مجلة الرسالة/العدد 210/الشعر على اللسان النبوي

مجلة الرسالة/العدد 210/الشعر على اللسان النبوي

ملاحظات: بتاريخ: 12 - 07 - 1937



للسيد جلال الحنفي

الذي لا زلنا نسمعه ونقرأه بحيث بات من البديهيات التي لا يتجادل فيها، وأصبح من غير المحمود الخروج عليه: أن الشعر لم يكن يلتئم على لسان النبي . ويقال إن النبي أنشد قول طرفة المشهور على هذا الشكل:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك من لم تزوّد بالأخبار

فقيل له: ليس البيت كذلك يا رسول الله، وإنما هو هكذا:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

فرجع منشداً للبيت كما أنشده من قبل، ولم يتمكن من إنشاده بلفظه.

وإني لأعجب منتهى العجب كيف يسوغ لأحد أن يتهم رسول الله بهذا العّي الذي ينقص أي امرئ إذا نسب إليه، وناهيك بالنبي وهو أفصح من نطق بالضاد، وصاحب الكلم الجوامع.

ولا أريد هنا أن أدلي بالنصوص التي يعلم منها أن النبي رغب في الشعر وحث عليه وافتخر ببعض رجاله، ودرج على ذلك بقية من أصحابه، وإنما أعرض هنا طائفة من المواطن التي تقيم الحجة على ما يسند إلى الرسول غير صحيح؛ وأنه أنشد بضعة أبيات في أحوال متعددة من دون أن يخرجها عن سننها.

فلقد أنشد في حفر الخندق من شعر عبد الله بن رواحة:

هذا الحِمال لا جمال خيبْر ... هذا أبرُ ربَّنا وأظهر

ولكن ابن شهاب الزهري قال تعليقاً على هذا تخلصاً من الحجة التي تقع على القاعدة الموضوعة في هذا الأمر، قال:

(ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله تمثل ببيت شعر تام غير هذا البيت)

والحقيقة أيضاً خلاف هذا إذ أنه أنشد في حفر الخندق أيضاً لابن رواحة على ما رواه البخاري، ومسلم والمؤرخون:

والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا ص فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا

والمشركون قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا

وأنشد رسول الله يوم الخندق أيضاً:

بسم الإله وبه هدينا ... ولو عبدنا غيره شقينا

يا حبذا رباً وحب دينا

وأنشد عليه الصلاة والسلام لأمية:

رجل وثور تحت رجل يمينه ... والنسر للأخرى وليث مرصد

وأنشد فيما أنشد:

أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم

ولولا الذهب الأح ... مر ما حلت نواديكم

ولولا الحبة السمرا ... ء لم تسمن عذاريكم

وكان صلوات الله عليه كثيراً ما ينشد لعنترة:

ولقد أبيت على الطوى وأظله ... حتى أنال به كريم المأكل

وينشد للبيد:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل

وإني لأخجل في تحقيق مثل هذا الأمر والدفاع عن النبي فيما عقلوه فيه من العجز عن النطق بالبيت على وزنه من حيث لا حكمة هنالك، ولولا أن تكون المسألة ضاربة إطنابها بين المعتقدات لما أسلكت قلمي في سبيل نقدها.

(بغداد)

جلال الحنفي

خطيب جامع عطاء