مجلة الرسالة/العدد 208/واجبنا الثقافي نحو الآداب والفنون

مجلة الرسالة/العدد 208/واجبنا الثقافي نحو الآداب والفنون

مجلة الرسالة - العدد 208
واجبنا الثقافي نحو الآداب والفنون
ملاحظات: بتاريخ: 28 - 06 - 1937



للأستاذ إسماعيل مظهر

قال الأستاذ الكبير لزلي إستيفن في أول الفصل الثاني من كتابه العظيم (الفكر الإنجليزي في القرن الثامن عشر) ما يلي:

إن الكتب التي هي بمثابة الدعائم الثابتة في تاريخ الآداب، إنما تكون من الطائفتين: أحدهما طائفة الكتب التي تلخص جدل الماضي، والثانية طائفة الكتب التي تعد جدل المستقبل

والظاهر من كلام هذا الرجل الفذ يتضمن في مطاويه كثيرا من الحقائق التي ينبغي لنا أن ننعم النظر فيها، ونطيل التأمل والاستبصار منها، ذلك بأن آدابنا وفنوننا حتى الآن تفتقر إلى الطائفتين معاً: تحتاج إلى كتب تلخص جدل الماضي، وتحتاج إلى كتب تعد العدة لجدل المستقبل.

أما الكتب التي تلخص جدل الماضي فلا سبيل إليها إلا بالترجمة والنقل عن اللغات الأخرى، لنستكمل بها - في لغتنا العربية المنيفة - الأداة التي تعدنا لجدل المستقبل. وعلى هذا نريد أن ننظر أتسع آدابنا وفنوننا اليوم تلك الكتب التي تتضمن مشاكل الماضي وتعدنا لمشاكل المستقبل؟

أما الذين هم أميل إلى التفاؤل فيقولون إن ما بين أيدينا من الكتب يكفي لتكوين الأديب الذي يستطيع أن يخلق القضايا العقلية والنظريات التي سوف تكون عدة الجدل في المستقبل. وعلى النقيض من هؤلاء فئة تذهب إلى عكس ما تذهب إليه الأولى وإن كل من يعرف مقدار التراث الذي خلفته القرون الأولى، ويجول بفكره جولة يقطع بها تاريخ ستين قرناً من الزمان ليقنعه بعدُ الشقة التي تفصل بين أبناء العرب وبين المراجع التي هي عدة لجدل المستقبل، بلزوم الإكباب على درس ما يلخص جدل الماضي، من آثار الآداب والفنون.

عن لي أن أكتب في هذا الموضوع، وأن أخص الرسالة بما أكتب، إثر سؤال تقدم به إلي صديق من خريجي الأزهر ومن رجال التخصص فيه يريد به أن يعرف المصادر التي يستطيع أن يدرس فيها تاريخ الاسكندر المقدوني وحياته وأعماله، وقد أراد أن يكتب رسالة في تاريخ هذا الرجل وأن يعقد في الرسالة فصلا يبحث فيه العلاقة التاريخية بين الاسكندر المقدوني وذي القرنين الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، وعبثاً ما حاولت أن أستذكر اسم كتاب واحد في اللغة العربية يمكن أن يتخذ مرجعاً في مثل هذا الدرس التاريخي الحافل. وهب أني استطعت أن اقفه على أسم كتاب أو كتابين، على تقدير ذلك، فهل ذلك يغنيه عن الرجوع إلى المصادر القديمة التي تصدت لذكر الاسكندر المقدوني وفتوحاته، مثل فلوطرخوس وإفلينيوس وإسطرايون وبطليموس ويوستين وكورتيوس وغيرهم وغيرهم ممن لا تحصيهم الذاكرة، وهل ذلك يغنيه إذا أراد أن يكتب في أخلاق الإسكندر عن درس المراجع التي كتبت في فيليبس الثاني أبيه، والمراجع التي كتبت في صفات أمه أولمبياس؟ هل ذلك يغنيه عن أن يعرف أن هناك قصة أكثر ما فيها خرافي تدعى عند الأعاجم قصة الاسكندر، يرجح الثقات أنها كتبت في مصر في خلال القرن الثالث الميلادي، وأن هذه القصة ترجمت إلى أكثر اللغات الحية ما عدا العربية بالطبع، وأن ذيوع هذه القصة كان سبباً فيما ذاع عن الإسكندر من الخرافات، حتى قيل إنه نبي مرة وإنه رسول مرة أخرى؟

