مجلة الرسالة/العدد 181/في الأدب المقارن

مجلة الرسالة/العدد 181/في الأدب المقارن

ملاحظات: بتاريخ: 21 - 12 - 1936



غرض الأدب في الأدبين العربي والإنجليزي

للأستاذ فخري أبو السعود

التعبير عن خوالج النفس الإنسانية وتأثراتها بمظاهر الكون المحيطة بها هو غرض الفنون جميعاً ومن بينها الأدب. ولا يرقى الأدب إلى مرتبة الفن السامي حتى يكون ذلك التعبير عن المشاعر النفسية غرضه الوحيد، منزهاً عن كل غرض خارجي أو مطلب مادي؛ فإذا خالطه شيء من ذلك هبط إلى مرتبة الصناعة، ولم يعد له في النفوس ذلك الوقع المطرب الذي تتركه فيها الفنون الجميلة

وقد ظل التعبير الحر الصادق عن نوازع النفس غرض الأدب الإنجليزي الوحيد في أغلب عصوره، فلم يكن غرض الكاتب أو الشاعر مما ينشئ إلا الإفصاح عما يشعر به أو يفكر فيه؛ فزخر الأدب في عصوره المتوالية بألوان الشعور وأشتات الأفكار في مختلف مشاعب الحياة ومتباين حالات النفوس؛ وتناول بالتصوير والتحليل دخائل النفوس وأغوار الطباع وأطوار الأفراد والمجتمعات، ولم يدع فحوله شاردة ولا واردة من نوازعهم وبوادرهم ومشاهداتهم وتأملاتهم إلا أثبتوها في منشآتهم وأبرزوها في روائع الصور

وكذلك كان التعبير الصادق المنزه عن الغرض الخارجي غاية الكثير مما نظمه الشعراء وسطره الكتاب في العربية، وحفل الأدب العربي بالرائع من الحكم والأمثال والدقيق من أوصاف النفس وغرائزها وميولها؛ وأمثلة ذلك أكثر من أن تحصى أو يشار إليها، وإنما نذكر منها الوصايا المنسوبة إلى بعض فحول العربية، كذي الإصبع العدواني وعلي بن أبي طالب، ومنها وصية ابن هراسة لابنه حيث يقول: (إن من الناس ناساً ينقصونك إذا زدتهم، وتهون عليهم إذا أكرمتهم. ليس لرضاهم موضع فتقصده، ولا لسخطهم موقع فتحذره. فإذا عرفت أولئك بأعيانهم، فأبد لهم وجه المودة، وامنعهم موضع الخاصة، ليكون ما أبديت لهم من وجه المودة حاجزاً دون شرهم، وما منعتهم من موضع الخاصة قاطعاً بحرمتهم)

غير أن في الأدب العربي بجانب ذلك آثاراً كثيرة لم يكن التعبير عن خوالج النفس غرضها، ولا الصدق شعارها، فهي لذلك لا ترقى إلى مرتبة الفن الجميل، ولا تؤث النفس تأثيره، وإنما هي أدنى إلى الصناعة؛ لها كالصناعة غرض مادي تؤديه وغاية خارجية تخدمها. ولا غرو كان العرب يسمون النظم والنثر بالصناعتين، ويعدون الأدب (صناعة) أو (آلة) (يتعاطاها) صاحبها، ولم يكن لكلمة (الفن) لديهم ما لها اليوم من المعنى السامي

بلغ الأدب العربي مرتبة الفن السامي في عصر الجاهلية، حين كان أشراف القبائل وحكماؤها يودعون الشعر حكمتهم وإطرابهم وأحزانهم؛ فلما قامت الدولة العربية صحبتها عوامل لم تكن لتساعد على اطراد رقي الأدب في وجهته الصحيحة، بل عملت في غير ناحية على تقهقره وفقدانه ما كان له من الجاهلية من قوة وصدق وسمو، وهي سمات الفن الصحيح، حتى أصبح من السهل تقسيم الآثار الأدبية، بل تقسيم أثار كل أديب مفرد، إلى قسمين: قسم صادق يصدر عن شعور صحيح ويدخل في دائرة الفن السليم، وقسم كاذب مملوء بالمفارقات والمبالغات يمت إلى الصناعة ولا يمت إلى الفن

