مجلة الرسالة/العدد 19/دائرة المعارف الإسلامية

مجلة الرسالة/العدد 19/دائرة المعارف الإسلامية

مجلة الرسالة - العدد 19
دائرة المعارف الإسلامية
ملاحظات: بتاريخ: 15 - 10 - 1933



نقد وتقدير

للأستاذ إسماعيل مظهر

العدد الأول من المجلد الأول في 64 صفحة من القطع الكبير محلى بصورة جلالة ملك مصر وصدر بمقدمة في 6 صفحات من قلم، لجنة الترجمة، والورق ممتاز والطبع حسن.

بورك في الشباب! بورك في الشباب عامة والطامحين منهم خاصة. فالشباب روح الأمم وعمادها. والطامحون من الشباب هم بناة المجد وسدنة الحضارة وعمد القوة. والشباب إذا نام خيم على الأمم النسيان وغشيها السكون وهوّم عليها النعاس. نعاس القرون بل نعاس الحقب والدهور. والشباب إذا تيقظ ودارت رحاه قذف بالكرات الواقفة على عجلة الدائرة إلى فضاء العدم، واستخلص من لباب الأمم كرات جديدة تساير رحاه في حركتها وتضيف إليها قوى جديدة يستعان بها على بلوغ الغرض الأسمى والمثل الأعلى. أما الشباب القانع المستنيم للدهر وللاقدار، فلا خير فيه إلا يقدر ما في البذرة الحية من الاحتفاظ بجنينها، لتستلمه إلى الطبيعة حياً عسى أن تكون منه جرثومة تخرج شباب الطموح والاستعلاء والتطلع إلى اللانهاية.

شباب قنع لا خير فيهم ... وبورك في الشباب الطامحينا

ونحن اليوم أمام عمل يقوم به الشباب المتوثب إلى المجد، المتعطش إلى المعرفة، الوثاب إلى المثل والغايات. عمل أقل ما يوصف به أنه أثر جليل من آثار القوة والجرأة النادرة التي تنبأنا بأن عجلة الشباب قد أخذت تدور لتقذف بالكرات الواقفة، وتجمع من حولها الكرات الدائرة. فان ترجمة موسوعة كاملة، في أي موضوع كانت، ومن أي مصدر استقيت، لعمل عظيم. فكيف بموسوعة كدائرة معارف الإسلام وعت ألواناً من التاريخ والفقه والتصوف والفلسفة واللاهوت والترجمة والجغرافية وعلم الهيئة إلى غير ذلك مما وعت حياة العرب قبل الإسلام وبعده. فان العلاقة بين الإسلام والجاهلية لعلاقة شديدة الآصرة تتعارض في نسيجها خيوط من روح الأمم العربية والأمم التي دانت بالإسلام. وكل هذا يزيد من صعاب العمل على المؤلفين، ولا يجعله هيناً على المترجمين. فإننا لم نعن بعد بتبويب ما وصل إلينا من فروع المعرفة التي تلقيناها عن العرب، ولم نفكر حتى في تصنيف أسماء الكتب التي تعتبر مراجع صحيحة تعود إليها في معرفة أسماء البلدان أو الأشخاص أو الأماكن، أصلية كانت أو معربة عن اللغات الأخرى كاللغات السامية، ومنها السريانية والآرامية. واللغة الإغريقية على الأخص. ولقد كان هذا سبباً في أن يتورط مترجمو هذه الموسوعة في أخطاء هم أبعد الناس عن أن يقعوا في مثلها عن قصد، أو عن حاجة إلى الصبر على البحث أو عن زهد في توخي الكمال المستطاع. ولو أننا أردنا أن نذهب في نقد العدد الأول وهو باكورة هذا العمل الذي يرقبه أديب عراقي (كما يرقب الصائم هلال العيد) مذهب الإطناب لا الإيجاز لاحتجنا إلى الوقت وإلى الفراغ. لهذا نعمد إلى بعض المواد ونتناولها بالمناقشة البريئة من كل غاية إلا أن يتدارك شبابنا الطامح بعض الأخطاء التي نرجح إننا قد نعدها على حق. ونصيحتنا التي لا نرمي من وراءها إلى أي غرض بعيد عن توخي الاصلاح، أن يعيد مترجمو هذه الموسوعة النظر فيما طبع منها وما لم يطبع، وان يستعينوا بذوي التجربة والنظر، وان يترفعوا في عملهم هذا عن فكرة الاعتزال به عمن يستطيعون أن يعاونوا فيه صوناً لسمعة أعمالنا الأدبية أن ينتابها النقص أو تنتقصها الأنانية.

