مجلة الرسالة/العدد 19/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 19/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 10 - 1933


دار المعارف الإسلامية

الأستاذ احمد أمين

لعل أكبر عمل قام به المستشرقون هو تأليف دائرة المعارف

الإسلامية، قصدوا بها أن يجمعوا بحوثهم ومعلوماتهم في كتاب جامع

مرتب على حروف الهجاء، يتكلمون فيه عن البلدان والموضوعات

التاريخية والفقهية والنحوية واللغوية الخ ويترجون فيه للأعلام.

وقد بدأوا عدتهم في ذلك بنشر الفكرة بين علماء الاستشراق سنة 1899 على ما أذكره، وأخذوا يجمعون المواد ويرتبونها ويوزعونها على العلماء من هولنديين وألمان وإنجليز وفرنسيين وإيطاليين وغيرهم من الشرقيين، وظلوا في هذا الأعداد نحو عشر سنوات، ثم أصدروا الأعداد تباعاً باللغات الثلاث الإنجليزية والفرنسية والألمانية، كل عدد يقع في نحو ثمان وستين صفحة بالخط الدقيق.

واعتزموا إخراج هذا المعجم في أربعة مجلدات ضخام كل مجلد يقع في أكثر من ألف صفحة، وقد أخرجوا إلى الآن مجلدين وأعداداً من المجلدين الثالث والرابع وقد عنوا بتوزيع الموضوعات على المختصين فيها فكثير من الموضوعات المتعلقة بالفقه والأصول كان يكتبها جولذ زيهبر والأدبية (هوار) وهكذا.

ولم يستوفوا في كتابتهم كل ما يجب أن يكتب حول الموضوع وإنما اقتصروا على أهمه ووكلوا الإفاضة في ذلك إلى المراجع التي يذكرونها عقب كل مادة ثم يذيلونها باسم من كتبها، ولهم إلى الآن نحو خمسة وعشرين عاماً يوالون إخراج أعدادها، وربما كان أمامهم نحو عشر سنوات أخرى لإتمامها، فهم في كل عام يخرجون عددين أو ثلاثة، وكلما انقرضت طبقة من العلماء والناشرين حلت محلهم طبقة أخرى ينهجون منهجهم ويسيرون في طريقهم وان كان الرعيل الأول أمتن وأعمق من الرعيل الذي خلفه، والكتاب في جملته من أهم الكتب التي تفيد الباحث وترشده إلى أهم ما قيل في الموضوع وتدله على خير الكتب العربية والإفرنجية التي يصح أن يرجع الباحث إليها للاستزادة منها.

وكثيراً ما فكرت لجنة التأليف والترجمة والنشر في تعريبها حتى ينتفع بها قراء العربية في الممالك الشرقية ولكن أكثر ما كان يعوقهم أمور:

(الأول) إن العمل لم يتم بعد، وقد سار المؤلفون في ترتيبها مراعين الكلمة العربية بحروفها الإفرنجية فوضعوا مثال كلمة (عبد) في حروف الألف. وكثير من المواد التي لم تؤلف بعد هي في حرف الألف بالعربية، وان كانوا هم قد أتموا حرف الألف بالإفرنجية فكلمة (أسامة) و (أرجوان) يجب أن توضع في حرف الألف بالعربية وهي توضع في حرف بالإفرنجية فلإتمام كل حرف يجب أن ينتظر إلى إتمام الكتاب.

(الثاني) أن كثيراً من الموضوعات نظر فيها العلماء المستشرقون نظرة خاصة غير النظرة التي ينظرها المسلمون وعالجوا نواحي قد يهم المسلمين غيرها، وبعضهم كان متعصباً فكان يمزج عصبيته ببحثه كما فعل الأب لامانس في بعض ما كتب، وهذا يوجب أن يكتب الموضوع من جديد ومن غير تحيز.

(الثالث) أن بعض الموضوعات قد تغير فيها نظر العلم منذ كتبت، فالكتب التي عثر عليها في هذه الأعوام الثلاثين،

والنقوش التي استكشفت، وجهود العلماء، جعلت المادة لو كتبت من جديد لكانت أدق وأوفى، وجعلت المراجع التي يجب أن يشار إليها أتم وأكمل.

