مجلة الرسالة/العدد 20/قص الشعر في الأدب العربي

مجلة الرسالة/العدد 20/قص الشعر في الأدب العربي

مجلة الرسالة - العدد 20
قص الشعر في الأدب العربي
ملاحظات: بتاريخ: 01 - 11 - 1933



نشرت الأهرام كلمة تحت عنوان (مبتكر مودة قص الشعر) ذكر الكاتب فيها نقلا عن احدى المجلات الإنجليزية أن مبتكر هذه الطريقة هو المسيو سير بليغوسكي البولندي المعروف وهو يقيم الآن بلندن، والذي أعرفه أن هذا النوع نشأ من عصر بعيد. فقد يجد الباحث في الأدب العربي كثيرا من الصور الشعرية يعرف منها كيف نشأت هذه الطريقة في العصور العربية الزاهية أيام سلطان العباسيين بالمشرق وبني أمية بالآندلس، ذلك العهد الذي مال فيه العرب إلى كثير من ألوان الترف واطمأنوا فيه إلى الدعة وخفض العيش. ولقد كان من آثار هذا الإغراق في النعيم والافتنان في أساليبها أن كانوا يعبثون بشكل الفتاة الطبيعي فيقصون شعرها ابتغاء منظر طريف يمتعون به عيونهم في مجالس الشراب، كما كان يجد الشعراء في ذلك لذة فنية تعينهم على اتساع مدى خيالهم الشعري، ويطلقون على هذه الفتاة الصغيرة (جارية غلامية) ولم يك هذا النوع من العبث بالشكل الطبيعي مقصورا على الفتيات، فقد كانوا يصنعون الأقراط في آذان سقاتهم من الغلمان ويطلقون على كل منهم (غلام مقرطق) وسيجد القارئ في هذه الصورة تأييداً لما ذكرت.

قال عامر بن شهيد أحد شعراء الأندلس يمدح أميرا ينتسب إلى الأسرة العامرية، وقد استهل قصيدته بوصف الخمر وأدواتها والجارية التي قامت على الشراب:

أذن الديك فتب أو ثوب ... وانضح القلب بماء العنب

وتأمل آية معجزة ... ما قرأنا مثلها في الكتب

ركع الإبريق من طاعته ... وبكى فابتل ثوب الاكؤب

ولول المزهر ينفي طربي ... وتطربت فأعيا طربي

وربيب قام فينا ساقياً ... كالرشا أرضع بين الربرب

ظبية دون الظباء قصصت ... فأتت غيداء في شكل صبي

فتح الورد على وجنتها ... وحماه صدغها بالعقرب

والذي ينظر إلى البيت السادس يعرف جيدا كيف كانت (مودة قص الشعر) معروفة بين الأندلسيين، ولعل أول من نقلها إليهم زرياب (المغني المعروف) فقد وفد من المشرق في عهد الرشيد بعد أن حقد عليه أستاذه إسحاق الموصلي فأقام كثيرا من عادات البغداديين في ربوع قرطبة وما جاورها وأحدث وتراً خامساً للعود. فمن المؤكد إذن أن هذه الطريقة نشأت في الدولة العربية ويرجح انتقالها من بغداد إلى قرطبة لسبق الأولى في الحضارة نتيجة اختلاط العرب بالفرس واليونان ولا سيما بعد الفتح العربي؟

علي شرف الدين. دبلوم دار العلوم