وأول تلك العوامل ذيوع التكسب بالشعر، فأنه جعل للشعر غرضاً سوى التعبير عن خوالج النفس الذي هو غرض الفنون جميعاً، وصير له غاية مادية هي صلة الممدوح التي قامت مقام الحافز النفسي والشعور الصادق، فسارع إلى الشعر الكذبُ والمبالغة، وهبط عن مرتبة الفن السامي وصار صناعة تمارس ويبرّز فيها ذوو اللباقة والمهارة، لا أصحاب العبقرية والنفوس الكبيرة؛ وداخل النثر من هذه السمات ما داخل الشعر، لأنه مثله سخر نفسه لخدمة الحاكمين

وثاني العوامل هو نزعة المحافظة والتقليد، التي سرعان ما تمكنت من الأدب العربي، حين أشفق العرب على أدبهم ولغتهم ودمائهم مما اجتاحها من هجنة الأعاجم الداخلين في دينهم ولسانهم ومجتمعهم؛ أدى ذلك إلى الضن الشديد بآثار المتقدمين والتبجيل العظيم لأشكال الأدب وصوره في عهدهم، والإعجاب المطلق بأشعارهم وخطبهم ذات اللغة الفصيحة السليمة؛ وتمادى الشعراء فقلدوهم في وعورة الألفاظ أحياناً، وفي المعاني وضرب الأمثال والاستهلال بالنسيب، وتمادى الكتاب فأنحوا على آثار المتقدمين محاكاة واقتباساً وتضميناً؛ وفي مثل هذا الجو من المحافظة والتقليد يخمد الفن الصحيح الذي يصدر عن صادق الشعور، ولا يسود إلا الصناعة التي تتكلف الألفاظ وتتعمل المعاني وثالث تلك العوامل اعتزال الأدب العربي غيره من الآداب، فهو قد أهمل الأدب اليوناني ولم يتأثر بالأدب الفارسي، إلا قليلاً عن غير قصد، واتصال الأدب بغيره من آداب الأمم شرط أساسي لدوام رقيه في معارج الفن السليم، لأن ذلك الاتصال يدخل في الأدب صادق النظرات والأفكار، التي تشترك فيها الإنسانية جمعاء على اختلاف المشارب واللغات، دون التفات إلى زخارف الألفاظ وتلفيقات المعاني، التي لا تمت إلى الطبع السليم بصلة، ولا تتعلق من الفن الصحيح بسبب. واعتزل الأدب غيره ينحرف به شيئاً فشيئاً عن وجهة الفن القويمة، ويميل به إلى ناحية التكلف والتعمل والتقليد والجمود والصناعة.

ولما كان الكاتب يكتب والشاعر ينظم ونصب أعينهما غايتان: إرضاء صاحب السلطان الذي تسخر له الأقلام، وإرضاء النقاد الذين لا يريدون عن مناهج الأولين حولاً، لم يسعهما إلا الإقلاع عن محاولة التعبير عن شعورهما الصادق، واللجوء إلى محاولة إظهار البراعة ليرضيا الفريقين، فصارت البراعة - لا صدق التعبير عن الشعور - هي غاية الأديب. فالبحتري وابن المعتز والبديع وابن العميد والحريري وأضرابهم، قلما نظموا أو نثروا بغية التعبير الصادق البسيط عن مشاعر حارة تعتلج في نفوسهم ولا يستطيعون لها حبساً، وإنما كان إبداء البراعة وطلب الإعجاب وتحري الأغراب ديدنهم في معظم ما أنشئوا، وكتاباتهم لذلك - حتى حين يجيدون - فاترة الشعور باردة الوقع لا تنفذ إلى القلب ولا تهز النفس، ربما أوحت إلى المطالع أن أصحابها بارعون، ولكن قلما توحي إليه أنهم نوابغ عظماء ذوو نفوس كبيرة ونظرات بعيدة

