مجلة الرسالة/العدد 218/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 218/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 09 - 1937



اختيار الأسماء وتبديلها

(وعلم آدم الأسماء كلها) القرآن

استبدال سمي صاحبي النبي - زاد الله مصر في أيامه ارتقاء ومجداً - بذلك الاسم الأعجمي، هذا الاسم (الفريدَ) العربي مستنا بسنة رسول الله () و (لكمْ في رسولِ الله أسوة حسنة) ففي (صحيح الترمذي): (كان رسول الله () يغير الاسم القبيح) وفي (مسلم والترمذي وأبي داود): (عن أبن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله () غير أسم الله عاصية وسماها جميلة) وفي (صحيح البخري): (قال: ما أسمك؟ قال: حَزْن، قال: بل أنت سهل) وفي (سنن أبي داود): (سمي حرباً سلماً وسمي المضطجع المنبعث، وأرضاً تسمى عفرة سماها خضرة، وشعبَ الضلالة سماه شعب الهدى)

فأستبدل ملك مصر - أيده الله - (فريدة) ب (سافيناز) هو (والله) من الجودة والارصان والإتقان بمكان. وما أجدر الناس - والناس على دين ملوكهم كما يقال - في مصر وغير مصر من بلاد العرب والإسلام أن يغيروا أسماءهم القبيحة، والأعجمية والإفرنجية، وأن يختاروا لبنيهم وبناتهم الأسماء العذبة الحسنة العربية. وقد قال محمود جاد الله (صاحب الكشاف):

(قد قدّم الخلفاء وغيرهم رجالاً بحسن أسمائهم، وأقصوا قوماً لشناعة أسمائهم) وقال: إن الأسامي السُّنْع - يعني الجميلة والشريفة الفاضلة - جديرة بالأثرة، وإياها كانت العرب تنتحي في التسمية لكونها أنبه وأنوه وأنزه عن النبز) وليستهد الجاهل بذلك الفقيه العالم صاحب الذوق. إياك من وفاقده وإياك من فاقده فرب عالم أو عويلم قد سلبه الله الذوق سلباً. فمن استرآه (طلب رأيه) في كلمة أو سم أتحفه بآبده. . . .

وإن الكلمات والأسماء العربية الفائقة البارعة الباهرة لتملأ الدنيا

(قارئ)

الهبات الملكية للبعوث الإسلامية في الأزه أفردت مشيخة الجامع الأزهر في مشروع الميزانية العامة باباً خاصاً للهبات الملكية - جاء فيه أن حضرة صاحب الجلالة الملك قد تفضل فأمر بوقف مبلغ قدره ألف جنيه لينفق على الطلاب الوافدين إلى الجامع الأزهر من اليابان وجهات البلقان، ووقف مبلغ قدره 720 جنيهاً سنوياً للطلاب الذين يفدون إلى جامع الأزهر من بلاد الصين. ثم ذكرت بعد ذلك ما يفيد أن جلالة المغفور له الملك فؤاد الأول قد وقف في حياته مبلغاً قدره مائة جنيه تصرف في كل عام مكافأة للأول والثاني من الناجحين في امتحان الشهادة من طلاب الكليات الأزهرية الثلاث

وبهذا يصبح مجموع الهبات الملكية لطلاب البعوث الإسلامية في الأزهر ولبعض طلاب الأزهر المتفوقين 1820 جنيهاً سنوياً

حديث طل

روي في مجلة العرب (الرسالة) الأستاذ محمد سعيد العريان المتحلي بالفضل والآداب، والسابق في الميدان، من كلام فقيد الأدب العربي ونابغته المرحوم (مصطفى صادق الرافعي) هذه الجملة: (فأن الموضوع طلي شهي) والطلي في العربية:

الجَدْيُ، الصغير من أولاد الغنم، وجمعه الطليان، وإنما سمي طلياً لأنه يًطلي أي تشد رجله بخيط أياماً. و (قول طلي) أي عذب أو ذو طلاوة قد نُقِد، والنقد حق لا يدفعه تعقب، ولا يجدي الجدل. وقد وجدت في اللغة لفظة صحيحة تسد مسد المنقودة، وتشكاكلها في أكثر حوفها، وهي (الطل) وهذا ما جاء في (أساس البلاغة) للزمخشري: (يوم طل: رطب طي، وحديث طل. ومن أعرابية: ما أطل شعر جميل وأحلاه؛ وامرأة طلة: حسنة نظيفة) وفي شرح القاموس: (الطلة الخمرة اللذيذة وقيل: السلسة) وفي لسان العرب: (وحديث طل أي حسن)

فقل (الطل) وكُلْ (الطلي). . .

