مجلة الرسالة/العدد 161/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 161/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 03 - 08 - 1936



أسبوع المتنبي في دمشق

في الساعة الخامسة من مساء يوم الخميس الماضي، 27 يوليو 1936 أفتتح مهرجان المتنبي في مدرج الجامعة السورية بحضور فخامة رئيس الجمهورية ووكيل المفوض السامي ميريه ودولة رئيس الوزراء ومندوب المفوض السامي ووزيري العدلية والاقتصاد الوطني، فافتتحت الحفلة بآي من القرآن الكريم، ثم ألقى وكيل المفوض السامي خطبة وجيزة ضمنها عطف المفوضية العليا على هذه الحفلة وشعورها مع اللجنة القائمة بها ومع الأمة العربية جمعاء في احتفالها بمرور ألف سنة على وفاة سيد شعرائها بلا منازع وتتابع بعده الخطباء فألقى رئيس الوزراء كلمة وزارة المعارف، وألقى السيد الطباطبائي أستاذ الأدب الفارسي في الجامعة الأمريكية قصيدة شاعر الفرس خسرو داراني، ثم تكلم أحد المستشرقين عوضاً عن المستشرق الأستاذ بلاشير الذي تأخر وصول كلمته

ونهض بعده الأستاذ أحمد أمين مندوب الجامعة المصرية فألقى خطبة قيمة جاء فيها على ذكر ناحية واحدة من نواحي حياة المتنبي مستدلاً على أخلاقه من آثاره وأخيراً اقترح الأستاذ عبد المنعم رياض وضع جائزة سنوية شبيهة بجائزة نوبل تعطى للمبرزين من الأدباء والشعراء

وفي الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة - أمس - احتفل أمام بناية المعرض بإزاحة الستار عن نصب أقيم في الزاوية الغربية من الجدار المحيط بالبناء وقد نقش عليها عبارة (شارع المتنبي) وقد أفتتح الحفلة محافظ العاصمة بخطبة وجيزة شرح فيها الغاية منها، وعقبه الأستاذ عزالدين علم الدين سكرتير لجنة المهرجان بكلمة شكر فيها لمحافظة المدينة اهتمامها بإطلاق أسماء رجال الأمة العربية الخالدين على شوارع المدينة وأعلن أن هناك شوارع جديدة سوف تطلق عليها أسماء العظماء كأبي العلاء المعري والبحتري وغيرهما

وفي مساء اليوم نفسه غص مدرج الجامعة السورية بالمحتفلين وخطب الأساتذة الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد مندوب الجامع الأزهر والقيت كلمة الدكتور عبد الرحمن شهبندر وقصيدة للأستاذ خليل مردم بك ثم خطب الدكتور عبد الوهاب عزام فالأستاذ نجيب الارمنازي وأنصرف الخطباء والمندوبون بعد ذلك لتناول طعام العشاء على مائدة أعده المجمع العلمي

وعلى المنهاج الموضوع للمهرجان سيلقي في اليوم الثالث (السبت) كلمة الأستاذ معروف الرصافي مندوب العراق وقصيدة الأستاذ رضا الشبيبي (ذكرى شاعر) وقصيدة الأستاذ علي الشرقي (صوت الكوفة) وخطبة الأستاذ طه الراوي. قصيدة الأستاذ عزالدين التنوخي كاتب سر المهرجان. وليمة الصحة العامة

اليوم الرابع (الأحد) - خطبة الأستاذ نقولا فياض: مندوب لبنان (هل كان المتنبي مجدداً). خطبة الأستاذ أنيس المقدسي مندوب الجامعة الأمريكية. خطبة الأستاذ أمين الريحاني (المتنبي رسول العروبة) خطبة الأستاذ فؤاد البستاني مندوب الجامعة اليسوعية. قصيدة الأستاذ حليم دموس (مهرجان المتنبي) وليمة وزارة المعارف

اليوم الخامس (الاثنين) - خطبة الأستاذ أحمد رضا (روح الطموح في المتنبي) قصيدة الأستاذ سليمان ظاهر (حياة المتنبي) خطبة الأستاذ حبيب شماس مندوب المدرسة البطريركية. خطبة الأستاذ أديب التقي. قصيدة الآنسة ماري عجمي، وليمة الجامعة السورية

