مجلة الرسالة/العدد 198/يوم عابس
مجلة الرسالة/العدد 198/يوم عابس
في الربيع الباسم
للأستاذ محمود غنيم
يا لصباح أغبرِ الأديمِ ... قد طعن الربيع في الصميمِ
أمطارُه قد شوّهت آذارهْ ... وريحه قد صوحت أزهاره
قد يظفر الباحثُ بالعنقاء ... فيه ولا يرى ابَنَة السماء
فقلتُ: هل ضلَّ صباحُ اليوم ... أم أغرقت شمس الضحى في النوم؟
ويحك يا أيتها الشمس اطلعي ... يا أرضُ غيضي يا سماءُ أَقلعي
وقفتُ حيرانَ على الطريقِ ... من غير ماء صرتُ كالغريق
الأرضُ تحتاجُ إلى عوَّامِ ... فكيف بالسير على الأقدام
من رام أن يسعى يمينا أيسرا ... ومن مشى قدَّامَ عاد القهقرى
لكنني شحذتُ غرب عزمي ... وخضتُ موج ذلك الخضمِّ
فلست بالنِّكْس ولا الجبانِ ... إذا دعا الداعي إلى الميْدانِ
مشيتُ كالنشوانِ كلُّ همي ... أنيَ أحفظ اتِّزان جسمي
أسأل في الطريق كلَّ سابلِ ... كأنني أسيرُ في المجاهل
دمع السماء فوق رأسي هامِ ... والأرض من تحتيَ بحرٌ طامِ
والماءُ قدران على منظاري ... فسرت أهتدي بصوت جاري
وبعد أن كنت على (غياري) ... أخشى من الرشاش والغبار
فرطتُ فيه غاية التفريطِ ... وصرت لا أخشى سوى السقوطِ
وعثرةُ اللسانِ في المقالِ ... دونَ غبارِ الرِّجل في الأوحالِ
وبينما نحن نجوزُ حارةَ ... إذ داهمتنا عندها سيارة
تنطلق انطلاق سهمٍ مارقِ ... سابحة في خفة الزوارق
ينضحُ بالمياهِ جانباها ... على ثيابٍ ليس لي سواها
فطرزتْ إذ ذاك من ثيابي ... ما اخطأته ريشةُ السحابِ
فقلت: ويلٌ للفقير العافي ... من الغنى المترفِ المتلافِ قال رفيقي: دنت الدروسُ ... وبعد خمس يضربُ الناقوسُ
فقلت: مهلاً أيها الرفيق ... ما يفعلُ المدرسُ الغريقُ؟
قال: (أجيمًا) تبتغي و (سينًا)؟ ... أسرع فلست تجهل القانونا
قلت قوانين البلاد جائرةْ ... إن هي ساوتنا بأهل القاهرةْ
لا تذكر القانون في الأريافِ ... قد وضعَ القانونُ في الجفافِ
حيث الشوارعُ التي لا تنضحُ ... ولا بمكث الماء فيها تسمحُ
وهكذا (نشرب) نحن المطرا ... وساكن المدن به ما شَعَرا
وكل ما في الريف من محامدِ ... يذهب في أمطارِ يومٍ واحدِ
(كوم حمادة)
محمود غنيم