ولما جهد الأدباء في تقليد معاني الأقدمين ومناحيهم، واختراع أوصاف الممدوحين ومحامدهم، حتى لم يَعُدْ في مجال المعاني متسع لتكلف، التفتوا إلى الألفاظ يطلبون في مجالها السبق والبراعة، ففشت المحسنات اللفظية، فكانت انحرافاً جديداً للأدب عن جادة الفن القديم؛ وشغل الأدباء بالسجع والجناس والمقابلة وحسن التعليل عن صدق الشعور وصدق التعبير، وركبت الصناعة الأدب من ناحيتيه: ناحيتي المعنى واللفظ

وطلب الأدباء البراعة من طريق آخر: فأقحموا في الأدب ما ثقفوه من مصطلحات العلوم ومسائلها، كعلوم النجوم والكلام والنحو والمنطق، فتجلت البراعة فيما أنشئوه من ذلك ولكنه فقد دبيب الحياة، فمن تقليد قضايا المنطق قول المتنبي: تقولين ما في الناس مثلك عاشق ... جِدِي مثل من أحببته تجدي مثلي

وقول الشاب الظريف:

رمى فأصاب قلبي باجتهاد ... صدقتم: كل مجتهد مصيب

ومن استخدم مصطلحات النحو قوله:

لأي شيء كسرت قلبي ... وما التقى فيه ساكنان؟

ووقر في نفوس كثير من الأدباء أن الأدب مجال للصناعة والبراعة، وليس مظهراً لأحاسيس النفس ولا مستودعاً لخوالجها. فإذا أعوزهم ممدوح يثنون عليه بما هو ليس أهله من المبالغات، طلبوا البراعة واصطنعوا التظرف بوصف أمر تافه، كحَمل هزيل أو قدح خمر أو محبرة أو يراع، إلى غير ذلك مما لا خطر له في ذاته، ولكنه يمنح الفرصة لطلاب البراعة ليُظهروا لطافة بديهتهم وحسن محاضرتهم ووفرة محصولهم اللغوي. وكثيراً ما كانوا يتبادلون ذلك في الرسائل الإخوانية، والكتب التي يستهدون فيها الخمور والأقداح والمزاهر والقيان

ولإصدار الأدباء في كتاباتهم عن أغراض مصطنعة بعيدة عن غرض الفن الصحيح نجد الكثيرين منهم يقفون مواقف متناقضة: فيمدح أحدهم الرجل أرفع المدح ثم يذمه أقبح الذم، فأن خاف بطشه عاد مستغفراً متزلفا يقول كما قال الأعشى:

سأمحو بمدح فيك إذ أنا صادق ... كتاب هجاء سار إذ أنا كاذب

ويطلب أحدهم البراعة بتحسين القبيح وتقبيح الحسن، أو بمدح الشيء الواحد وتحسينه ثم ذمه وتقبيحه، كما فعل الحريري حيث جعل أبا زيد يمدح الدينار بمقطوعة من الشعر، ثم يذمه بأخرى حين اقترح عليه بعض الحضور أن (يذمه ثم يضمه)، ويدّعى المتنبي الغرام والصبابة والنحول في مطالع أماديحه، فإذا أفصح عن صادق شعوره وميوله قال إن المجد ليس زقا وقينة، وأن للخود منه ساعة ثم بينهما فلاة، وأنه يرى جسمه يكسى شفوفاً تَرُّبه، وقال:

ومن خبر الغواني فالغواني ... ضياء في بواطنه ظلام

وجاء النقاد فأقروا الشعراء على هذا التناقض، وأباحوهم ضروب اللغو والهذر، وأخذوا تلفيقاتهم في قصائد المديح مأخذ الجد، وأضاعوا وقتهم ومنطقهم وحججهم في الموازنة والمفاضلة بينها، وفضلوا شاعرا على شاعر، لا لصدق شاعر يته وصدق فهمه للحياة، ولكن لبراعته في احتيال الحيل اللفظية والمعنوية لتفخيم شأن ممدوحه. فقدامة بن جعفر مثلا يقدم الأعشى في قوله في ممدوحه:

