مجلة الرسالة/العدد 172/نهضة المرأة المصرية

مجلة الرسالة/العدد 172/نهضة المرأة المصرية

ملاحظات: بتاريخ: 19 - 10 - 1936



رسالة وجوابها

رسالة الآنسة أمينة

سيدي الأستاذ فليكس فارس: -

دفعني إعجابي الشديد بمقالتكم في (الرسالة) إلى الإقدام على الكتابة لأقدم لكم خالص شكري وشكر زميلاتي على ما تفضلتم به (على الجنس الضعيف) من نصائح ثمينة، ودرس عميق في سبيل رفع مستوى المرأة المصرية.

ومع أنني يا سيدي أؤمن بكل كلمة كتبتها تحت عنوان: (نهضة المرأة المصرية) وواثقة بأنكم درستم الموضوع من جميع نواحيه، فأني أرجو أن تتفضلوا بالسماح لي أن أضيف مشهدين آخرين (هما مقتل الأمة، وعلة دمارها):

الفتاة المصرية الحديثة ضحية استبداد أهلها وضحية ضلال الرجل وغروره.

المشهد الأول: أسرة مؤلفة من أب وأم وبنين وبنات، ثقفت الفتاة منهن أحسن ثقافة، وتحلت بأجمل ما في الأخلاق الغربية والشرقية، وبعد ذلك تقبر في بيت ذويها حيث تبقى مسلوبة الحرية، إلى أن يمن الله عليها بمن يخطبها من أهلها فتصبح زوجة لمجهول (نكرة ضمت إلى نكرة، فتبدأ المآسي. . . .) فهي فاقدة حرية التصرف في مسألة اختيار زوجها، كما أنها مضطرة إلى التسليم بمن يختار لها بعلاً كي تتخلص مما هي فيه من. . .

سيدي: إنني أشفق على نفسي وعليكم من ذكر بعض ما تتحمله الفتاة المصرية من آلام نفسية ومادية وهي بين أهلها. فهي دائماً في خلاف مستمر لما بينها وبينهم من تفاوت في العلم والتفكير والرقي، وتعسة مع زوجها النكرة لما بينها وبينه من تنافر الأخلاق والطباع. إن الأمة المصرية اليوم في دور انتقال من القديم إلى الجديد، ومن الاستعباد إلى الحرية في حياتها السياسية والعلمية والأخلاقية والنفسية؛ ومن الصعب جداً التوفيق بين القديم والجديد، ولابد لكل دور انتقال في حياة الشعوب من ضحية - والفتاة المصرية اليوم هي ضحية هذا التطور.

المشهد الثاني: ينقسم الشباب المصري إلى قسمين: قسم لا يفكر في الزواج مطلقاً بل يفضل أن (يتلاقى بالفتاة التي تركها وهي مثقلة بالأوصاب من أن يعيش وإياها مستنيراً بأنوار شمس الله). وقسم يتطلب في الفتاة المستحيل من الكمال والجمال والمال، وأهمها المال، فيجعل نصب عينه الزواج كصفقة مالية فيبحث عنها أين كانت؛ وزواج أساسه المال هو بالطبع بدء حياة الشقاء للزوجين.

أراك يا سيدي بالرغم من دفاعك عن المرأة ومعالجة مسألتها معالجة صحيحة قويمة تلومها لنزولها إلى ميدان العمل. اسمح لي يا سيدي أن أقول إن المرأة المصرية الحديثة لم تتمرد مطلقاً على وظيفتها الطبيعية. فأنها بالرغم عن ثورة نساء العالم الربي المتمدين ومطالبتهن بالمساواة فإن المرأة المصرية ما زالت هادئة وادعة لا تهمها إلا شؤون بيتها وأولادها أو علمها وثقافتها - قانعة بكل ما يأتيها الزمان من سعادة أو شقاء. تقول يا سيدي (إن المرأة المترجلة الضلول ليست هي من نرجو لإحياء الأسرة وخلق الأمة الحية) وأظنك تقصد بالمترجلة المرأة العاملة. إن المرأة يا سيدي لا تنزل إلى ميدان العمل إلا إذا ألزمتها الحاجة القصوى إلى ذلك. أؤكد ذلك باختبار شخصي كما أنني شاهدت حالات كثيرة كان الدافع فيها لخروج الفتاة إلى العمل الاضطرار.