على أنني أريد أن الفت نظر اللجنة المحترمة إلى عبارة وردت في المقدمة جاء فيها: (ومما يغتبط له قارئ هذه الدائرة أن أعلام مصر سواء أكانوا من علماء الأزهر الشريف أو من أساتذة دار العلوم أو الجامعة المصرية قد ساهموا بنصيب وافر في مراجعة الترجمة والتعليق إلى بعض الفقرات، وفي إبداء الملاحظات القيمة والآراء السديدة) هذه هي العبارة وأني لأعجب كيف أن أعلام مصر من علماء الأزهر الشريف وأساتذة دار العلوم الجامعة المصرية قد فاتتهم هنات هينة وأخطاء نحوية مثل قولهم (طبع مرتان) (راجع مادة أبشقة ص 63) وغير ذلك مما نمسك عنه ونكتفي بتوجيه نظر اللجنة إليه.

بيد أنا إن اكتفينا هنا بالإشارة البسيطة فأننا نود أن نعبر عن أسفنا الشديد لإيراد مثل العبارة التي نقلناها عن المقدمة فان فيها لتفريطاً، وان فيها لمغالاة، وإن فيها لأشراكاً لأعلام مصر أجمعين في أخطاء مثل التي سوف نسوق الكلام فيها.

والآن نبدأ بمادة (أبخاز) وقد وقع عليها النظر إتفاقاً، فاثرنا ألا ننتقل إلى غيرها ومضينا في مراجعتها فبانت لنا الملحوظات الآتية: (1) جاء في ص 20 نهر 2 (وكان الابخازيون يعرفون قديماً باسم أبسكوي (عند المؤرخ آريان) وباسم أبسجي (عند بلنياس ويذكر بروكوبيوس (في القرن الخامس الميلادي) أن الابخازيين كانوا تحت حكم اللازوي. وجاء في ص 21، نهر1، (وكان سيدرنيوس البيزنطي) الخ. والصحيح في تعريب الأسماء أن نجري فيها على القواعد التي جرى عليها العرب، فلا تقول بلنياس بل بلنيوس، ولا تقول بروكوبيوس بل فروقوفيوس، ولا تقول سيدرنيوس بل قذرنيوس، أما قواعد التعريب فحديث طويل ليس هنا محله.

(2) (ولكن الأسباب الجغرافية وحدها تجعل احتلال هذا الإقليم احتلالاً فعلياً بعيد الاحتمال) (ص20 نهر 2) والأصل الإنجليزي كما يلي

والمحصل من الترجمة والأصل أن المترجم وضع كلمة (الأسباب الجغرافية) مقابل والأصح أن يقال (العوامل أو المؤثرات أو الموانع الجغرافية) لأن كلمة الأسباب تتضمن معنى (الناموس) الثابت في حين أن كثيراً من المؤثرات الجغرافية ينتابها التغير إن سريعاً وان بطيئاً على تتالي الأجيال وخضوعاً لسنن يعرفها الفلكيون والجيولوجيون على الأخص. ووضع المترجم كلمة (تجعل) لتقابل والكلمة الإنكليزية معناها (كفت)، ثم أنه ساق الجملة العربية في صيغة المضارع وهي في الأصل بصيغة الماضي لانها تتكلم عن ماض محدود بالزمان. ووضع كلمة احتلال لتقابل في حين أن احتلال معناها في الإنجليزية ولكن معناها إخضاع. والظاهر أن المترجم لم يهتف مرة واحدة بسقوط الاحتلال لا بالإنجليزية ولا بالفرنسية، ووضع العبارة الإنجليزية