ذكرت للأديب العالم الذي سألني مجمل هذه الأشياء، وزدت على ذلك أن درس تاريخ الإسكندر على الصورة التي رسمها يحتاج إلى إلمام بتاريخ الثقافة الهلينية وعلاقتها بغزوات الإسكندر في الشرق؛ ثم زدت على ذلك أن هذا الدرس يحتاج إلى إكباب على درس جغرافية حوض البحر المتوسط القديمة والمدن التي قامت حقاً فيه وتاريخها وأثرها في نشر الثقافة الهيلينية، ثم درس جغرافية الشرق القديمة من حدود بحر الروم إلى حدود بلاد الهند؛ ثم زدت على ذلك أنه من المحتوم على من يريد أن يدرس هذا الدرس وينحو هذا النحو أن يلم بتاريخ الصراع بين فارس وبلاد اليونان قبل ظهور الإسكندر، وأن يلم بالحالات التي قامت في بلاد فارس قبيل الفتح المقدوني.

صور لنفسك أيها الباحث بعد ذلك عدد المراجع التي يحتاج إليها باحث كهذا الباحث ليدرس موضوعاً خيل إليه بدءاً أن بحثه هين وأن درسه سهل، وصور لنفسك بعد ذلك مقدار ما يكون في بحث مثل هذا يتم بغير مراجع وثيقة فيها من نقص وجهل وتقليل، ثم صور لنفسك بعد هذا كله مقدار ما يكون في مؤلف يبرز للناس عفو الخاطر من قدرة على تلخيص جدل الماضي، وليكون للمستقبل جدله الخاص به؟ وإني لأقول آسفاً إن صديقي هذا على مقدار ما كان فيه من شغف لبحث هذا الموضوع، قد أضطر إلى الميل عنه إلى بحث آخر عربي المرجع، بحث من تلكم البحوث التي يعتمد فيها على كتب عربية لم يصقلها النقد، ولم يقف على إخراجها للناس علماء أنفقوا من وقتهم في تصحيحها وضبط أعلامها وألفاظها ما يجدر بكتب هي في الواقع مراجع العلم ومآل العالم في البحث

انتهت محاولة ذلك العالم بأن يتحول عن الإسكندر إلى غيره، لأنه فقد المراجع التي يستطيع أن يتخذها عدة للبحث. ولم ينته الأمر عند ذلك. فقد أرسل إلى أديب من أدباء العراق كتاباً يسألني فيه عن المراجع العربية التي يستطيع أن يخلص منها بشيء من تاريخ تأسيس مدينة الإسكندرية والبحوث التي قام بها الذين عنوا بموضوع هذه المدينة، ولقد أردت أن ألبي طلب الأديب فبحثت عن المراجع فلم أجد لها أثراً، ونقبت عن الكتب التي ألمت بشيء من تاريخ العصر المقدوني بمصر فلم أقف لها على وجود وفي النهاية اضطررت أن أكتب إليه بأن يستعين بأحد الذين يجيدون اللغة الإنجليزية ويراجع ما كتب مهفي وهوجارت واردن بيفن، وأنا على علم بأن حظه من التأليف والبحث سوف لا يعدو حظ صديقي الأول:

وبعد فأن أمثال الباحثين كثيرون، يريدون أن يلخصوا جدل الماضي، وأن يعدو العدة لجدل المستقبل، ولكن عمادهم مفقود، وسلاحهم مفلول، على أن ما طلب الباحثان لأهون بكثير مما يطلب غيرهما، فالتاريخ على ما فيه من عويص المشكلات يهونه نقل مراجعه إلى العربية، بقدر ما يصعب نقل الآثار الأدبية أو الفلسفية، فلو أن كاتباً أراد أن يكتب في تاريخ الشعر الإغريقي فأي المراجع يقصد وأي الأبواب يلج؟ ولو أن كاتباً أخر أراد أن يستقصي تاريخ المذاهب الفلسفة التي اندست في ما نظم شعراء الحكمة عند اليونان، فأي الكتب ستذكر وأي المدونات يدرس؟