إن الفتاة المصرية هي الوحيدة التي لم تفقد أنوثتها ورقتها بالعمل؛ فهي وإن اضطرت إلى العمل تحن دائماً إلى تكوين بيتها والاهتمام بزوج مخلص يعولها وإيجاد أطفال يصلحون لتكوين الأمة القوية أجساماً السليمة عقولاً.

إنك يا سيدي تنكر على المرأة العمل ولكنك إذا بحثت في سبب ذلك تجد أن الرجل هو الذي دفعها إليه. فهو يهملها، أي يضرب عن الزواج، فتضطر إلى العمل لتمضية وقتها الطويل الممل، أو لكسب عيشها، وربما كانت تعول أسرة بأسرها. كل امرأة متهتكة أو عاملة هي صنيعة الرجل لأنه هو الذي حرمها العيش ومرّر حياتها فدفعها إلى ما هي فيه من بؤس.

وأخيراً تقول يا سيدي: (ليس كالمرأة من يصلح المرأة أو يفسدها. . .) ونقول: (ليس كالرجل من يصلح المرأة أو يفسدها. فهو بيده كل شيء. هو القادر أن يصونها في بيته فتصير له زوجة صالحة شريكة حياته وأم أولاده. كما لو كان أباً أو أخاً يمكنه أن يعول ابنته أو أخته فيعاملها بحنو ومحبة حتى لا يضطرها إلى السعي وراء عيشها. الفتاة المصرية الحديثة وديعة وضعيفة جداً، فهي تهاب العمل وتأباه ولا تلجأ إليه إلا مرغمة.

تجد يا سيدي اليوم ألوفاً من الفتيات المصريات المتعلمات الراقيات قعيدات البيوت؛ فماذا يفعلن وكيف يضعن ساعاتهن التي تبدو لهن أبدية؟؟ لذا تجدهن حيارى لا يعرفن كيف يتصرفن ليكسبن قلب الرجل. فإن هن اشتغلن قيل عنهن مسترجلات غير صالحات للزواج، وإن هن مكثن في منازلهن ذقن من أهلهن كل أنواع التقريع والهوان لأنهن بائرات. فكيف الحل وأين المصير؟).

عفواً يا سيدي ومعذرة، فما دعاني إلى كتابة هذا إلا يقيني من إخلاصكم في سبيل الخير العام لخدمة المرأة المصرية الحديثة. وما هذه إلا نفثة من نفثات حارة مكتومة.

(قصر الدوبارة)

أمينة

جواب الأستاذ فارس

سيدتي الآنسة الناهضة:

أشكر لك شكرك لما أدليت به من آراء في مبحث المرأة، وأعجب فيك بعاطفة تنير وفكر يحلل ما يراه ظلماً وإرهاقاً. وقد حقَّ على كل عربي يتوق إلى إحياء حضارته أن ينحني إجلالاً أمام الرجولة في خُلق فتاة قومه، كما حقَّ له أن يرد جموح الترجّل في حياتها الاجتماعية.

إن ما فاتني ذكره في مقالي (نهضة المرأة) من محن الفتاة المصرية خاصة والعربية عامة لم يفته إيلامي وإيلام كل مفكر وطني لا تفتح الحياة جرحاً في كيان قومه دون أن يشعر بذلك الجرح في صميم فؤاده. وما اصطدام الفتاة بمن وبما حولها، وتعارضُ حياتها وما استقرّ فيها من الحوافز شعوراً وتفكيراً إلا من أعمق هذه الجراح وأخطرها عاقبة وأصدقها إنذاراً.

إن ما تلفتينني إليه، أيتها الآنسة الفاضلة، يتناول جزءاً من بحث كامل في حالة المرأة أوردته في فصل (منابت الأطفال) في كتاب رسالة العنبر إلى الشرق العربي، ولكنتُ أكتفي بهذه الإشارة لولا أنني أعلم أن كل معضلة اجتماعية لها منافذها العديدة يتطلع إليها المفكرون كلٌ من موقفه الخاص، فلا يمكن للحلول التي يوردها أي كاتب إجمالاً في أية قضية اجتماعية أن تشمل جميع دقائقها وأنواعها، لذلك رأيت من واجبي الوقوف معك أمام ما تبين لك من أعراض الداء لأحاول معالجته جهدي.