لتقابل بعيد الاحتمال، والحقيقة أنها وضعت لتدل على أن: العوامل الجغرافية وحدها كفت لان تصرف العرب عن التفكير في إخضاع الإقليم إخضاعاً تاماً. والواقع أن احتلال إقليم قد يجوز أن يكون تاماً ولكن الإقليم لا يكون خاضعاً بالفعل. فان إيطاليا احتلت طرابلس احتلالاً عسكرياً تاماً بأن بددت كل قواه العسكرية، ولكن إخضاع أهل الإقليم لم يتم إلا بعد زمان طويل. والفرق بين الاحتلال والإخضاع لا ينبغي أن يغيب عن ذهن مترجم يكتب في أبحاث تاريخية سياسية. لأن ملاحظة مثل هذه الفروق الدقيقة ضروري لينطبق تصور القارئ دائماً على الحالات التي يريد المؤرخ أن ينقلها إلى مخيلته.

(3) (وقد أخضع جستنيان الإمبراطور الروماني الابخازيين فاعتنقوا المسيحية). (ص20 نهر 2) والخطأ هنا في تعريب اسم الإمبراطور الروماني (يوستنيانوس) لان حرف ينطق (ياء) فأثبته المترجم (جيما) على الضد من كل الأصول المرعية.

(4) (ومنذ ذلك العهد أصبحت لغة جورجيا لغة الأدب). (ص21 نهر1) وما هي لغة جورجيا،؟ المؤلف يقصد هنا لغة أهل الكرج التي عربها المترجم باسم جورجيا حرفياً. في حين أن العرب ومن أتى من بعدهم قالوا الكرج. ومن الأسف أن المترجم جرى على هذا الخطأ في كل الجزء المطبوع. فقال ملك جورجيا وهو ملك الكرج تحقيقاً.

(5) (وعند البحث عن أصل موطن البجراتونيين يجب أن نتجه نحو الغرب (نحو جرخ وريون). وفي الأصل الإنكليزي & والمفهوم من العبارة الإنكليزية أن المؤلف يقصد شواطئ نهرين ولو لم أتحقق من ذلك بل أدركه بالسليقة فقال (نحو الغرب على الكرخ والريون. فجاءت الترجمة غامضة بعيدة عن الأصل. وكذلك يجب أن نلاحظ أن المترجم قد اكثر من ذكر الابخاز بصيغة جمع الجمع فقال الابخازيين والبجراتونيين وغيرهم. في حين أن الابخاز جمع كالأعراب. ولا يصح أن تقول أعرابيين أصلاً. أما في البجراتونيين فقد اصطلح مثلاً على أن ندعو القبيلة التي انحدر منها أهل أثينا القديمة (فلاسجة) وأسمها الأصلي في الإنجليزية صيغة عربية مقبولة تجرى على قواعد التعريب المتبعة. فكان الواجب على المترجم إذن أن يقول البجارطة بدل البجراتونيين. هذا إذا لم يكن العرب قد اصطلحوا على تعريب لأسم هذه القبيلة، ولا أتصور أن يكون بعيداً كثيراً عما اذهب إليه.

(6) وورد في خطاب الإمبراطور طرابزون أنه كأنه لأمراء

الأبخاز جيش يبلغ عدده. . . 30 مقاتل (ص21 نهر 2) وفي

الأصل الإنكليزي: 1459 , والفرق بين الأصل

والترجمة شاسع. فالترجمة تقول (في خطاب الأمبراطور). .

والأصل في خطاب من الإمبراطور. . . . وهنالك فرق لا

يخفى بين خطاب لإمبراطور وخطاب من إمبراطور، فضلاً

عن أنه اسقط السنة المسكينة (1459) من الترجمة كلية.

