مجلة الرسالة/العدد 197/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 197/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 197
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 12 - 04 - 1937



العالم الإسلامي اليوم

اطلعنا في بعض الصحف النمسوية الأخيرة على خلاصة آراء ومحاضرات يذيعها الدكتور يوليوس جرمانوس المستشرق المجري في الإسلام والعالم الإسلامي الحاضر؛ وقد جاء الدكتور جرمانوس إلى مصر منذ عامين وقضى نحو أربعة اشهر في تعلم اللغة العربية وحج إلى مكة (لأنه يعتنق الإسلام)، ثم عاد إلى وطنه يلقي المحاضرات ويكتب المقالات العديدة عن العالم الإسلامي، ويعلن في كل فرصة أن أحداً لم يوفق مثل توفيقه إلى دراسة اللغة العربية وشئون العالم الإسلامي قاطبة. بيد أن الدكتور يبدي في معظم الأحيان آراء لا تخرج في جملتها عما نسمعه عن كثيرين غيره زاروا البلاد الإسلامية زيارات طائرة، ثم زعموا انهم يعرفون من أمرها ومن حاضرها ومستقبلها كل شيء فهو مثلا يقول عن اللغة العربية أنها تعتبر بالنسبة إلى اللغات (أو اللهجات) التي تتكلم بها الشعوب العربية مثل اللاتينية بالنسبة إلى اللغات الرومانية التي نشأت عنها، وهذا تشبيه هو ابعد الأشياء عن الحقيقة لأن اللغة العربية لم يصبها في أي عصر من عصور الركود ذلك الموت الذي أصاب اللاتينية ولأنها تكاد تكون بشكلها المصقول لغة الحديث العادي في الطبقات المستنيرة بالبلاد العربية ثم يقول عن الإسلام انه أي الإسلام لا يجوز اليوم نهضة ما، وإنما الشعوب الإسلامية هي التي تجوز مثل هذه النهضة، وان الشباب في جميع العالم الإسلامي يتأثر اشد التأثير بمبادئ مصطفى كمال وإصلاحاته، وأن مصر وسوريا والعراق وغيرها من الأمم الإسلامية ستسير في أثر مصطفى كمال وتنهج منهجه؛ والدكتور جرمانوس يخطئ في هذا الرأي اشد الخطأ فقد أدركت الشعوب الإسلامية منذ بعيد ما تنطوي عليه الحركة الكمالية من الزيف والزيغ والخصومة المضطرمة للإسلام والعالم الإسلامي؛ ولم تبق الحركة الكمالية عنواناً لغير تركيا التي أخرجت من عداد العالم الإسلامي؛ ونستطيع أن نؤكد للدكتور جرمانوس أن مصر لم تتأثر في يوم ما ولن تتأثر بمثل هذه الحركات الإلحادية المفرقة. أما أن العالم الإسلامي لا يجوز اليوم نهضة ما، فكل الدلائل المعنوية والمادية تنم بالعكس عن نهضة إسلامية بعيدة المدى، وهذه حقيقة يقررها كثيرون ممن هم ابعد نظراً واكثر خبرة بشؤون العالم الإسلامي من الدكتور جرمانوس.

وفاة عميد الشعر الإنكليزي

أشارت الرسالة في العدد الماضي إلى وفاة الشاعر الإنكليزي جون درمكوانز، وكانت وفاته فجأة وهو في عنفوان قوته وشاعريته، ولما يبلغ بعد الخامسة والخمسين من عمره، وقد فجع الشعر الإنكليزي حقا بوفاة درنكوانز، ذلك انه يعتبر منذ وفاة توماس هاردي ورديارد كبلنج عميد الشعر الإنكليزي، وكان مولده سنة 1882 وتلقى تربيته في أكسفورد وبرمنجهام، وبدأ حياته كاتبا في إحدى شركات التأمين، وشغف بالمسرح والشعر منذ فتوته وعاون في إنشاء مسرح برمنجهام التوقيعي الذي كان يشرف عليه الفنان الشهير السير باري جاكسون. وظهرت له أول مجموعة شعرية في سنة 1911 بعنوان (الرجال والأوقات) وظهرت في نفس العام أول قطعة مسرحية له موضوعة بالنظم، ومنذ سنة 1914 يوالي درننكوانز إصدار مسرحياته، وقد أحرزت جميعا نجاحا عظيما، منها (الثورة) وهي شعرية، و (السيوف والمحاريث) بيد أن اعظم قطعه مسرحية بلا مراء هي قطعته الشهيرة (ابراهام لنكولن) وقد مثلت لأول مرة سنة 1919، ورفعت شهرته إلى السماكين، وفي سنة 1921 ظهرت قطعته (أوليفر كرومويل)، بيد أنها لم تكن في نجاحها وروعتها كسابقتها (أبراهام لونكن). وفي سنة 1926 نشر درنكوانز رواية توماس هاردي الشهيرة (عميد كستر بروج) في صورة مسرحية. وكتب درنكوانز أيضاً عدة فصول نقدية بديعة؛ ومن أبدعها وأقواها دراسته لحياة صديقه الشاعر روبرت بروك. الذي توفى في اليونان أثناء الحرب الكبرى.