اليوم السادس (الثلاثاء) - خطبة الأستاذ خليل الخالدي، خطبةالأستاذ سامي الكيالي (المتنبي في بلاط سيف الدولة) خطبة الأستاذ عبد القادر المبارك (لغة المتنبي). قصيدة الأستاذ محمد البزم، وليمة معرض دمشق

اليوم السابع - كلمة الأستاذ مرشد خاطر: مندوب الجامعة السورية. قصيدة الأستاذ عمر يحيى. خطبة الأستاذ سليم الجندي، قصيدة الأستاذ عمر أبي ريشة خطبة الأستاذ جميل صليبا (فلسفة المتنبي) كلمة الختام، وليمة مدينة دمشق.

خطاب وكيل العميد السامي في مهرجان المتنبي

سيداتي وسادتي:

إذا ذكر المتنبي فلا يثير ذكره في قلبنا صورة أعظم عصر من عصور تاريخ حلب، وصورة أمجاد سورية الحمدانية فحسب، وإن يكن ذلك من الأسباب التي تحببه إلى نفوسنا، فلا بد لنا من القول إن المتنبي لا ينتمي إلى مدينة واحدة ولا إلى عصر واحد بل أنه يدوي صداه في خلال عصور الشعر العربي وخلال نواحي الشعور الأدبي المترامية الأطراف، فقد ذهب شاعر الكوفة العالم العربي نماذج من الشعر خالدة، وضروباً من التعبير صافية ورفعة لا تطال، وفناً أنوفاً دقيقاً، وهدفاً شريفاً، وتشاؤماً عالياً؛ وجميع هذه الصفات المتغلغلة في أعماق نفسه تتفق مع أعرق مميزات الفكر الأدبية العربية، تلك الفكرة الطامحة إلى المعالي، الهائمة بالشرف، المغرمة بما عز وكرم من المعاني، الساعية وراء خير المثل العليا، تلك الفكرة التي تطلب في الشعر (حالة نادرة) كما قال في ذلك شاعرنا الفرنسي (مالارمه)

هذا ما أهل المتنبي أن يكون شاعر الأمة العربية؛ وهذا ما حدا بكم جميعاً للاعتراف له بهذا اللقب. إن الأمة العربية ترى في المتنبي بعض ميولها الجوهرية، وبعض شواعرها الثابتة، فيلذ لي والحالة هذه أن أحيي في هذا الحفل، إلى جانب السلطات العليا ورجال العلم في سوريا، ممثلي الدول المجاورة، والشعراء والكتاب والعلماء من جميع البلدان التي يرن فيها صوت لغتكم الجميلة، وأن أحي مندوبي المجامع العلمية ومؤسسات الثقافة العالية التي تحافظ في جميع البلاد الغربية على تقاليدها الروحية المشتركة، ولهذا أيضاً رغبت في أن أرحب بكم، وفي أن أحمل إليكم في هذا المهرجان حيث للفكرة والأدب المحل الأرفع، عربون عطف المفوضية العليا على هذا المهرجان واهتمامها به، وكذلك عطف الجمهورية الفرنسوية؛ من يشك في الفائدة التي تجنى من هذه الأحتفالات، إنها توثق عرى التضامن المكين، والتقارب الجوهري؛ وتدل على أن فوق المصالح الأنانية التي تفرق بين الناس وتبعدهم بعضهم عن بعض عبقرية لا يزال في وسعها أن تجمع بين ذوي النوايا السليمة جميعاً خلواً من كل ما يكدر صفاءه

سيداتي وسادتي: إني لأجد لذة عظيمة في إعلان افتتاح المهرجان الذي يحتفل فيه بذكرى مرور ألف سنة على وفاة الشاعر المتنبي

