مجلة الرسالة/العدد 179/قسوة الطفولة

مجلة الرسالة/العدد 179/قسوة الطفولة

ملاحظات: بتاريخ: 07 - 12 - 1936



للأستاذ أمجد الطرابلسي

عُدْ به للوطن الغا ... لي وِللامِّ الرؤومِ

عد به للموْكن البا ... كي وللصّحب الوُجومِ

عد به للِفْنَنِ الذا ... وي وللزَّهر الكليم

وارحَم اليُتْمَ فمن أص ... عبَ عيشاً مِن يتيم

زهرةٌ فواحةٌ مَط ... روحَةٌ فوقَ الأَديم

وُئدَتْ في عُنفُوان ال ... حُسْنِ ما بيْنَ الرّجوم

تَطأُ الأقدامُ خَدَّي ... ها على التربِ الوَخيم

أيّها الطفلُ - وهَلْ أَر ... هَبُ من طِفْلٍ غَشوم -

ما جنى ترْبُكَ حَتَّى ... سِمَ أَلوانَ الهُموم؟

هُوَ يا طفلُ حزينٌ ... جائعٌ غيرُ فَطيم

صامتٌ يجهلُ بَثَّ ال ... حزِن والكربِ العَظيم

أَيُّ مسكينٍ غريبٍ! ... أيُّ مظلومٍ مَضيم!

جسْمُهُ الأَزْغَبُ لايَنْ ... هَضُ بالخَطْبِ الجَسيم

يَتَنَزّى فَرَقاً كالزّ ... هرِ في مَسْرى النَّسيم

أَوْ كَغُضْنٍ مُرْعَشٍ ما ... بينَ عَصْفٍ وَهَزيم

أُمُّهُ يا طفلُ تَبكي ... في دُجى اللَّيْلِ البَهيم

تَتَمَشَّى فَوْقَ أغصا ... نِ الرّبى مَشْىَ السَّقيم

تَسْأَلُ الأَزْهارَ عَنْهُ ... وَعناقِيدَ الكُروم

والنسَيمْاتِ اللّواهى، ... ونُثاراتِ الغُيوم

لم تذُقْ طَعْمَ الكرى في ... وَكْرِها الداجي الوَجوم

أكَرىً والدَّمْعُ ما بَي ... ن نَثيرٍ وَنَظيم؟

والجوى يَعْصِفُ بالأَضْ ... لاعِ والقَلْبِ الهَشيم

أكَرىً بَعْدَ فِراقِ الأَ ... هلِ أَوْ فَقْدِ النَّديم غَابَ لا تدْري أَحَيٌّ ... هُوَ أَمْ بَعْضُ الرَّميم

أَسَجينُ القَفَصِ الخا ... نِقِ أَمْ فَرْسَةُ بُوم

أنا يا عُصفورُ منْ ير ... أَفُ بالغَمِّ الكَظيم

ما بأَشْجانِكَ يا مِسْ ... كينُ مِثلي من عَليم

هِجْتَ في قَلْبيَ جرحاً ... غافياً جِدَّ قَديم

هو عطفُ الأُمِّ، ما أَن ... دْاهُ في القَلْبِ الكليم!

لم أَذُقْهُ؛ ليتَ لي منْ ... قدْسِهِ بَعْضَ رسوم

إيهِ يا عُصْفورُ هذي ... سُنَّةُ البَغْيِ الذميم!

هكذا الناسُ! فمنْ عا ... دٍ وَمٍنْ نَهْبٍ هَضيم

ظالم يَقْسوا عَلى ال ... حقِّ انتصاراً لظلوم

وجريح مُؤْلم يح ... نو على الجرحِ الأَليم

القصورُ الشمُّ نَشوى ... الراح واللَّحْنِ الرّخيم

والدموعُ الحُمْرُ تَنْ ... هَلُّ منَ الكوخِ الهَديم

ساكِنُ الفِرْدَوسِ لا يُد ... ركُ وَيلاتِ الجحيم

وهو في الأحلامِ واللّ ... ذاتِ والعِزِّ المقيم

أينَ طعمُ العَسَلِ الدفّ ... اقِ منْ لذَعِ الحميم!

أينَ مَرُّ النسمة الحُل ... وةِ من لَفْحِ السَّموم!

أينَ أَصْداءُ الأغاري ... دِ وَهَمْساتُ النُّجوم

من عويلِ الأَكْبدِ الحَرَّ ... ى وأَناتِ الجُسوم!

عدْ بهِ للوطَنِ الغ ... الي وللامِّ الرَّؤوم

وارحَمِ الضَّعْفَ فما يَسْ ... حَقُهُ غيرُ لئيم

سافِكٍ لا يَعْرِفُ الرَّأْ ... فَةَ أَوْ أَسْوَ الكُلوم

يَتَلَهَّى بالدَّم المُهْ ... راقِ والدَّمْعِ السَّجيم

كيفَ تَصْفو عِيشَةُ الحُ ... رِّ وَأَفراحُ الكَريم

وعَلى الأَرضِ شَقُّى ... واحِدٌ نِضْوُ غُموم كُنْ رَحيماً إنما الإِنْ ... سانُ ذو القَلْبِ الرّحيمِ

(دمشق)

أمجد الطرابلسي