المسرح المصري والنفوذ الأجنبي

كانت وزارة المعارف قد انتدبت في الشتاء الماضي خبيراً أجنبياً لدراسة شؤون المسرح المصري هو مسيو إميل فابر المدير السابق لمسرح الكوميدي فرانسيز. وقد نوهنا يومئذ بما هنالك من شذوذ في هذا الانتداب؛ وكانت نتيجة هذه الدراسة أن وضع مسيو فابر كالمعتاد تقريراً لا يخرج في معناه عما قيل وعرف منذ سنين؛ ولكن كانت ثمة نتيجة أخرى هي أن وزارة المعارف حملت على انتداب فرقتين فرنسيتين للتمثيل في دار الأوبرا في الموسم المقبل؛ وقد كان المعتاد من قبل أن تستقدم فرقة فرنسية واحدة إلى جانب بعض الفرق الأجنبية الأخرى؛ ولكن سنشهد هذا العام أول فرقة الكوميدي فرانسيز، ثم نشهد من بعدها فرقة الأوبرا كوميك؛ وهذه لعمري وسيلة بديعة للإصلاح المسرح المصري وتحريره من النفوذ الأجنبي. ولقد كنا نظن حينما تألفت الفرقة القومية أنها بداية عهد جديد في تاريخ المسرح المصري، وأننا سنظفر عما قريب بتمصير هذا المسرح وإصلاحه ليفي بالغايات القومية؛ ولكنا رأينا نفوذ الجهة الأجنبية التي استعبدت الفن المصري منذ قرن يشيد عن ذي قبل؛ وظهر أثر هذا النفوذ واضحاً في تنسق القيم المصري بمعرض باريس، ثم ظهر في هذه النتيجة المعكوسة التي انتهى إليها انتداب الخبير الفرنسي لإصلاح المسرح المصري، ولسنا نعرف متى يتحرر الفن المصري من هذه السيطرة الأجنبية التي تحاول تمكين أغلالها دائماً؟ ولكن الذي نعرفه هو أن الفن المصري لا يمكن أن ينهض من عثاره ما دام خاضعاً للتوجه الأجنبي، وأن مصر لن تظفر بقيام المسرح المصري المنشود ما لم تعمل أولاً على تحريره من هذه الأغلال.

فهارس للفن الأندلسي

من المعروف أن أسبانيا تملك كثيراً من التحف الفنية الأندلسية؛ ولكن توجد إلى جانب ذلك مجموعات أخرى من تراث الأندلس الفني لم تذع محتوياتها؛ ومن ذلك مجموعة الجمعية الأسبانية الأمريكية، فهي تملك مجموعة كبيرة من المصنوعات الخزفية الأندلسية، ومن قطع الوشي والنسيج الأندلسية. وقد صدر أخيراً فهرسان كبيران مصوران لمحتويات هذه المجموعة الشهيرة أحدهما للتحف الخزفية وهو بقلم السيدة أليس فورذنهام، والثاني للوشي والنسيج، وهو بقلم السيدة فلورنس ماي؛ وقد صدر الفهرس الأول بمقدمة بديعة عن تاريخ الخزف الأندلسي، ونماذجه وألوانه ولا سيما فنون غرناطة، وما كان لها من أثر عميق في تقدم فن النقش والتلوين. وقد اشتهرت مالقة وغرناطة منذ القرن الثالث عشر بصناعة الخزف المذهب؛ واشتهرت تونس في هذا العصر بصناعة الآنية المزخرفة المسماة (ملكي) وكان لبلنسية شهرة فائقة في هذا الفن، وكان لها أثرها فيما بعد في أرجوان وقشتالة؛ ثم ذاع هذا الفن الأندلسي بعد ذلك في فرنسا وإنكلترا. وكان الملوك والأمراء في العصور الوسطى يزينون قصورهم وابهاءهم بنماذج من الخزف الأندلسي والتوينات الأندلسية، ولا سيما الألوان الذهبية الوهاجة التي برع فيها أهل الأندلس. كذلك يصف الفهرس الخاص بالنسيج براعة أهل الأندلس في هذا الفن، وما كان لهم من فضل في تقدم النقوش والنماذج المتماثلة، واستحداث صور الأزهار والزخارف المستديرة. وقد كان للفن الأندلسي أعظم الأثر في تطور هذا الفن الدقيق أيام عصر الإحياء، وكانت غرناطة أيام ازدهارها تخرج من الحرير والكتان أفخم وأبدع النماذج التي كانت تستوردها أعظم القصور والشخصيات

