مجلة الرسالة/العدد 167/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 167/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 167
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 14 - 09 - 1936



نظريات في الحرب

الجنرال لودندورف من أعظم قواد ألمانيا في الحرب الكبرى وأعظم الخبراء العسكريين المعاصرين، وله في الحرب ووسائلها وغاياتها نظريات خاصة بسطه في كتاب وضعه بعنوان: (الأمة أثناء الحرب)، وقد ظهرت أخيراً ترجمة إنكليزية لهذا الكتاب بنفس لعنوان وفي هذا الكتاب يحمل الجنرال لودندورف على نظريات كلاوزافتش في الحرب، وخلاصتها أن السياسة يجب أن تكون أداة للمشرعات العسكرية، وأن هذه المشروعات يجب أن تكون طريقاً مباشراً للحرب؛ ومع أن نظريات كلاوزافتش تعتبر في كثير من الأمم ولا سيما إنكلترا نظريات متطرفة خطرة، فإنها تعتبر في رأي لودندورف لينة قاصرة؛ ذلك لأنها في نظره تفسح للسياسة مجالاً أكثر مما يجب، ولأنها لم تدرك أهمية السيطرة العسكرية المطلقة. وكل ما يسلم به الجنرال لودندورف من نظريات سلفه هو أن الحقيقة الخالدة في الحرب (هي حصر الأغراض العسكرية في سحق جيوش العدو خلال الحرب). أم ما تبقى من نظريات كلاوزافتش فيرجع إلى ماض انقضى وحل محله عهد جديد. ويرى لودندورف أن الحرب الحديثة لم تبق حرب جيوش وقوى عسكرية فقط هـ وإنما هي حرب مطلقة تقوم على حرب الأمم ضد الأمم. ويجب بناء على ذلك أن تضع الأمة كل قواها العقلية والأدبية والمادية في خدمة الحرب، وأن تكون هذه القوة أثناء السلام مخصصة للحرب التالية. ذلك لأن الحرب في نظر لودندورف هي أعظم تعبير عن إرادة الأمة في الحياة، ولهذا يجب أن تكون السياسة عبداً مطلقاً للحرب وأداة مطيعة لها.

ويرى لودندورف أن الحرب وسيلة لا غاية لها؛ ولهذا يجب أن تعد الأمة للحرب، وأن تكون دائماً على قدم الاستعداد له. ويرجع لودندورف هزيمة ألمانيا في الحرب الكبرى إلى الدعاية النصرانية والدعاية اليهودية، ويقول إن العقيدة النصرانية، والحياة التي تترتب عليها، لها أهم أسباب الانحلال القومي في الحرب المطلقة؛ ولهذا يجب أن تستبدل بهذه العقيدة أخرى تقوم على العقائد الجنسية، أو بعبارة أخرى تقوم على الإيمان (بألمانيا) وألمانيا وحدها؛ ومن ذلك تتفجر الوطنية الصحيحة. وتؤمن المرأة بأن أعظم واجباتها ينحصر في إنتاج أبناء أقوياء للأمة يحملون أعباء الحرب المطلقة، ويخصص الرجال ك قواهم لهذه الغاية. والخلاصة أن لودندورف يرى أن الغاية القومية المثلى هي أن يربى الشعب ويعد لغاية هي الحرب.

كتاب عن لوبية

نظمت في العام الماضي بعثة إنكليزية لتكتشف مجاهل صحراء لوبية بالسيارة، وأسندت رياستها للمستر كندي شو. وقد قطعت البعثة في جولاتها في الصحراء أكثر من ستة آلاف ميل؛ وأصدر أخيراً مستر ماسون هودر أحد أعضاء البعثة كتاباً عن هذه الرحلة الصحراوية عنوانه: (جنة الجهلاء وفيه يصف رحلة البعثة منذ قيامها بالسيارات من القاهرة واختراقها لصحراء لوبية جنوباً حتى الفاشر من أعمال السودان على خط 14 شمال خط الاستواء، ثم عودها إلى سواحل البحر الأبيض من طريق آخر، واختراقها (بحر الرمال الأعظم) الذي يغمر واحة سيوه. وقد كانت البعثة تجري في جولتها مباحث جيولوجية وجغرافية ونباتية وحيوانية لحساب الجمعية الجغرافية البريطانية التي جهزتها. وقد لقي أعضاء البعثة حتفه أثناء السير، وهو الكولونيل ستروث.