دعك من كل هذا، وصور لنفسك حال باحث يريد أن يقف على تاريخ العصر الروماني في مصر، أو أن يقف على شيء من تاريخ الكنيسة النصرانية فيها، أو أن يقيم من تاريخ الصراع بين الهيئتين السياسية والدينية، هيكلاً يخلص منه تاريخ شامل لمصر في خلال سبعة قرون حكم فيها الرومان أرض النيل، فأي الكتب العربية يستوحي وأي الأبواب يطرق؟ أما إذا كان هذا مقدار النقص الذي نحسه في مراجعنا العربية في مسائل هي أكثر المسائل مساساً بتاريخنا، فكيف بنا إذا أراد أحدنا أن يتخذ من الكتب العربية مرجعاً لدرس تاريخ الاستكشاف الجغرافي وعلاقة ذلك بتاريخ الاستعمار الأوربي، أو التاريخ السياسي لدول أوربا في القرن التاسع عشر، أو أثر الحروب الأوربية في تكوين التصور السياسي الجديد في القرن العشرين؟

تشعرنا هذه الحقائق بأن أدبنا ناقص، وأن علمنا ناقص، وأننا مصدودون عن البحث بصواد ليس لنا من يد في دفعها ونحن اكثر شعوراً بذلك إذا أردنا أن نؤلف في تاريخ العلم الحديث أو في تاريخ الفكر عامة أو في تاريخ الفنون أو الفلسفة.

مثل الظرف التي تجتازه ثقافتنا، قد اجتازته من قبل أمم عديدة. والعرب في العصر العباسي، وأوربا في حدود القرون الوسطى، أقرب ما نمثل به، على أن احتياجنا إلى الكتب التي ندرس فيها شتى موضوعات الأدب والفن، ونكمل بها عدتنا في اللغة العربية، ينبغي أن لا يقتصر على كتب المراجع وحدها بل يجب أن يتعدى إلى الأمهات المؤلفة في مختلف الموضوعات، ففي تاريخ اليونان مثلاً تدعونا الحاجة إلى أن ننقل إلى جانب المؤلفات القديمة مؤلف جورج جروت مثلا، وفي تاريخ الرومان نضطر إلى نقل كتاب ممزن الذي حلل الحياة الرومانية اجتماعياً واقتصادياً وكتاب انحلال القيصرية الرومانية الذي يبحث الأسباب السياسية التي أدت إلى ذلك الانحلال. كذلك ينبغي لنا أن ننقل إلى العربية كل المراجع التي تعالج تاريخ الفكر وثورات العقل وأن لم نلم بكل ما يتاح لنا الإلمام به من المظان التي توسع من أفق العلم بأخبار الأمم وحالاتها وأسباب ارتفاعها وسقوطها

أضف إلى ذلك أن أدبنا تنقصه المعاجم الكثيرة، فهل يمكن لأديب باحث أو عالم متفرغ للعلم أن يستكمل عدة البحث بغير معاجم قريبة التناول سهلة الأسلوب؟ وإذا أردت أن تعرف مقدار افتقارنا إلى المعاجم فانظر هل في مراجعنا شيء من المعاجم الآتية: -

(1) معجم لغوي تاريخي

(2) معجم اصطلاحي لمفردات العلوم

(3) معجم لغوي عام (4) معجم الآداب

(5) معجم للفلسفة وعلم النفس

(6) معجم الأسماء القديمة

(7) معجم الأسماء الحديثة: في الجغرافيا والتاريخ

(8) معجم الأسماء العربية

(9) معجم أسماء طبقات الحيوان

(10) معجم أسماء طبقات النبات

(11) معجم المصطلحات الإسلامية

إلى غير ذلك مما يصعب حصره وتحديد الحاجة إليه.

