مجلة الرسالة/العدد 20/في الأدب الشرقي

مجلة الرسالة/العدد 20/في الأدب الشرقي

مجلة الرسالة - العدد 20
في الأدب الشرقي
ملاحظات: بتاريخ: 01 - 11 - 1933



جحا في الأدب الفارسي

للدكتور عبد الوهاب عزام

قال في لسان العرب: (وجحا أسم رجل) وقال في القاموس: (وجحا لقب أبي الغصن دجين بن ثابت) وقال شمس الدين بك في قاموس الأعلام: (هو من قبيلة فزارة، يضرب به المثل في الحمق، وكان في الكوفة إبان ثورة أبى مسلم الخراساني. وجحا الرومي كناية عن خواجة نصر الدين).

وقد ذكر ابن النديم في الفهرست كتاب نوادر جحا.

وأما جحا الرومي أو خواجة نصر الدين فيرو أنه كان معاصر حاجي بكتاش، ويقال انه عاش في عصر السلاجقة. وتحكى عنه نوادر كثيرة في التركية كنوادر جحا في العربية. وفي جوار آقشهر مكان غير مسور وله باب عليه قفل كبير يقال انه قبر نصر الدين.

وقد شاعت نوادر جحا في مصر وأفريقيا الشمالية كلها كما شاعت نوادر نصر الدين في تركيا. ونقلت نوادر الرجلين إلى شرقي أوربا وجنوبيها. ففي صقلية وبلاد أخرى حرف أسم جحا إلى جوفا أو وفي بلاد اليونان والصرب ورومانيا حرف أسم نصر الدين خواجة إلى

ولا حاجة إلى الكلام عن نوادر جحا ونصر الدين خواجه في العربية والتركية فهي معروفة ومطبوعة في مصر.

بعض هذه النوادر مروي في الأدب الفارسي في لطائف عبيد الزاكاني الشاعر المعروف، ولكنها لا تنسب إلى جحا، ولا يستطيع من يعرف الزاكاني ولطائفه أن يذكر أسمه دون أن يمتع القارئ ببعض حكاياته:

ذهب رجل من قزوين في جيش لغزو جماعة من الإسماعيلية وكان مع الرجل ترس كبير. فلما قارب قلاع العدو أصاب رأسه حجر فغضب وانصرف. فقال بعض أصحابه: ما خطبك؟ قال يا أخي أنا لا أحارب قوما عميا. كيف يرمون رأسي بالحجر وفي يدي هذا الترس الكبير؟!

وأخرى من لطائف الزاكاني: أن رجلا شاهد آخر يؤذن وهو يجري. قال: ما شأنك؟ قال: يا أخي إن الناس يزعمون إن صوتي حسن حين يسمع من بعيد. فأردت أن أخبر ذلك بنفسي.

وقد ذكر جحا في شعر الآنوري بأسم جحي (بكسر الحاء):

أز حسد فتح تو خصم تو بي كرداسب ... همجو جحى كز خدوك جرخه ما در شكست

(ان خصمك عرقب فرسه غيظا من انتصارك مثل جحى الذي كسر مغزل أمه من الغضب) وذلك أن جحا قص على جلسائه نادرة فلم يضحكوا لها فذهب إلى داره مغضبا فكسر مغزل أمه.

وذكر جحا في مثنوى مولانا جلال الدين بأسم جوحي وذلك في ثلاث نوادر

الأولى في الدفتر الثاني من الكتاب:

مشى صبي في جنازة والده يبكي ويضرب رأسه ويصيح: يا أبت إلى أين تحمل! أتوضع تحت الثرى! انك تحمل إلى دار ضيقة مقفرة ليس فيها سجادة ولا حصير، ولا سراج بالليل، ولا خبز بالنهار، ولا فيها أثر من الطعام ولا رائحة، ولا سقف ولا باب ولا جار مؤنس. كيف بعينيك في دار مظلمة خربة، وقد كانتا مقبل الناس؟ دار مخوفة ومكان ضيق لا يبقى على وجه ولا نضرة.