ومنذ عدة أعوام تزوج الشاعر من الموسيقية الشهيرة، ديزي كندي، وهي سيدة بارعة في ثقافتها وفي فنها، درست الموسيقى في فينا وبرعت في العزف على القيثارة براعة مدهشة، وأحرزت شهرة عظيمة في جميع عواصم القارة.

ويذكر القراء أن الشاعر الكبير وزوجته الفنانة البارعة قدما إلى مصر في شتاء 1933، وسحرت ديزي كندي بفنها الرائع المجتمع المصري الرفيع الذي هرع إلى سماع عزفها في الحفلات التي أقيمت يومئذ.

صاحب الجلالة الملك فاروق يتحدث عن البلاد الإسلامية قابل مندوب جريدة (ليزانال) جلالة الملك فاروق فأدلى إليه بالحديث التالي:

بدا الملك المحبوب حديثة قائلا:

لقد أصبحنا حلفاء إنكلترا وسنعرف كيف نحافظ على هذا التحالف. إن شعبي يعترف بالجميل، وهو ينسي الماضي، ويعترف بالحاضر، ويفكر في المستقبل! إن مصر كانت ولا تزال (عاصمة الإسلام) في العالم الإسلامي ومركز الحركة الوطنية فيه، وقد كان للعلائق الإنكليزية المصرية الجديدة اكبر أثر في جميع العالم الإسلامي.

- وهل لمصر علاقة سياسية مباشرة مع البلاد الإسلامية؟

- إن علائق المسلمين - ونستطيع أن نقول الشرقيين - هي علائق أخوة وتضامن واتحاد، وإذا كان المصري يهتم بقضيته الخاصة فإنه لا ينسى قط قضايا البلاد العربية الأخرى. وانك لتجد أثر كل حادث يقع في ناحية من أنحاء الشرق بشغل النفوس بسرعة في القاهرة.

- إذن يعتقد جلالتكم بوجود (الوحدة الإسلامية)

- إن هذه الوحدة كما يفهمها الأوربيون ليست موجودة؛ ولكن الشعور بالاتحاد والتضامن يعمر نفوس جميع المسلمين

إن اليقظة التي عمت البلاد الإسلامية - وخاصة البلاد العربية - بعد الحرب العامة، بدأت تظهر بوضوح وصراحة. وسيكون للمسلمين شأن كبير في المستقبل القريب.

- وهل يضمر المسلمون روح (العداء للأجنبي)

المسلمون كثيرو التسامح، وهم لا يضمرون عداء لأحد، ولكنهم يطالبون بحريتهم واستقلالهم، ويبدون استعدادهم لتوطيد علاقتهم الودية مع الأجانب

النقوش الأثرية في الواحات المصرية

كثر تردد العلماء الأثريين في العهد الأخير على الواحات المصرية، فظهر أنها ميدان حسن للبحث والتنقيب، وعثر العلماء فيها على كثير من النقوش القديمة التي ربما كانت ترجع إلى العصر الحجري، وعلى كثير من النقوش الفرعونية قد صورت على الصخور، وعلى جدران بعض الأبنية القديمة التي كشفت عنها الرمال؛ وفيها صور لبعض مناظر الحياة الاجتماعية القديمة والحيوانات الضارية منقوشة إلى جانب بعض الآلهة المصرية القديمة؛ وعثر المنقبون أخيراً على صور من طراز آخر منها صور تجار من اليونان والرومان، وصور قوافل عربية أو بربرية قديمة، ويقول العلامة الأثري الألماني الدكتور فنكلر انه يستدل من النقوش المكتشفة أن الصحراء الواقعة على جانبي النيل كانت مسكونة منذ نحو ألفي عام من البدو؛ وان هذه القبائل كانت تجري على مثل الفراعنة في عبادة بعض الحيوانات المقدسة، وتوجد صور رجال قد تدلت شعورهم على أكتافهم ورجال قد زينوا رؤوسهم بالريش؛ ويستدل من صور السفن المنقوشة على إن هذه القبائل لم تكن مصرية الأصل، وإنها إنما نزحت من شواطئ البحر الأحمر الشرقية إلى الصحراء؛ ولهذه النقوش أهمية خاصة في الكشف عن أصول الشعوب التي سكنت هذه الوهاد في العصر الغابر.