خطاب وزارة المعارف في مهرجان المتنبي

أرحب بجميع الوفود التي جاءت من مختلف الأقطار العربية لتشارك حكومتنا في إظهار عاطفتنا الصادقة نحو شاعر العربية العظيم أبي الطيب المتنبي وأتمنى لجميع العلماء والكتاب والشعراء الذين أموا دمشق لهذه الغاية مقاماً سعيداً وراحة طيبة، ولاشك أن جو الفيحاء الرطب وإقليم الغوطة العذب سيوحيان إلى كل منهم بأحسن الصور، ويرويان ما أحتدم في قلوبهم من قوة العاطفة وشدة الخيال فيسكبون عواطفهم في قالب من الألفاظ السحرية التي تليق بالمتنبي وعبقريته الخالدة. إن فكرة هذا المهرجان ليست وليدة الساعة بل هي فكرة قديمة خطرت ببال حكومتنا منذ الصيف الماضي فحالت دون تحقيقها إذ ذاك عقبات كثيرة، ولما ذللت جميع العقبات أحبت الحكومة أن تجعل أيام المتنبي داخل أيام المعرض الصناعي لتبرهن بعملها هذا على رغبتها في إحياء النهضتين الأدبية والاجتماعية معاً

ونحن إذا أقمنا هذا المهرجان لمرور ألف عام على وفاة المتنبي فإنما نقيمه لأن بينه وبين سوريا صلة قوية. فقد جاء المتنبي من العراق إلى سورية وهو شاب معدم فعانى فيها ما يعانيه شبان اليوم من مشاكل العيش وضيق أبواب الرزق ولم يزل يتنقل بين منبج وانطاكية واللاذقية وطرابلس وحلب ويمدح أمراء سوريا حتى اتصل بسيف الدولة أعظم ملوك بني حمدان وصار شاعره الخاص وعاش في بلاطه فانكشفت قريحته وجاد شعره وتحسن خياله ورق لفظه بما لقيه من حفاوة الأمير وعنايته به، ولو بعث اليوم سيف الدولة لما اتخذ لنفسه شاعراً غير المتنبي لأن المتنبي لا يزال حتى اليوم يعبر بشعره عن عواطف كل منا، فهو شاعر العروبة ورمز العواطف القومية، يجد كل منا في شعره نزوة الشيوخ وصور العدل والرحمة كما وصف الظلم والقسوة وتغنى بالأباء والكرم والعز والشجاعة كما بكى على المجد المفقود والأمل الضائع، فنحن نفاخر بشاعر أمراء سوريا بل بشاعر سوريا والعراق ومصر وننقل إليه من وراء حجب الزمان عاطفة شعب تثقف بشعره وتغذى بإحساسه حتى خالط لحمه دمه

فإن تباعدت الأقطار فإنها حول المتنبي لتجتمع، وإن نفرت القلوب فأنها في أبي الطيب لتتحد، وليس أدل على هذه الوحدة من اجتماعكم لإحياء ذكرى هذا الشاعر الخالد. فأشكركم جميعاً على ما تحملتموه من المتاعب وتحملتموه من عناء السفر وأشكر فخامة رئيس الجمهورية على رغبته في جعل هذا الاحتفال احتفالاً رسمياً كما أشكر بصورة خاصة فخامة المفوض السامي على عنايته بهذا المهرجان وإعانته المادية والمعنوية معاً، وأشكر ممثلي الجامعات العربية والأجنبية المختلفة ووفود الأقطار العربية الشقيقة وجميع الخطباء والشعراء على ما أكسبوه إيانا من الشرف بكتاباتهم وما أحدثوه في هذا المهرجان من البهاء والازدهار بقدومهم وأخص أعضاء مجمعنا العلمي من عرب ومستعربين بأحر الشكر على تعاونهم في إحياء ذكرى شاعر العربية ورمز نهضتها الأدبية الحديثة وأتمنى لهم نجاح السعي وطيب الإقامة والسلام

جمعية أدبية مختلطة في سورية ولبنان

دعت الجريدتان الفرنسيتان (لجور) في بيروت، و (لا كرونيك) في دمشق إلى تأليف جمعية أدبية كبرى في البلاد السورية واللبنانية بكون الغرض منها: السعي والدعاية لنشر الأدب والثقافة في البلاد، ثم الدفاع بمختلف الوسائل المشروعة عن حقوق المؤلفين ومصالحهم، وهذه الجمعية بعيدة عن الأحزاب السياسية والخلافات الدينية، تجمع نخبة من الكتاب السوريين واللبنانيين الذين يسعون إلى نهضة فكرية في البلاد، تجدد في الأدب الحديث مع العناية بالأدب القديم

