مجلة الرسالة/العدد 219/الغدير

مجلة الرسالة/العدد 219/الغدير

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 09 - 1937



على صفحتَيْك تلوح النجومْ ... وفوق لجينك يلهو القمرْ!

مياهك راكدة كالهمومْ! ... أأضنى مياهك طول السهرْ؟

ترف عليها طيوف النخيلْ ... وترقص فيها ظلال الغصونْ

وتنسابُ منهوكة كالعليل ... طواه الأسى واحتواه السكونْ!

وتمضي الهوينى رويداً كما ... يمر الزمان على اليائسِ!

وتسبح في صمتها مثلما ... يجوب الكرة مقلة الناعسِ!!

فيا سارياً ما ينام الدجى ... وما يستطيب الكرى والوسَنْ

في سائل عيني عنك الحجا: ... أهذا الغدير رقيب الزمَنْ؟!

تلف الحقول وتطوي القرى ... وما لك من صاحب أو رفيقْ

أما يا غدير سئمتَ السُّرَى ... وبُعد المطاف وطول الطريق؟!

فأيان تلقى غبار المسيرْ؟ ... وأنى تلبي نداء العدَمْ؟!

وحتام تحيا حياة الأسيرْ ... وفيها الملال ومنها السأمْ؟

طويت القرون ولما تزلْ ... فتياً كما كنتَ منذ القدَمْ!

كأنك في الأرض نور الأمَلْ ... ينير الدياجي ويمحو الظُّلَمْ!!

تقبِّلك الوردةُ الهائمهْ ... وترشف من فيكَ معني الأملْ

وتغضى فتحسبُها نائمهْ ... ولكنها أسكرتْها القبلْ!!

وتحضنك النسْمة المترفَهْ ... وتشكو إليك لهيبَ الجوى

وتهمسُ في أذنْك المرَهفه ... حديث العتاب ونجوى الهوى

وترقى وئيداً إلى الرابيهْ ... وتعدو حثيثاً إلى المنحدَرْ

ونفسك دائبة ساعيهْ ... وغيرك يشكو الونَى والخوَرْ!

وتشرق في الظلمة الدامسهْ ... كأنك في الأرض معنى الهدَى

وتضحك في الليلة العابسهْ ... فعش هانئاً قد أمِنت الردَى

وأمواهك العذبة الشادَيهْ ... ترتل لحن المنى باسمَهْ

هنا الشعر والسحر والعافيهْ ... هنا الحب والفتنة الهائمهْ!!

هنا قد عَرَفْتُ الهوى والجمالْ ... وأدركْتُ كيف يكون الخلودْ هنا قد درَى القلب معني الكمالْ ... ومعنى الحياة وسِرَّ الوجودْ!!

بربك صِف ما وراء الغيوبْ ... وحدِّثْ عن المقبل المنتظرْ

أناخت على كاهليَّ الخطوبْ ... فجئتك أشكو إليك القدرْ!!

فيا معهد الحب أينَ الحبيبْ؟ ... ويا موطن الحسن أين الهوى؟!

تنكرْتَ لي فكأني غريبْ ... وما غيرتْني صروف النوى!

سأغمض عينيَّ حتى أرى ... خيالك يملأ لي خاطري

وأحيا بذكرك بين الورى ... فهل أنت إن لم أعُدْ ذَاكِري؟!

(إسكندرية)

محمود السيد شعبان