مجلة الرسالة/العدد 195/نحن والماضي

مجلة الرسالة/العدد 195/نحن والماضي

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 03 - 1937



للأديب عبد اللطيف النشار

قضت أم أوفى، بلل الغيث قبرها ... فعدِّ عن الدراج فالمتثلم

واخلى الفراعين الكرام مقامهم ... لأشبه منهم بالحياة وأعظم

أمن نسل مينا أنت أم نسل جرهم ... إلى أي فرعي دوجة المجد تنتمي؟

يقول حصيف الرأي من نسل آدم ... له صبر مصري وإيمان مسلم

أفخراً بأن راضوا قوياً منعماً ... ولا فخر في إحياء شلو محطم

عفاء على الدنيا إذا كان ما مضى ... نهاية شعب تائق متوسم

مضى ما مضى، الإسلام ورحمة ... سلام وفاء لا نفجع أيم

ولسنا من الماضين أدنى مكانة ... ولا كان أوفى الفضل للمتقدم

ورثت زهيراً شعره ومكانه ... وما مال نسل وارث بمحرم

فما وقف الماضون مجداً ليحبسوا ... على غير أحفاد لهم كل مغنم

ولكن مجدنا ملكهم فهو مجدنا ... ولم يبق منهم غير ذكرى وأعظم

ألا أيها الجاثي على قبر هالك ... تعز فان الدمع أغلى من الدم

تعز يعش ما بين جنبيك قلبه ... فما مات ذو نسل عزيز مكرم

ولا عاش من لا ينطوي في ضلوعه ... سوى زفرات الآسف المتندم

ومن كان ماضيه نهاية جاهه ... يعش في سديم من دجى الهم مظلم

بداية عمر المرء إشراق شمسه ... وكم من شموس ليس يدركها العمي

فخرت برمسيس ورمسيس جثة ... فخارك أن تحيا بعزم مصمم

يفاخر بالأحياء حي ويزدهي ... بمن مات ذو قلب كسير مهضم

لعمري لقد جفت سنابل يوسف ... وحامت على أبقاره أم قشعم

لقد أنقذ الأحرار من رق يوسف ... بما أنشأوا في كل أرض وعيلم

وأسراب طير من حديد محدم ... وغائصة في غائر القاع مظلم

وما الحرب إلا عزة واستطالة ... فلا تنقضوا حكم القضاء المحتم

ولا تحسبوا في السلم غنماً لحالم ... ألا ضل رأي الآمل المتوه يراد أخاء دائم وسلامة ... ومن يرج معسولاً من العيش يحرم

بلادي عداك الذم لست بخيلة ... فجودي فإلا تفعلي اليوم تندمي

أنترك للأحلاف أن يدفعوا العدا ... إذا غزيت مصر بجيش عرمرم

معاذ العلا أن يحمي النيل في الوغى ... سوى كل مصري على الموت مقدم

هو العهد عهد الحرب لا كلفاً بها ... ولكن من لا يتق الظلم يظلم

رجال غد لا تطلبوا المال مطلباً ... فما العيش عيش الوادع المتنعم

ولكنما يحيا الذي يرهق العدا ... ومن عاش في أمن من الناس يسأم

ولا تحسبوا الماضي أعز مكانة ... ألا تلك دعوى الخائب المتلوم

يمهد عذراً للهوان بذمه ... بني عصره في كل قول مرجم

بني وطني كونوا قلوباً تكن لكم ... مناعتها من كل عار ومأثم

فما تسلك الأوزار في الناس مسلكاً ... إلى القلب لولا ثغرتا الجيب والفم

أحب الذي أعطيت نسيان موضعي ... لدى كل نهب في الحياة مقسم

عبد اللطيف النشار