مجلة الرسالة/العدد 183/معجم الأدباء أيضا

مجلة الرسالة/العدد 183/معجم الأدباء أيضا

ملاحظات: بتاريخ: 04 - 01 - 1937


ً

رد على نقد

للأستاذ محمود مصطفى

الأستاذ بكلية اللغة العربية

قرأت كلمة للعالم الجليل الدكتور عبد الوهاب عزام يتناول فيها ذلك العمل العظيم الذي اضطلع به الدكتور احمد فريد الرفاعي من إظهار هذه الكنوز الأدبية العظيمة في ثياب قشيبة معبدة الطريق للقراء

واشهد أن الدكتور عزام قد دل بكلمته على غيرة على العربية لم يقر له معها قرار حتى يغير ما رآه غير مساوق للصواب في نظره، وهي غيرة يشكر قدر شكر الدكتور الرفاعي على غيرته التي حملته بذل المصونين الجهد والمال في سبيل خدمة العربية

وما دفعني أن ادخل بين الناقد والمنقود إلا حبي لإحقاق الحق وإقرار الأمور في نصبها

اكتب هذه الكلمة ولم اسعد بعد باقتناء الكتاب، فأنا اكتفي بالرد على ما لمست عدوله عن الجادة في كلام الدكتور عزام

(1) (إذ كلٌّ هَمَّه تحصيل المأكول والمشروب)، يقول الدكتور عزام الصواب همُّه بضم الميم والمراد هنا الاسم إذ الفعل أهمه لا همه. وتقول عبارة القاموس المحيط: وهمه الأمر أحزنه كأهمه. ولا يعزب عن البال أن استعمال هذا الفعل بمعنى شغله واستبد بمشاعره مجاز قريب لا تكلف فيه

(2) (ومعاوية بفارسٍ) قال الصواب بفارسَ فأنها ممنوعة من الصرف. وأقول ورد في القاموس وفارس الفرس أو بلادهم. وإذا اتبعنا القاعدة القائلة إن كل اسم قبيلة أو موضع لا علامة للتأنيث فيه يصح تذكيره على معنى القوم أو الرهط والموضع، وتأنيثه على معنى القبيلة أو البلدة، فعلى هذا لا يكون لتخطئة الدكتور التنوين وجه مقبول

(3) (ولم نعوضّ من ذاك ميُسرة) قال الدكتور عزام: الصواب فتح السين؛ وأقول في القاموس المحيط الميسرة مثلثة السين. وفي كتاب (نيل الأرب في مثلثات العرب) للشيخ قويدر الخليلي: سهولة الأمر تسمى ميسره ... ومصدر إلى قدرت مقدره

يريد أن ميسرة مثلثة السين، وكذلك كلمة مقدرة مثلثة الدال. وغيرهما مما هو على هذا الوزن كثير

(4) (لغويا نبيها ثَبَتاً) قال الدكتور عزام والصواب ثَبْتاً يقال رجل ثَبْت لا ثَبَتٌ والثَبَت بالفتح (يريد بالتحريك) البرهان اسم لا يوصف. وأقول: في القاموس الإثبات الثقات، وفي شرحه وهو ثبت من الإثبات إذا كان حجة لثقته في روايته، وهو جمع ثَبَت بالتحريك وهو الأقيس وقد يسكن وسطه. الخ

ولعل التفرقة التي جاء بها الدكتور عزام وهي أن الثبت (بالتحريك) البرهان اسم لا وصف، إنما عقدها بنظرة خاطفة من قول الشارح (وقيل للحجة ثبت بفتحتين إذا كان عدلا ضابطا) فذهب باله إلى أن الحجة هنا الدليل والبرهان

(5) (أُضِقتُ إضاقة شديدة) قال الدكتور عزام (والصواب بالبناء للفاعل أي إصابه ضيق) وأقول لو إنه فسرها بقوله أصابه عسر لقلنا إنه تابع صاحب القاموس في قوله: أضاق ذهب ماله وأعسر، فإما وقد فسرها بقوله أصابه ضيق فهو تفسير عام ينطبق عليه قول القاموس: ضاق ضد اتسع وأضاقه وضيقه) فمعنى كل ذلك جعله ضيقاً. والمراد هنا ضيق الصدر

(6) (المُصَيْصة اسم بلد) قال الدكتور عزام والصواب الَمصِّيصة. وأقول: ورد في كتابي (إعجام الأعلام): (الَمصِيصة - المِصِّيصة مدينة على ساحل البحر الرومي. . . قال في القاموس (والمصيصة كسفينة بلد بالشام ولا تشدّد) وقد ضبطها صاحب تقويم البلدان عن مزيل الارتياب فقال: بكسر الميم وتشديد الصاد وسكون الياء وفتح الصاد)

فمن ذلك يعلم أن الناقد والمنقود وقعا في الخطأ وإن كان اللوم في نظري على الناقد اشد، لأنه يأخذ على غيره في مسالة بعينها فيجب أن يكون تحريه للصواب أدق

(7) (غُمار الناس) قال الدكتور عزام والصواب كسر الغين، وأقول يفهم من مراجعة القاموس المحيط لمن وقف على سر اختصاره وراعى مراده في عطفه واستئنافه أن الغمار جمع لغَمْر وهو الماء الكثير كما أن الغَمْر يكون بمعنى الكريم الواسع الخلق أو الجواد من الخيل أو السابغ من الثياب أو اللفيف من الناس ويشاركه في هذا المعنى الأخير (اللفيف من الناس) مفردات أخرى وهي الغَمَر (بالتحريك) والغَمْرة بالفتح فالسكون مع تاء التأنيث والغُمارة بالضم مع التاء والغَمار بالفتح أو الضم. وعلى هذا يكون مصيباً من قال غمار الناس (بالضم) بمعنى جماعتهم ولفيفهم. كما أنه ليس في القاموس ما يدل على أن غِماراً يكون جمعاً لغَمْر بهذا المعنى الأخير وإلا لأتى به قبل ذكر الجمع كما هي عادته

وليس معنى كل هذا أن استعمال غِمار بالكسر في معنى جماعات الناس خطأ بل نقول إنه خلاف الأولى لأن استعماله يكون مع التجوز بتشبيه جماعة الناس باللجة وإطلاق لفظ غمر عليها ثم جمعه على غمار. أما المفرد وهو غمار (بالضم) فكاف في الدلالة على الجماعة دلالة حقيقية لا تجوز فيها. فظهر من هذا أن المنقود استعمل الضبط الجائز القريب في الاستعمال

هذا قول أعجلتنا عن الإفاضة في نواحيه وتتبع مظانه، مشاغل لم نستطع أن نزيحها عن كاهلنا إلا بهذا القدر والسلام

محمود مصطفى