن أبى ذر، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، ومعاوية، وسعد بن وقاص، وخولة بنت حكيم، وغيرهم.

وروى عنه جماعة من أعلام التابعين منهم عمر بن عبد العزيز ومحمد بن شهاب الزهري، وعمرو بن دينار، وقتادة، وابنه محمد، وأبو الزناد، وعطاء بن أبى رباح، ومحمد الباقر، ويحي بن سعيد الأنصاري، وغيرهم كثير.

علمه وأقوال العلماء فيه

قال سعيد: ما بقى أحد أعلم بكل قضاء قضاه رسول الله ولا أبو بكر ولا عمر مني. (قال الراوي إبراهيم ابن سعد عن أبيه) وأحسبه قال وعثمان ومعاوية.

وقال يزيد بن مالك: كنت عند سعيد فحدثني بحديث فقلت له: من حدثك بهذا؟ فقال يا أخا أهل الشام خذ ولا تسأل فأنا لا نأخذ إلا عن الثقات.

وقال مالك: بلغني أن سعيد بن المسيّب قال: إن كنت لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد

وقال قدامة بن موسى الجمحي: كان سعيد بن المسيّب يفتي وأصحاب رسول الله صلى الله عليه أحياء

وقالوا: كان سعيد جامعاً، ثقة، كثير الحديث، ثبتاً، فقيهاً، مفتياً، مأموناً، ورعاً، عالياً، رفيعاً

وقال محمد بن يحيى بن حبّان: كان رأس من بالمدينة في دهره، المقدّم عليهم في الفتوى سعيد بن المسيّب، وكان يقال: هو فقيه الفقهاء وقال مكحول: سعيد بن المسيّب عالم العلماء. وقال أيضاً:

ما حدثتكم به فهو عن سعيد بن المسيّب والشّعبي

وعن ابن أبي الحويرث أنه شهد محمد بن جبير يستفتي سعيد ابن المسيّب

وقال علىّ بن الحسين: سعيد بن المسيّب أعلم الناس بما تقدّمه من الآثار وأثقفهم في زمانه

وقال ميمون بن مهران: أتيت المدينة فسألت عن أفقه أهلها فدفعت إلى سعيد بن المسيّب فسألته

وقال شهاب بن عنّاد: حججت، فأتينا المدينة فسألنا عن أعلم أهلها، فقالوا سعيد بن المسيّب

وكان عبد الله بن عمر إذا سئل عن الشيء يشكل عليه قال: سلوا سعيد بن المسيّب فانه قد جالس الصالحين

وقال يحيى بن سعيد: أدركت الناس يهابون الكتب، ولو كنا نكتب يومئذ لكتبنا من علم سعيد ورأيه شيئاً كثيراً

وقال قتادة: ما رأيت أعلم بالحلال والحرام منه، وقال أبو حاتم: هو أثبت التابعين في أبى هريرة

وقال الزهري: العلماء أربعة: ابن المسيّب بالمدينة، والشعبي بالكوفة، والحسن البصري بالبصرة، ومكحول بالشام

وقال القاسم بن محمد: هو سيدنا وأعلمنا، وقال ابن عمر: هو والله أحد التقنين، وقال ابن شهاب: قال لي عبد الله بن ثعلبة ابن أبى صعيران: كنت تريد هذا، يعنى الفقه، فعليك بهذا الشيخ سعيد بن المسيّب

وقال مكحول: طفت الأرض كلها في طلب العلم، فما لقيت أعلم منه. وقال سليمان بن موسى: كان أفقه التابعين

وقال يحيى بن معين: مرسلات بن المسيّب أحب إليّ من مرسلات الحسن

وقال أبو طالب: قلت لأحمد بن حنبل: سعيد بن المسيّب؟ فقال: ومن مثل سعيد؟ ثقة من أهل الخير. فقلت له: سعيد عن عمر حجة؟ قال: هو عندنا حجة، قد رأى عمر وسمع منه، وإذا لم يقبل سعيد عن عمر، فمن يقبل؟

وقال أحمد: مرسلات سعيد صحاح، لا نرى أصح من مرسلاته. وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علماً من سعيد ابن المسيّب

قال: وإذا قال سعيد مضت السنة فحسبك به، قال هو عندي أجل التابعين

وقال الشافعي: إرسال بن المسيّب عندنا حسن

وقال مالك: بلغني أن عبد الله بن عمر، كان يرسل إلى ابن المسيّب، يسأله عن بعض شأن عمر وأمره

وقال قتادة: كان الحسن إذا أشكل عليه شئ كتب إلى سعيد بن المسيّب

وقال العجلي: كان رجلاً صالحاً فقيهاً

وقال أبو زرعة: مدني قرشي ثقة إمام

وقال ابن حبان في الثقات: كان من سادات التابعين فقهاً وديناً وورعاً وعبادة وفضلاً، وكان أفقه أهل الحجاز

وقال الجاحظ: كان أبو بكر رضى الله عنه أنسب هذه الأمة، ثم عمر، ثم جبير بن مطعم، ثم سعيد بن المسيّب، ثم محمد بن سعيد ابن المسيّب.