(الرابع) أن المواد لما وزعت على الأعضاء لم تخرج متناسبة فقد رزقت بعض المواد الحظوة التامة فملأت الكتابة عليها كثيراً من الفراغ على حين أن مادة أهم منها قد لا تذكر بتاتاً أو تذكر في قليل من الإيجاز فخرج الكتاب غير متناسب الأجزاء.

هذا كان تفكير الشيوخ، والشيوخ دائماً حذرون يكثرون التفكير في العواقب ويحسبون لكل خطوة ألف حساب، فما هو إلا أن نهض الشباب ولا راد لنهضته فهزأ بكل العقبات وثابر على العمل وجد واقتنع بأن إخراج العمل مع ما قد يكون فيه من نقص أجدى على العالم العربي من الانتظار، فليخرج ولينتفع به القراء والباحثون ولينتقد ثم ليصلح النقد، وليكن فيه تقصير ولكن هذا التقصير يستدرك، فسنستدركه نحن أو يستدركه غيرنا، هذا خير ألف مرة من التسويف وانتظار الزمن وانتظار الكمال، إذن فلننهض بحمل العبء، وليجد غيرنا في نقدنا وإصلاح ما فاتنا، فمن وراء هذا وذاك عمل مجيد أقل ما فيه أنه عمل يطلع علماء الشرق على عمل الغرب في مادتهم وعلومهم، ويعلمهم كيف يبحثون ويرتبون معلوماتهم، ويضعونها تحت السبر والاختبار، ويبعث علماء الجيل القادم في الشرق أن يهبوا من رقدتهم فيضعوا بأنفسهم ولأنفسهم معاجم ودوائر معارف يعدونها إعداداً صحيحاً وافياً ثم لا يكونوا عالة يتكففون الغرب.

لعل هذا وأكثر منه هو ما دار في نفوسهم وحفزهم للعمل فتحملوا العناء مبتسمين راضين.

لقد أخرجوا لنا باكورة عملهم في هذا العدد الأول وهو في ورقاته القليلة يدل على ما وراءه من جهد كبير، فهم بلا شك قبل ذلك ترجموا كل كلمات الدائرة ورتبوها حتى تكون متسلسلة محكمة، وهم بلا شك راجعوا كثيراً من النصوص واستفتوا كثيراً من العلماء فيما غمض عليهم، واستعانوا بهم فيما نرى أثره من تعليقات.

قد قرأت هذا العدد وراجعت بعض مواده على الأصل الإنكليزي ووافقت الأستاذ إسماعيل مظهر على بعض وجوه النقد المنشورة في هذا العدد والتي ستنشر في العدد التالي، ولكن أهم ما لاحظته وأود أن يتداركوه في الأعداد القادمة أن الترجمة ينقصها كثير من الصقل، فالقارئ يشعر دائماً أن العبارة مترجمة عن أصل أجنبي مع أن مقياس جودة الترجمة فقدان هذا الشعور وأن يخيل للقارئ أنها كتبت بالعربية ابتداء.

من أمثلة ذلك ما جاء في صفحة 14: (ومن واجب كل مسلم أن يعمل المعروف وأن ينهى عن المنكر) مع أن المألوف في العربية: (أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر) وما جاء في صفحة 13: (وهم دون أن يجادلوا في شرعية حكم الخلفاء الأربعة الراشدين كما يفعل الشيعة يصرون على أن القدوة الحسنة بعد النبي كانت في أبي بكر وعمر) فمحال أن تصدر هذه الجملة من كاتب يضع كتابه بالعربية، إلى أمثال من ذلك يكاد يجدها القارئ في كل صفحة. فلعل مرونة القلم والصبر على التجويد والرغبة في تحقيق الأكمل يذهب بهذا النقص في الأعداد القادمة.

وأخيراً أحيي في الشباب هذا الجد والنشاط وأكبر هذه العزيمة وأتمنى للمشروع النجاح؟