مجلة الرسالة/العدد 216/هذي المعاهد

مجلة الرسالة/العدد 216/هذي المعاهد

ملاحظات: بتاريخ: 23 - 08 - 1937



قَضَّيتُ آمالَ الحشاشة أجمعا ... ورأيت ما اغترق العيونَ وأمتعا

وعرضتُ من فِتَن الطبيعة موكباً ... سيظل في خلدي نضيراً مونعاً

ومضيت عن نَظَرٍ بديع معجب ... حَسَنٍ إلى نَظَرٍ أَحَبَّ وَأبْدَعا

وجَلَتْ حلاها لي الطبيعة أُفْقَها ... وأَديمها وأَراكَها المتضوعا

وقرارةً هبطتْ ونجداً صاعداً ... وخميلة نضرت وعشباً أَمرعا

ونميرَ ماءٍ سارياً متوانيا ... حيناً وحيناً دافقاً متدفعا

ينساب آنا ساكناً مترقرقا ... بسطت حواليه الغصونُ الأذرعا

ورَمَتْ عليه ظلالَها مخضَرَّةً ... فكأنَّ روضاً رفَّ فيه وأَفرعا

ويغيب آنا في حنايا غابِهِ ... إلا خريراً منه شق المسمعا

يتلو على سمع الصخور قصيدَهُ ... عذبَ البيان مجنّساً ومسجَّعا

ويفيض من جسر إلى جسر إلى ... جسر يزمزم تحته متخشّعا

ويضل عن بصري ويذهب ضاوياً ... ويعود يلقاني مليئاً مترعا

صرَّفتُ في تلك المجالي نظرتي ... ورويت طرفي مرسَلاً ومرجَّعا

واشتقتُ لي في كل بيت مسكناً ... منها وجَانِبَ كلِّ دوح مضجعا

يا حُسْنَ أَبياتٍ هناك تتابعت ... زُمَراً تفرَّق بعضها وتجمعا

جثمت على قمم الربى وسفوحها ... وبدا بها نَورُ الزهور مرصَّعا

وزكتْ بساحتها الثمارُ شهيةً ... وعَدَتْ حواليها السوائم رُتَّعا

ويجودها هامي السحاب فتنجلي ... أَبهى من الثلج النقي وأَنصعا

ما ضرَّ مالِكَها ونازلَ حُسنها ... ما نال من آماله أو ضيَّعا

فِتَنٌ نعمتُ بها نهاراً خلتُني ... قد جُبْتُ حُسْنَ الكون فيه أَجمعا

مُذ طالعتْها الشمسُ في رأد الضحى ... حتى زها فيها الأصيل مشعشعا

هذي المعاهد كم سعدتُ بظلها ... وخطرت في جنباتها مستمتعا

وصحبتُ فيها الليل آخِرَ قافلِ ... ولقيتُ فيها الصبح أولَ مَن سعى

ومضتْ بها ذِكَرٌ إِليَّ حبيبة ... وخَلاَ بها ودٌّ نما وترعرعا

وقبستُ منها الشعر أمسِ ولم تزل ... توحي إليَّ الشعرَ و اكستر (إنجلترا)

فخري أبو السعود