وأنك إذا تصفحت رسالة في التاريخ القديم مترجمة إلى اللغة العربية عن الفرنسية، ثم قارنتها برسالة في نفس الموضوع مترجمة إلى العربية عن اللغة الإنجليزية أو الألمانية، لتعذر عليك في كثير من الأحوال التمييز بين الاسم العلم الواحد لشدة ما تنافر الناقلان في طريقة نقله إلى العربية، حتى لقد تقدم إلي كثيرون من طلاب الآداب يسألون عن حقيقة أسماء مختلفة عرضت في درج رسائل في التاريخ، وبمقارنتها اتضح لي أنها اسم واحد نقله عدة من المترجمين بصيغ مختلفة في العربية. ولا شك في أن هذه الفوضى الغامرة من شأنها أن تعمي على طلاب العلم وربما كانت سببا في تناقضهم.

وإذا وقع التناقض للملمين بشيء من آداب اللغات الأوربية بسبب ذلك، فأحرى ممن يدرسون باللغة العربية خالصة، أن يكونوا أشد تناقضا وأكثر تطوحا مع الأوهام التي أكاد أجزم بأنها شائعة في أكثر ما يكتبونه ويؤلفونه شيوعاً عظيماً إذا تعرض أحدهم للكتابة في غير الموضوعات الإسلامية، وما السبب في هذا إلا احتياجنا إلى معاجم لأسماء الأعلام تجري في تعريب الأسماء القديمة والحديثة على قواعد معينة، اللهم إلا ما عربه العرب، وهو قليل، فأنه يبقى كما عربوه.

خيل إلى بعض المشتغلين بحركة الثقافة في مصر، وتتبعوا أطوارها منذ مائة سنة، أن ما نقل إلى العربية من فروع المعرفة كاف لأنه يكون جزءاً صالحا من العلم بحقائق الأشياء، والحقيقة التي أحسها تناقض هذا الخيال، فقد اتبع النقلة عندنا حتى الآن طريقتين: إما التلخيص وإما نقل نتف من المذاهب أو قطع متفرقة عن كتاب الأدب المعروفين، وكلا الأمرين مضر أقصى الضرر بالثقافة الصحيحة، فأن هذه الثقافة لا يمكن أن تتلقى نتفا وأقساطا إلا لتكون أدبا ناقصاً أو علماً ناقصاً أو فناً ناقصاً، والمعرفة إذا اعتورها النقص في الأصول التي تقوم عليها، امتنع عليها أن تكون أداة قويمة لخلق التصورات العامة في العلم والأدب والفلسفة. وخلق التصور العام في العلم والأدب والفلسفة هي الغاية التي يجب أن تنتهي إليها الثقافة العامة، هي المثل الأعلى الذي ينبغي أن ينشد من العلم، وهي الهدف الذي يجب أن يرمي إليه التعليم.

إذن يكون ما نقلنا إلى اليوم من الآثار العلمية والأدبية عن المعرفة الجديدة، وبالحرى عن الثقافة الأوربية، إنما هو نتف وأجزاء، لها من الفائدة على قدر ما فيها من تعبير صحيح عن مذاهب أصحابها، وقلما يعبر الجزء عن الكل تعبيراً صادقاً قويماً

من جراء هذا كان ذلك الارتجاج العظيم الذي نشهده في مجالي الأدب العصري في مصر والشرق. ذلك بأنه أدب اعتمد على نتف من قديمنا وعلى نتف من الحديث المنقول عن أوربا، اعتمد على درس غير كامل لآدابنا القديمة، وعلى درس غير كامل للآداب الأوربية، فكان في جملته أشبه ببقايا السلع المختلفة إذا اجتمعت لتكون شيئاً جديداً، ولك أن تتصور مقدار ما في ذلك الشيء المكون من تلك البقايا من تنافر ونقص، إذا أنت صورت لنفسك حيواناً استحدثت صورته من أجزاء مختلفة من البقايا الحفرية جمعت من مختلف أجزاء الكرة الأرضية.