وهي تتألف من الكتاب والمؤلفين في اللغة العربية أو في اللغة الفرنسية وتنتخب مجلساً يتألف من عشرة أعضاء ستة من المؤلفين في اللغة العربية وأربعة من المؤلفين في اللغة الفرنسية، ويرأس هذا المجلس مؤلف عربي له نائب من المؤلفين في اللغة الفرنسية

وتنتخب مكتباً دائميا لأمانة السر، ومكتباً للاستشارات القضائية والحقوقية، وتتصل بالاتحاد الدولي لجمعيات حملة الأقلام في جنيف، وتعني بغير ذلك من الأمور لتأمين سير الجمعية ورقيها

فلسطين تناشد العالم الإنساني

إن الأيام التي مرت على جهاد فلسطين العربية المقدسة وما لقيت في خلالها من هول الأحداث قد أصابها بأضرار فادحة وأنزل بها خسائر جسيمة في الأرواح والأموال مما لا يمكن حصره ولا تعوض خسارته، فهناك عشرات من القرى قد دمرت وأتلفت أرزاقها وأحرقت مزروعاتها وصودرت أموالها، وهذا غير ما أحدثه نسف مدينة يافا الفيحاء ذات الحدائق الغناء بالديناميت بعد إحراق معظم حي المنشية فيها بأيدي مجرمي اليهود، وغير حدائق البرتقال الكثيرة التي قطعت بأيدي الأشرار ودوساً بالدبابات. وغير المئات من أكواخ الفقراء في ضواحي يافا وأطراف حيفا، ومنازل مدينة اللد التي دوهمت بالدبابات فانطمست آثارها

فهذه الأهوال العظيمة قد أسفرت عن مائة ألف نسمة نكبوا بصورة مباشرة فمنها عائلات الشهداء وأيتامهم وأراملهم، وعائلات المسجونين والمعتقلين وأقاربهم، وسكان المدن والقرى التي دمرت بعد أن فروا عند النسف والهدم من منازلهم، تاركين جميع حاجاتهم وأثاثهم وملابسهم، فتشردوا في العراء بلا فراش ولا طعام ولا مأوى. وقد كثرت في هؤلاء المنكوبين الأمراض والوفيات. ولولا أن بقية الأهالي قد قادوا وبذلوا كل شيء يستطيعونه لإغاثة إخوانهم بعض الغوث - وهو ما لا يفي بحاجة ولا يسد ثلمة - لكانت الكارثة أوجع والخطب أفجع

على أن الحالة برغم شهامة الناس هناك قد تجاوزت كل ما يتصور العقل من شناعة وفظاعة مما ستكشفه الأيام بعد حين وعندما يباح نشر الرسوم ووصف الخطوب

وسيتضح عند ذلك أن ما نزل بفلسطين إنما هو من النوع الذي أصاب البلاد العربية على الخصوص والإسلامية على العموم من جنكيز وهولاكو وتيمور. ويا حبذا لو تنتدب الأقطار المجاورة وفوداً تجوب نواحيها لترى بالعين وتسمع بالأذن ما أصابها وما حل بها. حيث لا تقع العين إلاّ على قتيل أو شهيد. ولا يصادف المرء في طريقه سوى الخراب والدمار في المدن والريف

فاللجنة الفلسطينية العربية في مصر توجه إلى هذه المحن الأليمة عواطف الإنسانية جمعاء، وتنادي كل قلب فيه ذرة من الحمية ليبادر المحسنون إلى نجدة المنكوبين وإغاثة الملهوفين بما يخفف هول النكبة ويلطف ألم البلوى. والله لا يضيع أجر المحسنين

وهذه اللجنة ترجو من أهل الخير أن يرسلوا تبرعاتهم إلى منكوبي فلسطين بواسطة جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة وهي تتولى توصيلها إلى الهيئة المختصة في فلسطين فتوزعه على المحتاجين

محمد علي الطاهر

رئيس اللجنة الفلسطينية العربية بالقاهرة

استدراك جاء في أول هذا الباب تحت عنوان (أسبوع المتنبي في دمشق) أن افتتاح المهرجان كان في يوم 27 يوليو الماضي والصحيح أنه كان في يوم 23 يوليو