آراء جديدة في العقاب

تطورت فكرة العقاب في القرن الماضي تطورً عظيماً، ثم هي لا زالت تتطور اليوم. وقد أصبحت الغاية الأولى من العقاب هي الإصلاح الاجتماعي بعد أن كانت هي الزجر والردع. وللعلامة الألماني الدكتور هانس فون هنتج كتاب في هذا الموضوع ظهرت أخيراً ترجمته الإنكليزية وعنوانه (العقاب؛ أصله، وغايته ونفسيته). ويقول الدكتور فون هنتج في تصديره إنه يقصد بمؤلفه أن ينفذ إلى ذهن الرجل العادي قبل الأستاذ الباحث؛ لأن الرجل العادي هو المسئول في الواقع عن وضع التشريعات الحسنة والسيئة؛ ويتناول فكرة العقوبة والعقاب من ناحية جديدة، ويضع للعقاب تعريفاً جديداً، ويصفه بأنه نوع من التطعيم لخطر صناعي لا يقل شبهاً عن الأخطار التي تفرضها الطبيعة ذاتها لصون قوانينها، ويعرفه في مقدمته بما يأتي: (العقوبة تعني إنشاء خطر صناعي، والعقاب إضرار منظم، وصدع للحياة منظم في شكل قوانين يستعملها المجتمع ليعود الإنسانية على تجنب بعض طرق العمل التي تخاصمها أو تؤذيها)

ويرى الدكتور فون هنتج أن فرض العقوبة لا يبرره سوى السعي إلى تخفيف الضرر الإنساني، وعنصره القانوني يتوقف تماماً على مقدرته في التأثير في غرائز الفرد ومشاعره، فالرجل الذي لا يشعر مثلً شعوراً قوياً بغريزة الاحتفاظ بالنفس لا تؤثر فيه العقوبة كثيراً؛ وكذلك لا يكون للعقوبة قيمة اجتماعية إذا كان اكتشاف الجريمة التي توقع من أجلها العقوبة أمراً عارضاً. ويقدم لنا المؤلف أمثلة عملية عديدة يرى أن العقاب فيها لا أثر له ولا وازع، ويقول لنا إن مضاعفة العقوبة في مثل هذه الأحوال إنما هي قسوة همجية لا تحقق شيئاً من الردع المقصود؛ بيد أن القانون قد أعتاد هنا أن يضاعف العقوبة، دون أن يحاول صقل الجهد في الإثبات والاكتشاف؛ في حين أنك ترى مثلاً فتى مغامراً يعتمد دائماً على حقه في الإفلات من العقوبة، وبذل لا يخشى العقوبة إلا بقدر ما يخشى جهنم

والعقوبة المادية ليست كل شيء في تحقيق فكرة العقاب؛ فمشاق السجن مثلاً يستطيع الكثيرون تحملها، ولكن الضرر الحقيقي هو في الحياة التي تلي حياة السجن. والواقع أن معظم العقوبات القانونية قاصرة عن تحقيق الأغراض التي وضعت لها؛ ومن الواجب أن تكون القوانين في الدولة المثلى، سواءاً كانت مدنية أو جنائية، سائرة وراء معيار الإنسانية في تقدير الخطأ والصواب

ويعالج الدكتور فون هنتج موضوعه الدقيق بوضوح يقربه إلى فهم القارئ العادي، ويجعله في نفس الوقت مرجعاً قيماً للباحثين

تعميم تدريس الدين في التعليم الثانوي والابتدائي للبنين والبنات

قررت وزارة المعارف تعميم تدريس مادة الدين في جميع فرق الدرسان بالمدارس الثانوية والابتدائية للبنين والبنات بعد ما كانت مقصورة على السنتين الأولى والثانية

وقد أعتمد معالي وزير المعارف المنهج الذي وضعه مكتب تفتيش اللغة العربية لهذا الغرض وستبدأ المدارس بتطبيقه في السنة الدراسية المقبلة

