مجلة الرسالة/العدد 189/شاعر الإسلام

مجلة الرسالة/العدد 189/شاعر الإسلام

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 02 - 1937



محمد عاكف

بقلم الدكتور عبد الوهاب عزام

- 3 -

مات الشاعر الكبير والساعة ثمان إلاّ ربعاً من مساء الخميس التاسع والعشرين من ديسمبر، تاركاً للأمة التركية آثاراً خالدة، آثار مثل (دفاع جناق قلعة) و (نشيد الاستقلال)

(1)

شيعت الجنازة من (عمارة مصر) في بيوغلي إلى جامع بايزيد. وهنالك أقيمت صلاة الجنازة، ثم اتصل المسير إلى قبر الشاعر الذي هُيّئ له في المقبرة التي أمام شهيدلك في (أدرنه قبو)

كان في توديع الشاعر كثير من أصدقائه وجمهور عظيم من طلبة الجامعة، فلما أديت الصلاة وأريد وضع التابوت على لسيارة أبى الطلبة إلا أن يحملوا النعش على أيديهم، واشترك مئات الشبان في حمله طوال الطريق من بايزيد إلى (أرنه قبو)

وعلى حافة القبر فتح التابوت وأخذ النحات راتب عاشر صورة الشاعر في قالب من الجص ليصنع مها تمثالاً

ولما وضع الشاعر في لحده دوّت أصوات الطلبة جميعاً بنشيد الاستقلال الذي نظمه محمد عاكف. ثم تكلم طالب كلية الآداب في حياة الشاعر وما أعقبته وفاته من أسى، وأنشدت طالبة القصيدة (جناق قلعة) وأنشدت أخرى أبياتاً كتبها الشاعر تحت صورته، وهي آخر ما نظم

ثم أقترح بعض الطلبة أن يشيد طلبة الجامعة قبر شاعرهم العظيم، فتلقاه الحاضرون بالموافقة والاستحسان، واتفقوا أن يحتفل كل عام بيوم الوفاة وأن يسمى (يوم عاكف)

ثم أنصرف الذين أودعوا الشاعر الكبير مقره الأبدي بين الحسرات والدموع

(2)

هو ابن محمد طاهر أفندي الايبكي أحد مدرسي الفاتح. وأمه تركية خالصة من بخارى ولد في استانبول عام 1873. وبدأ تعلمه على أبيه، ثم حصل العلوم الدينية وأتقن اللغتين العربية والفارسية

ثم التحق بالمدرسة الإعدادية في استانبول، فلما أتم دراستها التحق بمدرسة الطب البيطري إلى أن نال شهادتها من الدرجة الأولى. وقد فاق أقرانه جميعاً في الكيمياء والطبيعة، والنبات والحيوان والتشريح ووظائف الأعضاء

ثم تنقل في عمله بين سورية والرومللي والأناضول. وشرع حينئذ ينشر أشعاره

ولما وقعت حرب البلقان عمل في شعبة النشر من جماعة الدفاع الملي. ولما كانت المهادنة بعد الحرب العامة ذهب إلى الأناضول ولبث هناك محتملاً عبئه في الجهاد الوطني حتى النهاية، وكان نائباً في المجلس الكبير عن ولاية بوردور. وفي ذلك الحين نظم نشيد (نشيد الاستقلال) الذي بذ به كل المتبارين في نظم نشيد وطني

(3)

كان محمد عاكف يحب من شعراء العرب ابن الفارض، ومن الترك فضولي، ومن الفرس سعدي، ومن الفرنسيين لامرتين. ويمكن أن يقال إن شعره آثاراً من هؤلاء ظاهرة أو خافية، ولكن الذي لا ريب فيه أن عاكفاً قد رفع النظم التركي في أوزان العروض إلى درجة من السلاسة لم ينلها شاعر آخر، وقد صارت اللغة التركية بقلمه أيسر لغات الشعر وأبلغها، نشيد الاستقلال أبرع بيان لهذا اللسان الحساس النقي الذي ذلله قلم عاكف. ومنظوماته (صوت الحق) (حقك سسلري) و (الصفحات) في أجزائها السبعة تراث يغني به الأدب التركي، وإن لعاكف في تاريخ الأدب لمكانه خاصة. لقد فقدنا بموته شاعراً عظيماً

(4)

ذلكم إجمال ما كتبته الجرائد التركية عرضته على قراء (الرسالة) تمهيداً للكلام في شعر عاكف، موضوعه ومقاصده، وأسلوبه وأوزانه. وعسى أن أبين هذا في الأعداد الآتية

(للكلام بقية)

عبد الوهاب عزام