فتوى مشيخة الأزهر في (الحجاب) و (الختان)

نص الفتوى:

(كتب إلينا من البلاد الهندية أن طوائف من أهلها الهندوكيين يريدون أن يتخذوا الإسلام ديناً لهم، ولكن عادتي حجاب النساء والختان تثبطانهم عنه بعض التثبيط. وقد طلب إلينا أن نبدي رأينا في هاتين العادتين وعن علاقتهما بالدين الإسلامي، فلم نر بد من تلبية هذا الطلب راجين أن يكون فيه هدى للمسترشدين وبيان للمتثبتين

شرع الله تعالى الدين الإسلامي ليكون ديناً عاماً للبشر كافة في كل زمان ومكان، فجاءت شريعته مراعية لجميع الحاجات المادية والمرافق العمرانية للأفراد والجماعات، وضامنة كل ضروب الحريات الضرورية لهم في حدود الناموس الأدبي العام، بحيث لا تتعاكس هذه الحريات ومصالح الاجتماع، ولا تتضارب والأخلاق التي هي أساس العمران. فليس يوجد بين النظم الدينية والاجتماعية ما يوفق بين مطالب الأرواح والأجساد ويربطها برباط وحدة وثيقة غير النظام الذي جاء به الإسلام

لست بصدد تفصيل هذا الإجمال، فلا أتعرض له إلاً لبيان أمرين فيه هما مسألتا الحجاب والختان، وهما اللتان طلب إلينا بيانهما

الحجاب

إن حجاب النساء كان معروفاً ومعمولاً به قبل مجيء الإسلام بقرون كثيرة في جميع الأمم المعرقة في المدنية، وقد أخذه عنهم اليونانيون والرومانيون على أقصى ما يعرف عنه من التشديد قبل الإسلام بأكثر من ألف سنة، وكان الإسرائيليون جارين عليه أيضاً على عادة معاصريهم

فلما شرع الله الإسلام راعى في هذه المسألة ما راعاه في جميع المسائل الاجتماعية من الاعتداد بالمصلحة العامة في حدود الناموس الأدبي العام فأنزل قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهم ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلاً لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الأربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)

هذه الآية هي أطول آيات الحجاب، وهي تنص على وجوب إتباع الجنسين على السواء للآداب الواجبة لأحدهما حيال الآخر

ولما كان النساء محلاً للفتنة خصوا بالأمر لضرورة التصون في مخالطة الرجال وعدم أبداء زينتهن لهم إلا مالا يمكن إخفاءه منها أثناء مزاولتهن أعمالهن من خاتم وسوار

وقد اجمع الأئمة على أن الوجه والكفين ليسا بعورة، وأن ليس على المرأة من بأس أن تزاول أعمالها خارج بيتها، وأن تمارس مهناً لكسب قوتها على شرط أن لا تظهر ما يثير العاطفة من جسمها وجيدها وزينتها

وما حدا بالإسلام إلى وضع هذه القيود إلا المحافظة على النفوس أن تفسدها الشهوات. والمجتمعات أن تحل روابطها الموبقات. وليس بخاف ما جرته هذه الشهوات على الأمم الخالية من الانحلال والزوال

فالإسلام لم يفرض على المرأة أن تعيش كما تعيش الأنعام، أو أن تسجن كما يسجن المجرمون؛ ولكنه على العكس أمر أن تحضر الصلوات في المساجد في صفوف خلف الرجال، وأن تحضر اجتماعات المسلمين العامة في الأمور الهامة، ولم تمنع قط من إبداء رأيها فيها، ومن أن تتعلم كما يتعلم الرجال، وأن تتصرف في أموالها بكل وجوه التصرفات بدون توقف نفاذها على زوجها أو والدها أو أي أحد غيرها، وأن تتعاطى ما تشاء من الأعمال الحرة

هذه حقوق منحتها الديانة الإسلامية للمرأة منذ نحو أربعة عشر قرناً، فلم تصل إليها أية امرأة سواها في العالم إلى اليوم