(7) لم يستطيع الابخازيون أن يتخلصوا من سلطان الترك ونفوذ الإسلام في حين كانت المسيحية تتناقص في بطء شديد. (ص21 نهر 2) والاصل الإنكليزي ذكر كلمة خطأ تتناقص والحقيقة تستأصل. لان النقص يعبر عنه في الإنكليزية بكلمة ويقابله الزيادة فضلاً عن ركاكة التعبير الذي نحسه في استعمال تناقص ببطء شديد.

(8) ومنذ انفصال جورجيا صار يحكم بلاد الابخاز كاثوليكيوها (الذين ذكروا في القرن الثالث عشر للميلاد) في بتزند (ص21 نهر2) والأصل الإنكليزي كما يلي:

والخطأ هنا فاحش. فان المؤلف لو كان قد أراد أن يقول أن البلاد كان يحكمها كاثوليكيوها لقال وكأنه من الواجب أن يدرك المترجم أن كلمة تدل على وظيفة كنيسة كما يفهم بدياً من سياق الجملة ومن سياق الحديثمعا. أما كلمة فقد عربت وأثبتت في المعاجم العربية ونقلت عنها إلى المعاجم الإنكليزية العربية الكبرى. فجاء في قاموس (بدجر) الفقيه الإنجليزي المعروف أمام هذه الكلمة (الجثالقة جمعاً مفردها جاثليق). وجاء في القاموس المحيط للفيروزابادي (هو الجاثليق بفتح الثاء المثلثة رئيس للنصارى يكون في بلاد الإسلام ويكون تحت يد بطريق إنطاكية ثم المطران تحت يده ثم الأسقف يكون في كل بلد من تحت المطران ثم القسيس ثم الشماس). (ص217 مجلد3).

وهذا يدل على أن المترجم قد أخطأ، وأنه أخطأ خطأ فاحشاً من الوجهتين التاريخية والعلمية فالتاريخ لم يثبت أن الكثالكة كان لهم حكم مدني في بلد من بلاد الإسلام. والناحية العلمية، كما يدل سياق الكلام في الأصل، تشير إلى أن الجثالقة كان يناط بهم ان يرعوا أحوال النصارى الشخصية على قواعد الدين النصراني تحت حكم الإسلام المدني. وعلى هذا يجب أن تكون الترجمة على خلاف ما جاء في (دائرة المعارف الإسلامية)، ويجب أن تكون كما يأتي (ومنذ الانفصال عن الكرج (لا منذ انفصال جورجيا لأن الأصل كان للبلاد جاثليقها المقيم في يتزند. أما الجملة المعترضة التي جاء فيها والتي ترجمها المترجم بقوله: (الذين ذكروا في القرن الثالث عشر الميلادي) ويقصد بهم الكاثوليك خطأ بعد أن خلقهم من وهمه والوهم خلاق، فيراد بها أن بقية الحكام الذين يمثلون نواحي الحكم الأخرى كانوا يذكرون منذ القرن الثالث عشر الميلادي. وإذن يكون تعيين جاثليق يرعى مصالح النصارى لم يأت إلا بعد أن أمتد نفوذ الإسلام، واحتاج الأمر إلى راع يرعى مصالح الأقلية المسيحية في بلاد إسلامية.

(9) (وفي عام 1462 م (في عهد الملك بحرات الثاني) ثبت أمراء أسرة شروشيد في مراكزهم) والأصل الإنكليزي كما يلي:

1462

وأنت تتساءل ما هي مراكزهم هذه؟ هي أنهم اعترف بهم أمراء. وهكذا يريد الأصل أن يقول. ولكن المترجم يريد أن يقول أنهم ثبتوا في مراكزهم لا غير. وعلى القارئ أن يضرب الرمل ويناجي الودع ليعرف في أي المراكز ثبتوا. ولو تصور أنهم ثبتوا في الأرض بالإسمنت المسلح لكان له عذر.