ويغرق مستر ماسون في وصف أهوال الصحراء ويقول لنا: إن الإنسان في الصحراء يفقد حواسه الحقيقية، ويرى في السهل الشاسع، وفي ضوء الشمس الساطع، الأرض المنبسطة تغلي وتترنح في السراب، وتملأ العين هواجس متعبة؛ وتُرى أشياء لا توجد، على حين لا تُرى أشياء خطرة، وقد لا ترى حتى يقع المكروه.

ويقول مستر ماسون: إن أغرب ما يلفت النظر وجود الحيوانات في هذا القفر الشاسع الذي لا توجد فيه قطرة من الماء؛ وكذلك مما يدهش الإنسان أن يرى في قلب الصحراء وادياً عجيباً تظله الأشجار الباسقة هو (وادي حوار) وهو واد لا يصل الماء إليه من أي النواحي.

معلومات عن بلاد التتار

وقعت في بلاد التركستان الصينية منذ ثلاثة أعوام حوادث عسكرية وسياسية خطيرة لن تتضح حقائقها لبعد الشقة وانقطاع المواصلات، ولكن جريدة (التيمس) الإنكليزية أوفدت إلى الصين مراسلاً خاصاً لها هو المستر بتر فلمنج ليقف على سير الحوادث بنفسه ويعلنها للعالم، فسافر مستر فلمنج إلى الصين، وانقطعت أخباره شهوراً عدة حتى ظن أنه قتل أو ضل؛ ولكن ظهر فيما بعد أنه اضطر أن يخترق الصين كلها من بكين إلى الغرب ليصل إلى مدينة كشغر عاصمة بلاد التتار (التركستان الصينية)، وأنه نجح في مهمته، ودرس الحوادث والشئون في تلك الأنحاء درساً حسناً.

وقد أصدر مستر فلمنج أخيراً كتاباً جامعاً عن رحلته بعنوان (أنباء من بلاد التتار ويستخلص من رويته أن حكومة سنكيانج (التركستان الصينية) التي يرأسها الجنرال شنج واجهت ثورة خطيرة قام بها التتار والتونجان، وكادت الثورة تكتسح كل شيء لولا تدخل السوفييت العسكري ومعاونتهم للجنرال على تثبيت أقدامه؛ وكان الجنرال شنج قد قبض على زمام الحكومة منذ سنة 1933، وأرغم حكومة نانكين الصينية على الاعتراف بمركزه. والآن يسود حكم الجنرال شنج في معظم بلاد التتار، ولكن السلطان الحقيقي في يد السوفييت الذين يحتلون مراكز السلطة في البلاد كلها، ويحاذر السوفييت الآن من بث الدعوة الشيوعية في بلاد التتار، ولكنهم يبعثون أبناء الكبراء والموظفين في كل عام مجاناً إلى طشقند ليتعلموا في مدارسها، ويعدون بذور دعوتهم من طريق النشء.

وكتاب مستر فلمنج جدير بالقراءة، لأنه يتحدث عن بلاد شرقية لا نعلم الكثير من شؤونها. وقد كتب بأسلوب شائق.

النشيد القومي - (الغلطة الثانية)

نبهنا إلى الغلطة الأولى في هذا النشيد الذي يراد فرضه على مصر، وطلبنا الرد عليها وانتظرنا ثلاثة أسابيع فلم يرد أحد، وعلى ذلك فقد سلموا بها تسليماً تاماً بلا قيد ولا شرط، وأصبح قول ناظم النشيد: (سأهتف باسمك ما قد حييت) كاملاً معكوساً فاسداً يخالف العربية والعامية.

والآن نذكر الغلطة الثانية، ونحن على يقين أن صاحب المعالي وزير المعارف الرجل العالم والأديب سيكتفي بالغلطتين. أما القراء فلابد أن ينتظروا إلى نهاية العدد.

يقول ناظم النشيد:

غرامك يا مصر لو تعلمين ... قصارى شعوري (دنيا ودين)

قصارى شعوري معناها غاية شعوري ونهاية شعوري. ومن الطريف أن بعض قراء الصحف قرأ هذه الكلمة (قَصَارِى) بفتح القاف وكسر الراء!