وإذا تجيء كتيبة ملمومة ... شهباء يخشى الراهدون نهالها

كنت المقدم غير لابس جُنة ... بالسيف تضرب مُعْلَما أبطالها

على كثير لقوله في ممدوحه:

على ابن أبي العاصي دِلاص حصينة ... أجاد المُرَئ نسجها وأذالها

يود ضعيف القوم حمل قتيرها ... ويستظلع القرم الأشم احتمالها

لأن الأول جعل صاحبه يغشى الوغى غير مدرع، والثاني وصف صاحبه بالتحصن وراء الدروع الثقيلة، يفاضل قدامة بينهما بصرف النظر صرفا تاماً عما إذا كان المعنى المذكور في كل حالة صحيحاً، فالمسألة لا تتعلق لديه بالتزام الصدق، بل البراعة في الاختراع والمبالغة وتهويل أمر الممدوح ووصفه بكل عظيمة صحيحة أو مزعومة، ممكنة أو مستحيلة

وبهذا المقياس المجحف الذي لا يقيم اعتباراً لصدق الشعور والتعبير، بل يجعل الاعتبار كل الاعتبار للبراعة واللباقة والخفة والاحتيال، قاس كثير من النقاد آثار الأدباء وفاضلوا بينهم. بل إن النقاد صرفوا جل اهتمامهم إلى ذلك الضرب الصناعي من الأدب الذي قوامه التعمل والاختراع، وعماده الأقيسة المنطقية، بل المغالطات المنطقية، وأهملوا الضرب الصادق الذي يُترجم عن شعور الأدب الصحيح. فإذا رأوا أثراً من هذا القبيل مروا به كراماً ولم يروه أهلا للنقد والتحليل، لأنهم يرونه بسيطاً عادياً غير محتو على براعة لفظية أو معنوية. والأدب كان في نظر كثير منهم صناعة لا فناً. وقد سمى أحدهم وهو أبو هلال العسكري كتابه في أصول الشعر والنثر: (كتاب الصناعتين)

والحق أن أكثر ما يعرف اليوم بالفنون الجميلة كان لدى العرب صناعات؛ فالأدب والموسيقى والعمارة والنحت والتصوير كل هذه كانت أشبه بالصناعات، لأنها كانت في أكثر الأحيان تخدم أغراضاً مادية خارج ذاتها، وكانت تنتج نتاجها في ظلال الملوك والكبراء الذين يسخرونها لأبهتهم ومتعتهم، ولم تنل من الاستقلال الفني والغرض الذاتي ما لها اليوم. ومن ثم ظل الفنانِ الأخيران دائماً في حالة بدائية لم يتعدياها إلى أطوار الفن السامية

ولقد تترعرع الفنون الأخرى كالعمارة والنحت والتصوير في ظلال الرعاية والمنحة من جانب الأمراء، كما حدث في عهد النهضة الإيطالية التي أنجبت رافائيل وميكلانجو ودافنسي وعشرات من أمثالهم، أما الأدب فهو أشد احتياجاً إلى الحرية وأسرع انحطاطاً وركوداً في ظلال الاستبداد، فأن الملكية المسّتبدة إذا سخرته لأغراضها وسيرته في ركابها حَمَلَتْه على إخفات الحق وإغفال الصدق ونسيان رسالته؛ ولهذا ازدهر الأدب في إنجلترا أكثر من ازدهار غيره من الفنون التي اقتبسها الإنجليز عن أهل القارة، حتى بارى الإنجليز غيرهم في الآداب وبذوهم؛ فقد ألفى الأدب في إنجلترا من حرية الفكر والتعبير أكثر مما ألفى في غيرها. ولنفس السبب ازدهر الأدب في المدن الإغريقية، على حين كان رقيه في روما الملكية قصير العمر