منزلة عند الخلفاء والولاة

قال مالك بن أنس: كان عمر بن عبد العزيز لا يقضى بقضاء حتى يسأل سعيد بن المسيب، فأرسل إليه أنساناً يسأله، فدعاه فجاء، فقال عمر: أخطأ الرسول، إنما أرسلناه يسألك في مجلسك وقال أيضاً: كان عمر بن عبد العزيز يقول: ما كان بالمدينة عالم إلا يأتيني بعلمه. وأوتي بما عند سعيد بن المسيّب.

تعبيره الرؤيا

قال محمد بن عمر: كان سعيد بن المسيّب من أعبر الناس للرؤيا، وكان أخذ ذلك عن أسماء بنت أبى بكر، وأخذت أسماء عن أبيها

وقال عمر بن حبيب بن قليع: كنت جالساً عند سعيد بن المسيّب يوماً، وقد ضاقت علىّ الأشياء ورهقني دين، فجلست إلى ابن المسيّب ما أدرى أين أذهب، فجاءه رجل فقال: يا أبا محمد إني رأيت رؤيا. قال مل هي؟ قال: رأيت كأني أخذت عبد الملك بن مروان، فأضجعته إلى الأرض، ثم بطحته فأوتدت في ظهره أربعة أوتاد. قال: ما أنت رأيتها. قال: بلى أنا رأيتها. قال: لا أخبرك أو تخبرني. قال: ابن الزبير رآها وهو بعثني إليك. قال: لئن صدقت رؤياه قتله عبد الملك بن مروان، وخرج من صلب عبد الملك أربعة كلهم يكون خليفة. قال: فدخلت إلى عبد الملك بن مروان بالشام فأخبرته بذلك عن سعيد بن المسيّب فسرّه، وسألني عن سعيد وعن حاله فأخبرته، وأمر لي بقضاء ديني وأصبت منه خيراً

وقال رجل: رأيت كأنّ عبد الملك بن مروان يبول في قبلة مسجد النبي أربع مرار، فذكرت ذلك لسعيد بن المسيّب، فقال: إن صدقت رؤياك قام من صلبه أربعة خلفاء.

وقال شريك بن أبى نمر: قلت لابن المسيّب رأيت في النوم كأن أسناني سقطت في يدي ثم دفنتها. فقال ابن المسيّب: إن صدقت رؤياك، دفنت أسنانك من أهل بيتك.

وقال رجل لابن المسيّب: إنني أبول في يدي. فقال اتق الله، فان تحتك ذات محرم، فنظر فإذا امرأة بينها وبينه رضاع وجاءه آخر فقال: يا أبا محمد إني أرى كأني أبول في أصل زيتونه. قال: انظر من تحتك، تحتك ذات محرم، فنظر فإذا امرأة لا يحل له نكاحها.

وقال له رجل: إني رأيت حمامة وقعت على المنارة، منارة المسجد، فقال: اذبح اذبح. فقال: ذبحت. قال: مات ابن أمّ صلاء، فما برح حتى جاءه الخبر أنه مات.

وقال رجل من فهْم لابن المسيّب إنه يرى في النوم كأنه يخوض النار، فقال: إن صدقت رؤياك لا تموت حتى تركب البحر، وتموت قتلاً. فركب البحر فأشفى على الهلكة، وقتل يوم قُدَ يد بالسيف.

وقال الحصين بن عبيد الله بن نوفل: طلبت الولد فلم يولد لي، فقلت لابن المسيّب: إني أرى أنه طرح في حجري بيض. فقال ابن المسيّب: الدجاج اعجمى، فاطلب سبباً إلى العجم. قال: فتسرّيت فولد لي، وكان لا يولد لي.

وكان سعيد بن المسيّب يقول للرجل إذا رأى الرؤيا وقصها عليه: خيراً رأيت. وقال ابن المسيّب: التمر في النوم رزق على كل حال، والرطب في زمانه رزق.

وقال أيضاً: آخر الرؤيا أربعون سنة، يعنى في تأويلها

وقال أيضاً: الكبل في النوم ثبات في الدين.

وقال له رجل: يا أبا محمد، إني رأيت كأني جالس في الظلّ فقمت إلى الشمس. فقال ابن المسيّب: والله لئن صدقت رؤياك لتخرجنّ من الإسلام. فقال: يا أبا محمد، إني أرني أخرجت حتى أدخلت الشمس فخسلت، فقال: تكره على الكفر. قال: فخرج في زمان عبد الملك بن مروان فأسر فأكره على الكفر، ثم قدم المدينة، وكان يخبر بهذا

(يتبع)

ناجي الطنطاوي