وظل يعدد أوصاف الدار على هذا النسق، ويذرف من عينه دمعا قانيا. فقال جوحي لأبيه: أيها الأريب! والله إن هذا الميت ليحمل إلى دارنا. قال أبوه: لا تكن أبله. قال يا أبت استمع إلى أوصاف الدار. انها لا ريب صفات دارنا: لا حصير بها، ولا سراج، ولا طعام، ولا فناء، ولا سطح، ولا باب!

النادرة الثانية في الدفتر الخامس من المثنوي فيقرأها فيه من يعرف الفارسية فليس يجمل أن تذكر هنا.

وخلاصة الثالثة: أن جحا ألح عليه الفقر فأوعز إلى امرأته أن تشكوه إلى القاضي وتستدرجه إلى بيتها. فرفعت أمرها إلى القاضي وأفاضت في بيان ظلامتها. ثم سألت القاضي أن يزورها في دارها لتحدثه في أمرها. وجاء القاضي إلى الدار فجاء زوجها فأظهرت الخوف وهولت على القاضي الأمر حتى اختبأ في صندوق. ويدخل جحا فيقول قد عزمت على إحراق هذا الصندوق فان الناس يحسبونه مملوءا ذهبا، سأخرجه غداً فأحرقه على أعين الناس. ولما أصبح دعا حمالا فحمله الصندوق وسار وراءه. فنادى القاضي الحمال؛ والحمال لا يدري من أين يسمع الصوت حتى عرف أنه صوت رجل في الصندوق، فسأله القاضي أن يرسل إلى وكيله ليشتري الصندوق. وجاء الوكيل فسأل عن الثمن. قال جحا: ألف دينار فلما تردد الوكيل عرض جحا أن يفتح له الصندوق ليعلم أنه جدير بهذا الثمن. وانتهيا إلى الاتفاق على مائة دينار فنقدها الوكيل وأخذ الصندوق. وبعد سنة احتاج جحا إلى المال مرة أخرى فأوحى إلى زوجه أن تعيد الحيلة مع القاضي فذهبت ترفع إليه ظلامتها من زوجها، ووكلت امرأة أخرى في الكلام حتى لا يعرف صوتها، فأمرها القاضي أن تحضر المدعي عليه، فلما جاء جحا قال القاضي: لماذا لا تنفق على امرأتك ما يكفيها؟ قال إني فقير لا أملك حتى ثمن الكفن إن حظرني الموت. فقال القاضي، وقد عرفه: نعم لقد لعبت معي عام أول فربحت، وهذه نوبتي في الربح. فإن شئت فالعب مع من تشاء ودع اللعب معي.

وقد اثبت جلال الدين هذه النوادر في شرح آرائه الصوفية والأخلاقية كدأبه في ضرب الأمثال والذهاب بقارئه كل مذهب.

في جامع الحكايات لحبيب الله الكاشاني، الحكايات الثلاث التي في المنتوي، وأربع أخرى من نوادر جحا. أترجم منها واحدة:

جاء جحا يوما إلى شاطئ دجلة فرأى بعض العميان يريدون أن يعبروا النهر. فقال ماذا تجعلون لي إن أبلغتكم الشاطئ الآخر: قالوا: يعطيك كل منا عشر جوزات، قال: ليمسك كل منكم بحزام الآخر، وليمسك أولكم بيدي. فلما توسطوا النهر اشتد التيار فذهب بواحد منهم. فصاحوا: ذهب أحدنا يا جحا! قال الآن خسرت عشر جوزات! ثم ذهب التيار بآخر فصاحوا جزعين: وآخر ذهب به الماء! قال يا ويلتا ذهب من يدي عشرون جوزة! وذهب الماء بالثالث فصاحوا: سنغرق جميعا: قال جحا: وما يعنيكم أيها الحمقى! إنما الخسارة علي! أنا الذي أخسر بكل غريق عشر جوزات.

وأخرى من نوادر جوحي في الباب الثالث من كتاب بهارستان لعبد الرحمن الجامي:

كان لرجل على جوحي مائة درهم، فرفع الأمر إلى القاضي فسأله ألك شاهد؟ قال: لا. قال القاضي لجحا فاحلف له. قال المدعي أنه لا يبالي باليمين. فقال جوحي: يا قاضي المسلمين: إن لم يثق بيميني ففي مسجدنا إمام تقي صادق القول حسن السيرة فابعث إليه وحلفه مكاني ليطمئن هذا المدعي!