لم يُسخِّر الأدب الإنجليزي نفسه لتمليق الأمراء والكبراء، كما سخَّر الأدب العربي نفسه، ولم يصرفه طلب رضاهم عن طلب رضى الفن الصحيح، وإن كان بعض رجاله - منذ عهد شكسبير - قد تزلفوا إلى سلطان آخر غير سلطان الحاكمين، فطلبوا رضى الجمهور من رادة المسارح وقراء الكتب، ولو بتضحية رضى الفن أحياناً. على أن ذك قلما كان؛ وأكثر الأدباء احتفظوا بسمو الأدب وأرستقراطيته، ولم يلبث انتشار التعليم أن وسع دائرة القراء الذين يقدرون الفن الصحيح ويتسامون عن الفضول؛ وانقسم الكتاب إلى فريق محافظ على سمو الأدب، فهم عماد الأدب السامي، وفريق ينشد إقبال العامة باللغو والهراء. ولم يحدث أن هبط الأدب جملة عن مرتبة الفن الصحيح المنزه الغرض

كذلك ربأ بالأدب الإنجليزي أن تركبه الصناعة وتغلبه على غرضه الصحيح، دوام تبصر رجاله في الآداب الكلاسية والأوربية المعاصرة، فكان معين تلك الآداب يجري في شرايينه من آن لآخر، فيجرد ما فَتَرَ فيها من دفعة الحياة، فكلما مر الأدب بطور ركود تغلب فيه الصناعة الفن الصحيح - كذلك الذي مر به في بعض القرن الثامن عشر - شعر الأدباء بعظيم الفرق بينه وبين الآداب الأخرى، فانتشلوه من وهدته

ومما ساعد على احتفاظ الأدب الإنجليزي بصبغته الفنية، وحماه الهبوط إلى درك الصناعة الرخيصة، إطلاع فحوله على آثار الفنون الأخرى الراقية، من تصوير ونحت، تلك التي تشترك جميعاً في غرضها الذي ذكر في أول هذه الكلمة، وهو التعبير الصادق عن الشعور الصحيح، فكان للأدب دائماً من تلك الفنون أسوة، تهيب به أن يحيد عن جادته أو ينحرف عن غايته، أو يضل في تيه التلفيقات المعنوية والزخارف اللفظية

وقد راج في الأدب الإنجليزي ضروب من القول قد يتبادر إلى الظن لأول وهلة أن الأديب يتجرد عندها من نوازعه الشخصية وشعوره الصحيح ويطلق العنان للخيال والصناعة، كالرواية التمثيلية والقصة والملحمة التي يتحدث مؤلفها عن أشخاص بعيدين عنه ويصف عواطف غيره وتصرفاتهم، ولكن الواقع أن المؤلف فيها لا يقل صدقاً ووفاء للحياة وحقائقها عن المؤلف في غيرها، ولا هو يتجرد من ميوله، بل يخلع تلك الميول على أبطاله، وينطق أفكاره ومشاهداته على ألسنتهم؛ فكل بطل من أبطال شكسبير، كهملت وعطيل ولير، يمثل حالة من حالات نفسه وفكرة أو فكرات من أفكاره؛ والقصصي الإنجليزي الذي يتحدث عن الآخرين في كتاباته أصدق وأكثر إفصاحاً عن ذات نفسه من الشاعر العربي الذي يشبب بليلى ودعد ويصف ممدوحه بغير ما يعلم فيه

ففي كلا الأدبين العربي والإنجليزي ترى في آثار الفحول دلائل الطبع الجزل والشعور الصادق والفن الصحيح، ولكن نظراً لتلك العوامل التي صاحبت الأدب العربي فأفشت الصناعة في كثير منه، وهذه العوامل التي لازمت الأدب الإنجليزي فساعدته على الاحتفاظ بسمات الفن، جاء الأدب الإنجليزي أحفل بصادق الشعور وجاد الأفكار من الأدب العربي، وكان التعبير الصادق عن النفس الإنسانية غرضه دائماً، على حين زاحمت هذا الغرض في الأدب العربي أغراض أخرى: كالصناعة وطلب البراعة والأغراب والتظرف ومحاكاة الأقدمين.

فخري أبو السعود