إنك ترين أولاً أن الفتاة المصرية ضحيةُ استبداد أهلها.

فعلاَمَ يمكن أن يقع الخلافُ بين فتاةٍ وأهلها؟

إنه إن وقع على طُرق المعيشة في البيت، من حيث المأكل والملبس والرياش، فلا أحسب الأهل معارضين ابنتهم في كل تحسين تريد إدخاله، إذا هي لم تتجاوز حدود طاقة العائل، وليست المسألة في هذا الأمر من قبيل اصطدام الجديد بالقديم، بل هي مسألة تقدير بين ما يمكن الحصول عليه والطاقة المتوفرة. وللفتاة الرأي وليس لها الحكم في هذا، ولا أعتقد أن في العالم آباء وأُمهات يضنون على فلذة أكبادهم بما يرونه ضرورياً. فإذا كان هنالك أبٌ يجود على نفسه ويحرم رعيته، وهي وديعة الله بين يديه، فمثل هذا الأب مسخٌ لا يصح أن يتُخذ أساساً لبحثٍ اجتماعي.

لقد لاح لك، يا سيدتي، أن سوء التفاهم ناشئ من التطور، وأن الفتاة هي الضحية بين رقيها وجمود أهلها، أما أنا فيلوح لي أن في وصف كل قديم بالجمود، ووصف كل جديد بالرقي على الإطلاق خطأ قد يكون هو السبب في ازورار الأبناء عن الآباء في هذا العصر وفي كل عصر، فالحقيقة التي بقع الخلاف عليها إنما هي حقيقة لا دخل للقديم والجديد فيها، لأن الحقيقة قد تكون في أحدهما دون الآخر أو في كليهما، ولا يمكن للباحث أن يقف في جنب الأبناء على كل حال آخذاً برقيهم كبرهان على جمود آبائهم. وكثيراً ما تغتر الشبيبة بتطورها، فإذا ما تحسبه رقياً نوعٌ من الهوس وضربٌ من الغرور. ويقيني أن ليس للفتاة من يعطف عليها عطف أمها وأبيها مهما بعدت بينها وبينهما شقة الثقافة والعلم. ومهما بلغ حب الفتاة لأبويها فأنه يبقى دون حبهما لها، ولكن قد يتلبس حب الأبوين بعقيدة لهما في الحياة تختلف وعقيدة الفتاة فيبدو لها هذا الحب بغضاً وتحكماً واستبداداً. فإذا كان العلم والتهذيب لم يرفعا بروح هذه الفتاة إلى مرتبة الرقي الحقيقي ولم ينيلاها من النور ما تكشف به الظلام عن بصيرتها وبصائر من حولها أخذت بالظواهر فانقلبت ثائرة تطمح إلى إقناع أهلها بالعنف معتقدة أن من حقها وقد تعلّمت وجهلوا أن تصبح أماً لأبويها فلها الأمر وعليهم الطاعةُ العمياء.

إن الفتاة التي لا يوصلها علمها وثقافتها إلى إقصاء الأوهام عن كل قديم وعن كل جديد، وإلى الوقوف تجاه أهلها موقف من يحمل نوراً لا من يحمل ناراً، لا تكون قد قطعت شوطاً بعيداً في مجال الثقافة الحق.

إن في العالم اتجاهاً إلى التكامل بارتقاء الأنسال المتتالية، وفي طبيعة الأبوين ما يجاري هذا الاتجاه بشعورهم الخفي بتفوّق أبنائهما، وليس من كائن في الأرض لا يقف في نصف طريق حياته مدركاً أنه ضيَّع الكثير من عمره، فهو يؤمل أن يفوز أبناؤه بما فاته من الحياة. فإذا ما عرفت الفتاة هذا واستعانت على أبويها بحبهما لها، فلا بد لها من استجلابهما إلى ما ترى إذا هي اتجهت إلى الصواب ولم تؤخذ من بهارج التجديد بما يقودها ويقود أهلها معها إلى الدمار.