ولكن ما هو إعراب (دنيا ودين)؟

أهي مرفوعة؟ لا. أهي مجرورة؟ لا. إذن هي منصوبة ولا وجه لنصبها إلا على التمييز، فهل تصلح تمييزاً أولاً؟

يشترط في التمييز أن يكون رافعاً لإبهام. والشعور هنا جنس مبهم يحتاج إلى تمام يفسر معناه، كالحب أو الكره أو الغضب وغير ذلك من أنواع الشعور. ولكن (الدنيا) ليست من أنواع الشعور فلا تصلح لرفع الإبهام عنه وتفسيره إلا إذا صح أن يقال: غرامك ي مصر غاية شعوري قمحاً وبناً وسكراً، أو نهاراً وجبالاً وحيواناً وسماء وأرضاً. وهذا كلام فاسد لا معنى له.

ثم أن الدين ليس شعوراً، بل هو عقيدة وعمل، فهو كذلك لا يصلح للتمييز هنا؛ وإذ صلح فأي مسلم يتجرأ على أن يعتقد أن غاية الشعور ونهايته من الدين الإسلامي غرام مصر؟ إذا اعتقد المسلم هذا ونادى به فهو زائغ العقيدة، ويكون النشيد القومي ضلالة يجب محوها، ويحرم على جميع المسلمين أن يقبلوه.

وإذا أريد من (دنيا ودين) الحياة الدنيا والحياة الأخرى كان هذا أقبح وأسخف. وأي مسلم يتجرأ على أن يقول: إن غرام مصر غاية شعوره من الحياة الآخرة؟

س. ط

بكلية الآداب

أقصوصة حب اللحم

علقت الرسالة على أقصوصتي (حب اللحم) تعليقاً فهمت منه أنها لم تفطن للسبب الذي من أجله آثرت هذا الحل الذي لم يرقها والذي (لا يرضي الخلق الجميل) على حد تعبيرها - ولعل الأستاذ المحترم صاحب التعليق فاته أن (روحية) هي بطلة القصة، وأنها لم تكن موافقة على تلك الجريمة التي دبرها صلاح. ولذلك قالت له: (حرم عليك يا صلاح. . .) ثم راعها أن تسمع السيارة تنقذف في النيل، فقالت: (وَيْ. . . اسمع! لقد انقذفت السيارة في الماء!!) فلما قال لها صلاح: (بمن فيه طبعاً!) لم تزد على أن قالت: (يا للقسوة!!) وقد أخطأ الصفاف، فجعلها (يا للقوة) مُسْقِطاً السين.

وأحسب الأستاذ صاحب التعليق يعلم أن بطل القصة عادة يحمل رأي الكاتب وإن لم يكن هذا شرطاً غاماً، فقد تكون القصة كلاًّ لا يتجزأ، وقد تكون - بل ينبغي أن تكون عادةً - درساً يرمي إلى غرض ما. ومن سياق القصة تحس الكراهية الشديدة لقصر العلاقة بين الزوجين على الجنس دون القلب، وكان بيومي أفندي رمز الجنس في القصة، وكان صلاح رمز الروح فيها. فأي شيء لا يرضي الخلق الجميل في أن ينتصر الروح على الجنس ويقذف به في النيل؟

واحسبني أهيج زعماء ثقافة اليسار إذا قلت إن القانون لجنائي في الشريعة الإسلامية معطل في مصر، فكيف يكون القصاص من زوج زان وسكير ومبذر تضبطه زوجته غير مرة زانياً وسكيراً ومبذراً؟ هل تملك تطليقه؟

هذا ولا يفوتني أن أعتب على صاحب التعليق أسلوبه، فأنني لا أنشد بقصصي الكثيرة إلا خُلُقاً جميلاً.

دريني

(الرسالة) نوافق الأستاذ الدريني على أنه ينشد بقصصه الخلق

الجميل، وهو ولا شك يوافقنا على أن الدين والقانون هما

جوهر الخلق الجميل، والدين يأذن للزوجة المضرورة أن

تطلب الطلاق وتثبت الضرار فيحكم القاضي بالتفريق،

والقانون لا يجيز لحبيب الزوجة ولا لغيره أن يقتل الزوج

وعشيقته على هذه الصورة.