والإسلام إزاء هذا كله لم يشرط عليها إلا حفظ كرامتها كامرأة شريفة غير مبتذلة ولا متبرجة لتكون عضواً صالحاً في المجتمع بدل أن تكون عاملة فتنة فيه هذه نزعة تقر الإسلام عليها كل نفس شريفة، ولا تصادف معارضة من أي فريق حتى أصحاب المذاهب المتطرفة

الختان

أما مسألة الختان - فلا تصح أن تكون عقبة أمان الذين يريدون الإسلام، فإن الختان كان معروفاً عند بني إسرائيل قبل مجيء الإسلام، وقد اقتبسه عنهم العرب الجاهليون. فلما جاء الإسلام أقره شأنه إزاء كل عادة نافعة أو عمل صالح

وقد قرر الأطباء أن الختان من انفع العادات واحفظها من الأمراض التناسلية، فإن القلفة بتغطيتها لرأس العضو تختزن في طيها الأقذار وتكون موطناً للجراثيم الضارة، وغسلها من باطنها مرات في اليوم من الأمور المتعذرة، فإزالة هذه القلفة مما يندب إليه قانون الصحة؛ وقد علم أن بقائها في الأمم لم تعتد إزالتها قد كان سبباً في انتشار الأمراض السرية، وهذه الأمراض لم تعرف في بلاد المسلمين إلا بعد اختلاطهم بجاليات الأمم من طرق العدوى

على إن الإسلام لم يوجب على أهله الاختتان إيجاباً كما هو مذهب الإمامين أبو حنيفة ومالك ولم يجعله شرطاً للإسلام، فهو في نظره سنة للرجال إن شاءوا أخذوا به تصوناً وتطهراً وإن شاءوا تركوه

أما النساء فلم يصل إلى درجة السنة في مذهب الإمامين السابقين، ولكنه عندهما كرامة لهن فقط. لذلك تجد أكثر المسلمين لا يختنون نساءهم؛ فالأتراك كافة والمغاربة والإيرانيون والهنود وغيرهم لا يعملون بهذه العادة فيما يتعلق بنسائهم

والعادة أن الاختتان يكون في السنين الأولى من الطفولة بين ثلاث وعشر غالباً، وليس فيه كبير مشقة ولا يتوقع من ورائه خطر إذ أنه لا يتعدى قطع الجلدة الزائدة المغطية للعضو مع عدم المساس بالعضو نفسه، ناهيك أنه يعمل بواسطة العارفين، واختتان الكبار كاختتان الصغار ليس فيه أقل ضرر

بقيت مسألة ربما تهم الذين يريدون الدخول في الإسلام جماعات غفيرة وهم كبار في السن، وهي أن يعرفوا ما حكم الإسلام فيهم، فإلى هؤلاء نوجه قول الحسن البصري رضي الله عنه، وهو إمام الأئمة المجتهدين، قال العلامة ابن قدامة الحنبلي في المجلد الأول من كتابه (المغنى) في الصفحة السبعين عن الختان ما يأتي:

(والحسن يرخص فيه ويقول: إذا أسلم لا يبالي أن لا يختتن. ويقول: أسلم الناس الأسود والأبيض لم يفتش أحد منهم ولم يختتنوا)

وهذا ما رأينا أن نأتي به من حكم الدين الإسلامي في أمر الختان والحجاب، وقد تبين أن واحداً منهما لا يتأتى أن يكون عقبة في سبيله

والله يهدي من يشاء إلى سراط مستقيم)

مشيخة الأزهر

رأي أستاذ فرنسي في رواية شهرزاد

الأستاذ لوني بو - مؤسس مسرح الأوفر في باريس يعتبر بحق أحد الأركان التي قام عليها المسرح الحديث في أوربا وهو الذي أخرج رواية (سالوميه) لأسكار وايلد سنة 1892، وعرف الفرنسيين بابسن ومترلنك، ورأيه في الأدب المسرحي له من غير شك وزانته وقيمته. كتب خطاباً إلى ناشر (شهرزاد) للأستاذ توفيق الحكيم جاء فيه عن هذه الرواية: (لقد قال: (لكنت) (واضع مقدمة الرواية) فأحسن القول. والرواية تستحق أن تمثل على المسرح الفرنسي في ذوق وفطنة. وهي تبقى بعد كل شيء رائعة الجمال شديدة العمق)