وأهم ما في هذا المنهج درس أخلاق ومناقب عمر بن الخطاب والسيدة عائشة والسيدة خديجة درساً صحيحاً يتجلى فيه ما لهم من أخلاق حميدة ومواقف مشهورة تبعث الطلبة على الإقتداء بهم، ودرس الآيات الكريمة والأحاديث النبوية. وأن تقترن هذه الدراسة بما يناسبها من الموضوعات، وأساس الدين الإسلامي، والآداب الإسلامية، وأدب الإنسان مع خالقه ومع المجتمع، ودرس سيرة أبي عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد، والإسلام والشورى، والإسلام والحكومة الصالحة، ودرس سيرة عمر بن عبد العزيز، والإمام أبي حنيفة، وسعد بن أبي وقاص، وأسماء بنت أبي بكر، والسيدة حفصة، ودرس الرسل والحكمة في إرسالهم، والإسلام وقواعده الخمس، والفضائل التي عز بها الإسلام، وتأثير الإسلام في تهذيب النفوس، وشرح الفضائل والرذائل، وعناية الإسلام بشأن المرأة، والبدع والعادات المخالفة للدين

حول أرزة لامرتين

أخي السيد خليل عطا الله:

لست أدري طيف يجب أن أقول: ويل للتاريخ من الشعر أو ويل للشعر من التاريخ. وإنما أحب أن تعلم أنني يوم زرت الأرز، منذ شهر ونيف، ونظمت فيه قصيدتي، لم أكن عالماً ولا مؤرخاً، ولعلي لن أكون أحدهما أبداً، وإنما أنا شاعر تجولت وإخواناً لي في ظلال الأرز ساعة من زمان صحبة دليل، واستمعت مأخوذاً إلى ما يقصه علينا هذا الدليل من كريات شعرية عذبة، وأنعمت النظر فيمت تركته هذه الذكريات من آثار محسوسة باقية، فوجدتني أطرب لهذا الفيض الشعري الساحر، فأصوغ طربي شعراً كفاني صدقه شرفاً ومجداً. ولا أعرف في الناس يا أخي من هم أحق بالرثاء من هؤلاء العلماء والمؤرخين الذين يستحقون كل إجلال وإعظام، والذين يفنون زهرة صباهم، وعنفوان شبابهم، وجلد كهولتهم، وراحة شيخوختهم، بين أكوام الأوراق ورفوف الكتب، ليظهروا حقاً أو ليزهقوا باطلاً؛ أما أنا فليس أحب إلى نفسي من أن تكون الحياة كلها أسطورة! ولعلها كذلك!. . .

أقول هذا لتوقن أنه لا ذنب لي في هذا الخطأ التاريخي الذي ارتكبه، وإنما هو ذنب ذلك الدليل (الصادق) الذب طاف بي أرجاء الغابة يدلني ويعلمني ويهديني السبيل؛ وذنب تلك اللوحة الرخامية المنصوبة على أرزة لامرتين، تلك اللوحة التي تؤكد زيارة الشاعر الكبير للأرز خريف عام 1832، والتي رأيتها ولا شك في الصورة التي نشرتها (الرسالة) العزيزة. وإني إن شكرتك على ملاحظتك التاريخية القيمة فكم أحب أن أوجها بدوري إلى أولئك الإخوان في بلدة (بشرى) الذي نصبوا تلك اللوحة منذ سنوات على الشجرة المذكورة وفي أعلى النقش تخليداً لذكرى هذه الزيارة بمناسبة مرور مائة عام عليها، دون أن يشيروا بكلمة إلى حقيقة هذه الزيارة أو حقيقة هذا النقش؛ وكم أود أيضاً - رغم كل هذا - أن يتمسك أولئك الأخوان بمعتقدهم، وأن يؤمنوا بزيارة الشاعر الكبير وأبنته لأرزهم، ونقشهما أسميهما على إحدى شجراته، ولو كتب هنري بوردو ألف كتاب، لا كتاباً واحداً في دحض هذه الزيارة وتفنيدها. لا أريد بهذه الحقيقة والتاريخ، وإنما أريد الاحتفاظ بهذا الكنز الشعري الروحي الثمين. ومن يدري فلعل كاتباً آخر يقوم غداً فينقض كل ما كتب صاحبنا (بوردو) ويثبت كل ما أنكر!

وختاماً أشكر يا أخي ملاحظتك الرقيقة من كل قلبي، وإن كنت آسف، وأحسبك ستأسف مثلي، على أنك أفقدتني أو كدت تفقدني عطفي على قصيدة هي على من أعز شعري

والسلام عليك. . .

(دمشق)

أمجد الطرابلسي