تلك حال الأدب، وهذه طريق العلم في عهدنا الجديد؛ فمن المسؤول إذن عن هذه الفوضى العظيمة؟

من الحقائق التي لا نزاع فيها أن ما استحدث حتى الآن من ألوان الأدب والعلم على نقصه، إنما يرجع إلى جهود بضعة أفراد يمكن عدهم على أصابع اليدين. على أن جهود هؤلاء كانت جهوداً متفرقة موزعة لم تجتمع يوما على غرض رمت إليه ولا نظرت إلى هدف صوبت نحوه ووجهت عملها نحو البلوغ إليه. ولقد عانى أكثر هؤلاء من عنت الدنيا ومن انصراف الناس عن الأدب والعلم ما جعلهم يفرون من ميدان العمل الواحد تلو الأخر، ليفسحوا الطريق لغيرهم ممن يريدون أن يقامروا على موائد الأدب والعلم إما بمالهم أو بعافيتهم، تاركين للأقدار وزن ما جهدوا فيه وعملوا له السنين الطوال. ومن أعجب العجب أن أكثر الذين سقطوا في ذلك الميدان كانوا ممن حملوا لواء فكرة جديدة أو مذهب حديث حاولوا نشره في الناس وفيهم حرارة الأيمان وحماسة الاقتناع بصلاحياته، وكان من الواجب أن يؤيدوا ولو إلى الحد الذي يمكنهم من إتمام رسالتهم وتأديتها على وجه يضمن في المستقبل سلامتها لتكون عدة من العدد التي يقوم من حولها جدل المستقبل. ولكن شيئاً من ذلك لم يعش في بيئتنا الأدبية على صورة يتخيل معها أشد الناس تفاؤلاً بأن لها أثراً ثابتاً في عقل الجماعات العلمية أو الأدبية في هذه البلاد أو في غيرها من بقاع الشرق.

فلا نكران إذاً في أن الأفراد قد قاموا بأوفر نصيب في تنشئة تلك الجرثومة التي تبعث في أدبنا شيئا من مجالي الحياة، ولا يطالب الأفراد مطالب بأكثر مما جهدوا له إلا ويكون إلى الظلم والتجني أقرب منه إلى الأنصاف والعدل.

غير أن أمامنا بعد الأفراد الذين عملوا على تكوين التصور الأدبي الجديد جهات أربع يجب أن نتوجه إليها بالكلام في ختام هذه الكلمة

فأن الأدب والعلم لم ينلهما حتى الآن نصيب من تقدير ظهراء لهم من الجاه والمال ما يكفل لأفراد ممتازين في المعرفة على اختلاف ألوانها إبراز أثارهم وتسجيلها في تاريخ العصر الذي يعيشون فيه ولقد كان لظهراء العلم والمعرفة في القرون الوسطى الأثر الأعظم في نقل العلوم إلى أوربا، كما كان لهم في العصر العباسي الأثر الأدنى في نقل العلوم والمعرفة إلى الشرق. وفي مصر ولله الحمد فئة من هؤلاء ولكنهم لا يفكرون في الأدب أو في العلم أو في حماية حرية الفكر إلا كما يفكرون في أتفه الأشياء التي تمر بهم في الحياة. وهؤلاء لا يستحقون من كل نصير للأدب أو حليف للعلم إلا أشد اللوم والتقريع. ولقد برهن هؤلاء على أنهم في هذا العصر، عصر النور والمعرفة، أقل إجلالاً للعلم وتقديراً للمعرفة والأدب والفن، من أمراء المماليك رحمهم الله، وقد أزدهر عهدهم بالأدب واستنار بالعلم، لأنهم كانوا ولا شك من أشد أمراء المسلمين رعاية لآثار العقل والفن أدبية كانت أو فنية. لقد كان أمراء المماليك ظهراء لرجال العلم نصراء لرجال الأدب وفي معتقدي أن ذلك أفخم وأروع ما خلفوا لإعقابهم من صالح الأعمال

بقي بعد ذلك جهات ثلاث: الأولى وزارة المعارف، والثانية الجامعة المصرية، والثالثة الأزهر الشريف، ولا أعلم لماذا لا يكون في كل من هذه الجهات مؤسسات علمية لترجمة ما يعنيها من المؤلفات قديمة وحديثة؟ اللهم إلا أننا لم ندرك بعد أننا في نهاية الأمم المتمدنة من حيث العلم والمعرفة والعناية بنقل العلوم والمذاهب الأدبية والفلسفية إلى لغتنا العربية المبينة

سيظل أدبنا وعلمنا ناقصين من نقل المظان والأمهات إلى العربية؛ فهل نحن فاعلون؟

إسماعيل مظهر