أما إذا كان الخلاف واقعاً من طموح الأهل إلى إرغام الفتاة في اختيار الزوج، فما أراه، هو أن الآباء في كل زمان يغالون في حرصهم على مستقبل بناتهن فيتجاوزن بحق الاختيار الحدَّ الذي يتحصّن وراءه الاختيار الطبيعي الكامن في فطرة الفتاة، وعلى حرية هذا الاختيار تُبنى السعادة في الزواج ويضمن إيجاد النسل الصحيح.

وظاهرة هذا التحكم تصطدم اليوم بما تنبّه في الفتاة من شعور وقد أصبحت تدرك مميزاتها الشخصية وتستجلي سريرتها. وما أخالني قصّرت في مقالي عن نهضة المرأة عندما حملتُ فيه على هذا التحكم الذي وصفتُه تحكماً في قضاء الله وقدره.

إنني وأنا أدرك الأسباب التي تحدو بالآباء إلى الاهتمام بمستقبل بناتهنّ، مقدراً هذا العطف وهذا الحنان قدرهما، لا يسعني إلا لفت هؤلاء الآباء إلى خطورة موقفهم في هذا الأمر فأدعوهم إلى احترام الأمانة الضعيفة ولها رجاحتها في الذمم، كما أدعوهم أيضاً إلى التبصر في عاقبة الزواج المبني على الإكراه.

أي أب يقدم على إكراه ابنته على الزواج بمن تنفر فطرتها منه، إذا هو عرف أن حفيده من هذا الزواج سيجيء الحياة معتّلاً بجسمه أو مختلاً بعقله. . .

وهل في الشرق العربي اليوم من لا يزال يقول:

بنونا بنو أبنائِنا وبناتُنا ... بنوهنَّ أبناءُ الرجالِ الأباعد؟

أبيننا من لا يزال يعتقد وهو في القرن العشرين أن الرجل هو مصدر الحياة وأن المرأة ليست إلا مستودعاً للجنين.

لو يعلم القيمون المُكرهون أية جناية يأتون بتحكّمهم في الفطرة التي لا يسع الفتاة نفسها أن تتحكم فيها لكانوا يرعوون عن غيهم، إذ يتضح لهم أن وأْد البنت في الجاهلية كان أقل فظاعةً من وأدها في زواج تموت فيه حيةً لتقذف إلى الدنيا بأطفالٍ تتعثر الإنسانية بهم في سيرها نحو الرقي.

غير أنني لا أعتقد أن في هذه الأيام من هؤلاء القيمين الأغرار عدداً كبيراً؛ وإذا كان هنالك بقية منهم، فأنني لا أعتقد أن من فتيات اليوم من تستنيم لهذا الضيم، فأن الفتاة المهذبة التي تشعر بشخصيتها لا يسهل على وليها أن يرغمها على الزواج بمن تكره، وهي تعلم أن الشرع السامي لا يأخذ بالإيجاب دون قبولها الصريح، ولكن إذا كان الإكراه غير مباشر وكانت الفتاة تلجأ إلى القبول بأي زوج للتخلّص من أهلها، فإنها في هذا الموقف مشاركة لهم في جرمهم إذا هي تصنّعت الحب، وتكفلت الإغواء تكلفاً لرجل يريد إدخال الحياة إلى مسكنه فلا تدخل إليه إلا مبدأ الشقاء والموت.

على الفتاة المثقفة في مثل هذه الحال أن تجاري فطرتها وتتحصن بحوافزها فلا تستسلم للتمثيل الدنيء، لأنها إذا كانت مُرغَمة على عدم النفور فلا شيء يرغمها على التظاهر بالحب والقبول لتسقط أبرياء في شركٍ تكون هي الضحية الأولى فيه.

ولكن هنالك من الرجال من غلظت رقابهم، وانطمس شعورهم إلى درجة لا يميزون فيها بين فتاة تميل إليهم وفتاة تنفر وتشمئز منهم. فويلٌ للمجتمع من مثل هؤلاء الرجال الذين تطفح فطرتهم بالشهوة وليس في قلبهم من الحب إلا خياله الأسود. أولئك الذين طغت عليهم الأنانية حتى خيّل لهم أن كل فتاة يطلعون عليها بمناكبهم العريضة وفي يدهم بعض المال وبعض الحليّ تخر ساجدة أمام بهائهم وعظمة أقدارهم، ويلٌ لبنات الأولياء المتغطرسين من رجل يحسب نفور الضحية حياء وازورارها دلالاً.

إن مثل هذا المخلوق لأشبه بالقابل الكهربائي لا بطّارية فيه ليحس باتصال الجهاز المقابل به أو انصرافه عنه. وكم من رجلٍ في القرن العشرين يذكّرنا برجل الكهف يترصد الأنثى على الطريق فيبدأ بقرع رأسها بحجر ليفقدها رشدها أولاً. . .

ولو عرف هؤلاء المغرورون عواقب اعتدائهم لابتعدوا عمن تجول شهوتهم حولها لا رحمة بها، وهم لا رحمة فيهم، بل إشفاقاً على أنفسهم التي اتخذوها من دون الحق معبوداً.

لابدّ لنا ونحن في موقف الباحث يشفق على المعتدي في جهله كإشفاقه على الضحية في ضعفها، من أن نشير ولو تلميحاً إلى حقيقة أدى الجهل بها إلى معظم هذه المصائب التي تقضي على الأسر وتهدّ من بنيان المجتمع.

إن المرأة المُكرَهة في زواجها لا تُضار في جسمها ونفسها بقدر ما يُضار زوجها الباغي عليها، لأن في تكوين المرأة ما يساعدها على عزل قسطها من الإيجاب في وضعها السلبي، فتقي خلاياها من أن ينفذ إليها ما هو ترياق لها في حالة شوقها وما يصبح سماً زعافاً في حالة نفورها كما لها أن تقي أعصابها أيضاً من الهزّة الشاذّة عن طبقتها فينزلق الإكراه عليها انزلاقاً، وعندئذ تعمل الطبيعة عملها بردّ الفعل في جسم الرجل ونفسه وهو لا يدري، فكأنه لا حس المبرد يحس بالارتواء الكاذب وهو يشرب من دمه.

ما أكثر من عرفت من هؤلاء الرجال الذين تزوجوا بالإغراء، فقامت شهوتهم وأطماع الفتاة نفسها أو أطماع أهلها مقام الحب المتبادل، فرأيتهم يباهون بزوجاتهم كأنهن تكملة للرياش الفاخر في مساكنهم، ثم تمرّ الشهور فإذا هم يجرّون أرجلهم جراً بعد أن كانوا يسيرون في الأرض مرحاً، وإذا النور ينطفئ في أحداقهم وحق الطبيعة يكتب على جباههم آية الفاشلين.

ويلٌ لمن يخدع نفسه بمظاهر القبول ولا يبالي بإيجاب ما يشعر به كاملاً في سريرة من يريدها شريكة لحياته وأماً لأطفاله، إن هذا الرجل لأشبهُ بالتائه في الصحراء يتوقّع في كل مرحلة إرواء غليله من السراب يتوهج ماؤه، يتباعد إلى الآفاق كلما توهّم الوصول إليه.

هذا ما نراه في معضلة الإكراه الذي تشكو منه بعض فتيات البلاد، وما نشأت هذه المعضلة إلا من أطماع المزوّجين وضعف المروءات في المتزوجين.

أما علاج هذا الداء فميسور بعد بيان ما تقدم بيانه إذا نفذت أشعة الحقيقة إلى قلوب الغواة والطامعين، إذ لا يمكن أن يبصر عبيدُ الشهوات ما تفتح ضلالاتُهم من مهاوٍ تحت أرجلهم دون أن يرتدعوا عن الانتحار والقضاء على أنسالهم، ولكنَّ في الحياة كثيرين ممن اتسعت أحداقهم ولكنهم عميٌ لا يبصرون.

(تتمة البحث عن شباننا وسبب إضرابهم عن الزواج وعن العلة في بوار الفتيات في مقال آخر)

(الإسكندرية)

فليكس فارس